أثناء الأسابيع الأولى للثورة
المصرية، كنت أغطي الأحداث صحفيا من مدينة
السويس، وكان زخم الأحداث التي تموج بها في ذلك الوقت أكبر مما يمكن نشره في وسائل الإعلام. كانت هناك قصة أخرى للثورة المصرية تدور رحاها في مدينة السويس، ما بين أقسام شرطة محترقة واعتصامات للعمال في المصانع وأعداد من الشهداء لا تنقطع.. هذه المدينة التي قدمت أول شهيد في الثورة هو مصطفى رجب محمود، مساء يوم ٢٥ كانون الثاني/ يناير ٢٠١١.
ذهبت حينها لمقابلة
الشيخ حافظ سلامة رحمة الله لإجراء حوار صحفي، فوجدته منهمكا مع أهالي الشهداء الذين يتوافدون على مكتبه طلبا لأنواع مختلفة من المساعدة. وكان الرجل حاضر الذاكرة ونشيطا رغم كبر سنه، وقال وقتها إن شهداء اليوم هم أحفاد شهداء الأمس الذين صمدوا في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية في حرب ١٩٧٣ ومنعوا استسلام المدينة.
ولا يعد الشيخ
حافظ سلامة رمزا من رموز مدينة السويس في المقاومة والدعوة والسياسة والعمل الاجتماعي فقط، بل يجسد أيضا اختصارا لتاريخ مدينة مظلومة في العقود الماضية رغم التضحيات الجسام التي قدمتها في اللحظات المصيرية الحاسمة في التاريخ المصري. تماهى
الظلم الذي لحق بالمدينة مع الظلم الذي لحق بالشيخ حافظ سلامة وذكراه، والذي كان من مظاهره إهمال في التنمية والتحديث في المدينة وتنكر لدور الشيخ التاريخي والاجتماعي الريادي.
تختلف السويس عن بقية المدن المصرية المختلفة، فهي المدينة الذي ذاق أهلها معنى النزوح والتهجير بعد هزيمة ١٩٦٧ وانتشروا في المحافظات المصرية المختلفة. قابلت كثيرين يتذكرون طفولتهم في السويس ولحظات التهجير والبحث عن مأوى وعمل جديد بعد لحظات الهزيمة المؤلمة آنذاك، وتوارثت العائلات مرارة النزوح الداخلي الذي يذكرهم بنزوح وتهجير أشد مرارة مع أهل فلسطين.
يدرك أهالي السويس هذه الحقيقة ويشبون على معاني الشهامة والمقاومة في استدعاء لدور المدينة البطولي في حرب ١٩٧٣، الأمر الذي جعلها مدينة عصية على تطويع نظم الحكم المختلفة في حقبتي السادات ومبارك، لهذا حُرمت من كثير من امتيازات التنمية والتطوير وكأنها عقوبة لها على هذا الدور والتاريخ.
مظلومية مثل مظلومية الشيخ حافظ سلامة لم تنعكس سلبا على دور أي منهما في خدمة الوطن والدين، بل أكسبته صلابة وإصرارا على الاستمرار والمضي قدما في القيام بدور رسالي عز وجوده هذه الأيام. فلم ينحصر دور الشيخ حافظ سلامة الدعوي والسياسي داخل مدينة السويس بل امتد خارجها، فهو مؤسس واحد من أكبر وأهم مساجد القاهرة وهو مسجد النور في العباسية. وهو تجسيد للمسؤولية الوطنية والدينية التي يحملها العقل الجمعي لأهالي السويس الذي لا يترددون في خوض غمار أية معركة نبيلة، لذلك لم يكن مستغربا أن يخوضوا أشرس جولات الثورة المصرية في أيامها الأولى مع الشرطة المصرية قبل أن تتضح مآلات الأمور.
تعيش المدينة بين ضفتي قناة السويس التي حملت اسم المدينة للعالم كله منذ أكثر من قرن ونصف القرن؛ ضفتها الشرقية يطلق عليها بورتوفيق، نسبة للخديوي توفيق الراحل، وبها عدة مناطق صناعية، وبها أيضا واحد من أهم الموانئ المصرية وهو ميناء العين السخنة. تفتتح السلطات المصرية عدة مشروعات في هذه المناطق بين الفينة والأخرى من دون مردود اقتصادي حقيقي تلمسه مدينة السويس وأهلها، خاصة مشروع ميناء العين السخنة الذي يراوح مكانه منذ أكثر من عشر سنوات دون أسباب مفهومة لتعثره، مع أن لديه كل مقومات النجاح. ويبدو أن المدينة أصبحت بحق ترموميتر لمصر تعبر عن الحالة العامة فيها سلبا وإيجابا.
twitter.com/hanybeshr