هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طوال التاريخ؛ حضرت نظرية المؤامرة في تفسير الأحداث، أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، أم حتى كونية طبيعية، ولم يتوقف أحد للوقوف بشكل جدي ضد تلك النظرية، لا من حيث حرية النشر ولا الحديث، لا سيما أن أصحابها كانوا غالبا على هامش الأحداث، ولا يؤثرون فيها بشكل جوهري، فضلا عن اعتبار كلامهم من باب حرية التعبير في الدول التي تؤمن بتلك الحرية.
لكن الأمر صار مختلفا في ظل جائحة كورونا، فطوال ما يزيد عن عام؛ حضرت نظرية المؤامرة وتحضر كسبب للكثير من الأضرار؛ على صعيد الدول وعلى صعيد الشعوب، وهناك دول دفعت أثمانا باهظة بسبب تبني قادتها للنظرية فيما يتعلق بالوباء، وعلى رأسها الدولة الأكبر في العالم (الولايات المتحدة)، وبالطبع في ظل ترامب.
مؤخرا؛ ناشد (أنتوني فاوتشي)؛ مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، والشخصية الأهم في جهود مكافحة الوباء.. ناشد ترامب أن يدعو أنصاره لتلقي اللقاح، وهو ما كان؛ ربما لأن الأخير قد شعر بأهميته من جهة، وربما كي لا يضيف نقطة إدانة له في المجتمع من جهة أخرى. ومعلوم أن ترامب كان من أهم من روّجوا نظرية المؤامرة، والكثير من الهراء بشأن الوباء وسبل مواجهته، وكان أنصاره من ذات اللون.
كان الرئيس التنزاني جون ماغافولي؛ من أبرز المشككين في وجود فيروس كورونا في أفريقيا، ودعا إلى مواجهة الفيروس بالصلاة والعلاج ببخار الأعشاب المحروق ، ولكنه توفي بسبب الفيروس، حسبما قال كثيرون، خلافا لما أعلنته السلطات بشأن وفاته بأمراض قلبية.
اقرأ أيضا: عن كورونا الذي يطاردنا بأسئلته.. المؤامرة أولا!!
منذ أسابيع، استعادت نظرية المؤامرة حضورها بعد تراجع عملي فرضته أرقام الإصابات والوفيات المرعبة، وهذه المرة فيما يتعلق باللقاحات التي تعرّض لموجات من التشكيك، ليس فيما خصّ كل لقاح على حدة، كما هو حال الجدل بشأن لقاح "استرازينكا" البريطاني الذي تعرّض للكثير من الجدل، ومنعته دول كثيرة، قبل أن يُصار إلى اعتماده من منظمة الصحة العالمية ومن معظم الدول الأخرى.
والحال أن الأمر هذه المرة يبدو أكثر خطورة من مجرد إنكار وجود المرض، رغم تأثير الموقف الأخير على وسائل الحماية، وبالتالي الانتشار، ذلك أن رفض اللقاح يعني استمرار تعريض المجتمع لموجات من الوباء قد تعطّل منظومته الصحية، وقد تؤدي إلى إجراءات ذات تبعات كارثية على الاقتصاد، ما يعني ضرورة أن يحصل الجميع على اللقاح؛ أقله كبار السن في المرحلة الأولى.
وحين يتواصل نشر نظريات المؤامرة بشأن اللقاح وتأثيراته، فسيتواصل العزوف عنه من قبل قطاعات كبيرة من الناس؛ تتفاوت بين بلد وآخر، وتتراجع كلما ازدادت درجة الوعي. ولعل المصيبة الكبرى هي تورّط بعض محسوبين على العلم، وأقله متعلمين في ترويج تلك النظريات، الأمر الذي يؤثر سلبا على جهود التطعيم. وهنا نشعر بالكثير بالحزن حين نقول إن الكيان الصهيوني كان الأول في العالم من حيث نسبة الذين تلقوا اللقاح (أكثر من 60 في المئة من الناس حتى الآن).
صحيح أن لذلك صلة بسطوة لوبياته، لكن الحقيقة أن حكومته دفعت ثمنا أكبر لشركة (فايرز) من أجل ذلك، ومنطقهم أن كلفة إغلاق يوم واحد، قد تزيد على ما تم دفعه لقاء اللقاح.
من هنا، فإن التصدي لتلك النظريات البائسة تغدو مهمة كل العلماء والمفكرين والكتاب والدعاة، لأن الأمر يتعلق بأمن المجتمعات ومصالحها وحياة أبنائها.
أختم هنا بمقتطفات من قصة رواها مؤخرا الطبيب الأردني محمد حسان ذنيبات، والذي يتخصص في "أمراض الكلى" في كندا، وذلك عبر تغريدات في "تويتر"، فلعل فيها بعض العبرة لمن يروّجون نظرية المؤامرة بشأن اللقاح.
يقول:
آلمني منذ يومين؛ وفي قلبي مرارة لا زلت أذوقها حين قدّمت العزاء لصديق لي فقد والده بعد معاناة في إحدى غرف العناية المركّزة في عمّان إثر إصابته بكورونا. سألته بعفوية -وهو صديق مقرب جدا- : هل تلقى والدك اللقاح، فتفاجأت به صار يبكي بكاء شديدا. حاولت التخفيف عنه، فقال لي: للأسف. والدي كان يثق في كوني ابنه الأكبر المغترب، وحين استشارني نصحته بأن لا يأخذ اللقاح). خففت عنه وأخبرته أن قدر الله نافذ.
بعد ذلك يعلّق على الواقعة قائلا: "بالله عليكم.. هذه رسالة ومسؤولية لكل من يصله كلامي أن يسجل أهله على المنصة وأن يلحّ عليهم بأخذ اللقاح، وأن يتوكل على الله، فالعلم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه، يقول لنا إن اللقاح هو ما يخرجنا من هذه الدوامة بإذن الله".