لا تزال محافظة مأرب وعاصمتها المكتظة بالسكان محور
الحرب الدائرة حالياً في
اليمن والمسرح الذي يشهد أكثر المواجهات المسلحة شراسة
ودموية وفتكاً، في ظل إصرار
الحوثيين ومن خلفهم
إيران على بلوغ هدف السيطرة على
هذه المحافظة الغنية بالنفط، وإصرار الملايين من سكان المدينة ومعظمهم لاجئون على
القتال حتى إفشال الهجمات الحوثية..
لقد نجح الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل في صد
الهجمات الحوثية وتحويلها إلى عمليات انتحارية بامتياز، لكن هذا الجيش لا يزال
يواجه استهدافاً من نوع خطير يضرب معنوياته وإصراره وصموده، والأمر هنا يتعلق
بافتقاره إلى الدعم الشامل الذي يستحقه لمعادلة المعركة من الدفاع إلى الهجوم،
وإلى إنهاء مصدر الخطر الذي يحيق بأهم معاقل الشرعية على مستوى البلاد، وهو أمر
مرهون بتوفر إرادة سعودية حقيقية لا تقبل الشك ولا تندرج ضمن الهبات الاختيارية
المقدمة من هذه الحكومة لحلفائها المغدورين.
فالسعودية لا تستطيع أن تمن على أنصار الشرعية ورجالها،
في ظل التطورات المقلقة لمسار الحرب، إذ أن تكريس دولة للحوثيين قابلة للحياة
وتتوفر لها الإمكانيات المادية والعمق الجغرافي؛ هي النتيجة الأكثر حسماً للحرب
لصالح إيران. ولا يمكن للسعودية أن تنعم بالهدوء والاستقرار، في ظل توفر إمكانيات
لالتحام الكيان المعادي في الجانب الآخر من الحدود مع جماعات شيعية متوترة ومتوثبة؛
تمسك بخناق المملكة في مناطق حيوية بجنوبها وشرقها.
يمكن للسعودية أن تنعم بالهدوء والاستقرار، في ظل توفر إمكانيات لالتحام الكيان المعادي في الجانب الآخر من الحدود مع جماعات شيعية متوترة ومتوثبة؛ تمسك بخناق المملكة في مناطق حيوية بجنوبها وشرقها
ولنا في العراق كما في لبنان وسوريا واليمن ما يكفي من
الأدلة على إمكانيات نجاح إيران في التحكم بالدول عبر مكوناتها الطائفية النشطة،
التي يتم تأهيلها للحظة المناسبة التي تنجح خلالها في توجيه الضربة القاتلة للجسد
الكبير المفكك والمتصارع وغير المتماسك، وخلق وقائع جيوسياسية يصعب تغييرها والسيطرة
عليها في المدى المنظور.
بعد يومين من
تصريحات أطلقها مساعد قائد الحرس الثوري
الإيراني، الجنرال رستم قاسمي، بشأن دور بلاده في تسليح الحوثيين ودعمهم لوجستياً
وتمكينهم من صناعة الأِسلحة الفتاكة التي يقاتلون بها على الساحة اليمنية ويهاجمون
بها العمق السعودي، أطلق أنصار الجيش الوطني هاشتاجاً على مواقع التواصل الاجتماعي
يؤكد أن اليمنيين يخوضون في بلادهم معركة هي ضد إيران في المقام الأول.
وعلى الرغم من أن دائرة العلاقات العامة في الخارجية
الإيرانية انتقدت تصريحات قاسمي وحاولت أن تؤكد أن الدعم الإيراني للحوثيين هو
دعم سياسي، إلا أن ذلك لا يغطي على الهدف الذكي جداً لتصريحات قاسمي، وهو إظهار
الرياض في هيئة من يستجدي السلام من
طهران، عبر
المحادثات السرية التي قيل إنها عقدت في العاصمة العراقية بغداد وشارك
فيها ضباط من الاستخبارات
السعودية والإيرانية وفقاً لوسائل إعلام غربية مرموقة.
الهدف الذكي جداً لتصريحات قاسمي، وهو إظهار الرياض في هيئة من يستجدي السلام من طهران، عبر المحادثات السرية التي قيل إنها عقدت في العاصمة العراقية بغداد وشارك فيها ضباط من الاستخبارات السعودية والإيراني
لقد فضلت السعودية على ما يبدو نفي القصة برمتها، والتي
أكدت صحيفة الفايننشال تايمز ووكالة رويترز انعقادها بدعوة من الحكومة العراقية، وأنها
ناقشت على وجه الخصوص الملفين اليمني واللبناني.
محاولة أنصار الشرعية شد الانتباه إلى أن معركتهم في
اليمن هي مع إيران، يغطي على أعداء لا يقلون خبثاً عن إيران، أعداء في هيئة حلفاء،
لطالما تربصوا باليمن ولطالما وفروا لإيران أدوات المعركة، وحرروها من أعباء خوضها
في ساحة كانت تبدو عصية للغاية على طهران وعصبتها الطائفية التي تشكلت بإيقاع
منضبط في قلب الجغرافيا الشمالية الغربية لليمن، وفي وعمق الدولة التي أدارها صالح بحماقة كبيرة وقدم نفسه خلالها كقائد
وطني، بينما ظل يخفي خلف مظهره العصري الجمهوري سترة طائفية لوقايته من الموت
السياسي.
لا تخجل إيران أبداً عن الحديث حول دورها الخشن في
اليمن، لأنها ومن منطلقات عقائدية أولاً واستراتيجية ثانياً ترى اليمن مجال نفوذ
حيوي في غاية الأهمية، ومن خلاله يمكن التأثير على أهم قوة إقليمية سنية هي
السعودية التي تختط للأسف نهجاً كارثياً للمحافظة على ثقلها الاستراتيجي، بعيداً
عن هويتها الدينية والثقافية التي تأسست عليها، وتبدي إصراراً مميتاً على تكريس
النهج الدكتاتوري بأوجه جديدة، اقتضت من وجهة نظر العهد الجديد أخذ الدولة بعيداً
عن صورتها التقليدية ككيان سني محوري معني بحراسة الحرمين وبالذود عن عقيدة التوحيد.
لا تخجل إيران أبداً عن الحديث حول دورها الخشن في اليمن، لأنها ومن منطلقات عقائدية أولاً واستراتيجية ثانياً ترى اليمن مجال نفوذ حيوي في غاية الأهمية، ومن خلاله يمكن التأثير على أهم قوة إقليمية سنية هي السعودية التي تختط للأسف نهجاً كارثياً للمحافظة على ثقلها الاستراتيجي
معركة مأرب تتجه نحو الحسم لصالح الجمهورية، وسيتلقى
الحوثيون هزيمة عسكرية محتومة بإذن الله، لكن ذلك وحده لا يكفي، ما لم يتم تقويض
قاعدتهم السياسية في صنعاء وتجريفهم من العمق الجغرافي الراهن الذي يتحكمون به
ومعه على أكبر كتلة سكانية وموارد اقتصادية في البلاد.
ثمة من يرى حاجة إلى إعادة هندسة الشرعية لإقصاء الوجوه
الحالية، وبالأخص الرئيس الانتقالي عبده ربه منصور هادي وتمكين قوى سبق وأن تلقت
هزيمة عبثية على يد الحوثيي في صنعاء.
ومع أن الرجل قدم ما يكفي من الأدلة ليس فقط على عدم
كفاءته بل على تورطه في هزيمة الدولة، إلا أن تغيير الشرعية خارج الإرادة الوطنية
لعموم الشعب اليمني الرافض للمشاريع الإقليمية التوسعية والطائفية والمناطقية؛
يبقى شكلا من أشكال العدوان على الجمهورية اليمنية وأحد المبررات القوية لاستمرار
الدور التخريبي لإيران في الساحة اليمنية.
ثمة تحول في المناخ الدولي يشي باستعداد لإعادة تقييم
دور وخطورة مليشيا الحوثي في اليمن، تكشف عنه التأكيدات الأمريكية والغربية على
أهمية توقف الحوثيين عن مهاجمة مأرب لأسباب إنسانية، وإجراء مناقشات جادة لفحص
السلوك الحوثي، كما كشف عن ذلك أحدث استماع للمنسقة السابقة للشؤون الإنسانية في
اليمن ليزا جراندي، من قبل لجنة فرعية في الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي،
والتي أطلقت خلاله تصريحات قوية تكشف التأثير المدمر للحوثيين في مناطق سيطرتهم.
لكن ذلك يحتاج إلى تحرك نشط وموازي من جانب السلطة
الشرعية وإحداث فارق حقيقي في معادلة المعركة الحالية في مأرب والتفكير الجدي في
خوض معركة حاسمة تقضي على النفوذ العسكري للحوثيين قضاء مبرماً.
twitter.com/yaseentamimi68