كتاب عربي 21

زيارة "دبيبة" للخليج وما أثير حولها

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
هي حكومة الوحدة الوطنية، وهي بالتالي على الحياد، بمعنى أنها ستقف من الجميع مسافة واحدة، الجميع في الداخل والخارج.

هذه العبارة لم ترد على لسان رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، ولم تتضمنها مقترحاته لبرنامج حكومته، إلا إنها تفهم وتستنبط من سياق مواقف الحكومة، ومن جدول زيارات أعضائها (الرئيس ووزير الخارجية).

هناك محدد مهم يمكن أن يبرر للحكومة تعاملها بحياد والوقوف مسافة واحدة من الجميع، وهو أن سياق التفاوض بعد خسارة حفتر حدد الإطار العام الذي يحكم مواقف وسلوك الحكومة وتعامل مع الأزمة بمنطق "حتحات على ما فات". فالمسار لم يتعامل مع الملفات الشائكة والتي منها العدوان على العاصمة وتداعياته، وترك الحكومة تواجه هذا المأزق الصعب.
المسار لم يتعامل مع الملفات الشائكة والتي منها العدوان على العاصمة وتداعياته، وترك الحكومة وتواجه هذا المأزق الصعب

عليه، فإن الحكومة - على ما يبدو - تمضي في سياساتها الداخلية والخارجية وفق مقاربة "صفر مشاكل" و"صفر عداوات"، بمعنى أنها لن تعادي أيا من الأطراف الداخلية مهما كان ماضيه ومقدار مساهمته في تأزيم الوضع، وبنفس المعيار تسير في تعاطيها مع الأطراف الخارجية.

وللتوضيح أقول إن الحكومة ربما نظرت إلى الإطار الزمني المقرر لتنفيذ مهامها وما أنيط بها من مسؤوليات، فرأت أنها لكي تصل بالليبيين إلى محطة الانتخابات التي لا يزال على تاريخ انعقادها أقل من تسعة أشهر؛ لا بد لها من نزع فتيل التأزيم بعدم الالتفات إلى الواقع المعقد للأزمة بعد العدوان على طرابلس.

الإشكال في هذه المقاربة أنها تتجاهل ما لا يمكن تجاهله، خاصة أن برنامج الحكومة يتضمن ملفات في صلب الموضوع ولها علاقة مباشرة بالعدوان على طرابلس وتداعياته، ومنها ملف المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.

أعتقد أن التعامل مع الأزمة الداخلية وروافدها الخارجية بعد الحرب على طرابلس بمنطق وكأن شيئا لم يكن؛ لن يسعف الحكومة في شق طريقها بسلام حتى تحقيق الغاية التي اختيرت من أجلها، في الوقت الذي تلاحق فيه تداعيات الحرب الحكومة نفسها.

ليس مطلوبا من الحكومة أن تعلن العداء لحفتر أو تظهر "العين الحمرا" لحلفائه ومن دعموه في العدوان الغاشم على العاصمة، لكنه من غير المقبول أن تتعامل معهم بأفضلية وتمييز، وكأنها تكافئهم على ما فعلوه من دمار والخراب.
أزمة الحكومة في مقاربتها التفضيلية للمعتدين في الداخل والخارج - فهي هكذا تبدو بالنظر إلى سلوك الحكومة ومنها زيارة رئيس الحكومة لبعض دول الخليج - أنها تصطدم بنتائجها المروعة التي لم تمح أثارها بعد

أزمة الحكومة في مقاربتها التفضيلية للمعتدين في الداخل والخارج - فهي هكذا تبدو بالنظر إلى سلوك الحكومة ومنها زيارة رئيس الحكومة لبعض دول الخليج - أنها تصطدم بنتائجها المروعة التي لم تمح أثارها بعد، بل إن نتائجها ما تزال تجتر ومنها الاكتشافات المستمرة للمقابر الجماعية في ترهونة.

من أكد على أن القصف المروع والصادم للكلية العسكرية والذي تسبب في سقوط العشرات من القتلى والجرحى من اليافعين كان بفعل طائرة إماراتية هو تقرير صادر عن لجنة الخبراء الأممية التابعة للأمم المتحدة، فهل يمكن تجاهل مثل هذه الوقائع بحجة أنها حكومة وحدة وطنية، وبذريعة مقاربة "صفر عداوات"؟!

عدم قراءة الواقع المأزوم بعمق قد يضع أمام الحكومة عوائق وعراقيل إضافية ولن يساعدها في الوصول للهدف الرئيسي، فمهمة الحكومة لا تتطلب التزلف، ولو أن السيد دبيبة أعلن بصراحة عن تركيز جهوده في الداخل لكان أجدى له ولنأى بنفسه عن الجدل الحالي.

أما القول بأن التماس ود الأطراف المتورطة بشكل سلبي جدا في الأزمة الليبية خلال العدوان على العاصمة مطلوب لأجل تحييدهم؛ ففيه قصور من جهة أن السراج قام بذلك وأكثر منه ولم يشفع له ذلك، وجاءته الطعنة في الظهر من حفتر ومن الإمارات التي وثق بها تمام الثقة.
أما القول بأن التماس ود الأطراف المتورطة بشكل سلبي جدا في الأزمة الليبية خلال العدوان على العاصمة مطلوب لأجل تحييدهم؛ ففيه قصور من جهة أن السراج قام بذلك وأكثر منه ولم يشفع له ذلك

ومن جهة أخرى، فإن مقاربة التفاوض ومسار التسوية ترعاه واشنطن، وهي التي دفعت الأطراف الإقليمية والدولية الحليفة لحفتر بالتراجع عن دعمه، فلماذا والحال كذلك يمنحها هذا التمييز؟!

جميل لو أن السيد دبيبة نجح في استخلاص اعتراف من أبو ظبي بخطئها في دعم حفتر وما ترتب على هذا الدعم من فظائع وتحصل على اعتذار رسمي، فيمكن أن تكون الصورة مختلفة تماما عندئذ.

وأخلص إلى القول بأنه وبرغم صعوبة تجاهل نتائج العدوان على طرابلس وتداعياته، إلا إنه يمكن أن يقبل من الحكومة الابتعاد عما يثير الجدل. فلا الإمارات ولا قطر ولا فرنسا ولا تركيا ولا مصر، وإنما السيولة وكورونا والمصالحة والأمن، وقبلها وبعدها الانتخابات العامة. فالأيام تمضي سريعا والأزمات كبيرة، والغرق فيها يدخل الحكومة في دهليز لا مخرج منه.
التعليقات (0)