قضايا وآراء

توقف العدوان ولم تهدأ المدافع .. رؤية من أربع نقاط

ماهر حجازي
1300x600
1300x600
إن ما حققه شعبا الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر من رد للعدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع، هو انتصار لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية، ولكل حر في هذا العالم يرفض الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

هذا الانتصار العسكري والإنساني والإعلامي الذي أنجزه أهالي قطاع غزة جاء في إطار الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وأهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة؛ المهددين بالتهجير قسرا مرة ثانية ضمن سياسة الاحتلال القائمة على التهجير والتهويد والاستيطان.

المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة كانت السباقة للرد على السياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس المحتلة، واقتحام الجماعات المتطرفة للمسجد الأقصى، والمحاولات الإسرائيلية المتواصلة لتهجير العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح وغيرها من الأحياء المقدسية.

صحيح أن الفلسطينيين انتصروا في هذه الجولة من المواجهة مع الاحتلال لكن المعركة لم تنته بعد، فالعدوان العسكري الإسرائيلي توقف شكلا على أهلنا في قطاع غزة، لكن الحصار الإسرائيلي لا يزال مستمرا ومنع الدواء والغذاء والحياة عن القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عاما.
صحيح أن الفلسطينيين انتصروا في هذه الجولة من المواجهة مع الاحتلال لكن المعركة لم تنته بعد

كذلك العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك لم يتوقف، فلا يزال الاحتلال يقتحم يوميا المسجد الأقصى ويعتدي على المصلين، وينتهك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة.

ويواصل الاحتلال عدوانه على أهالي حي الشيخ جراح ويعتدي على المتضامنين معهم، ويسهل اعتداءات المستوطنين على أهالي الحي المقدسي تحت مرأى ومسمع العالم.

نحن اليوم في معركة صمود وتحدي مع هذه الاحتلال، كسبنا جولة ولا يزال أمامنا جولات أخرى يخوضها شعبنا الفلسطيني في مختلف المدن وحتى في أراضي 48، فهم يتعرضون في هذه الأثناء لحملة إسرائيلية شرسة من خلال اعتقال الشباب والناشطين الذين ساندوا القدس وقطاع غزة خلال العدوان الأخير.

في هذا المقال أرسم ملامح خطة عمل في المرحلة المقبلة والبناء فيها على الإنجاز الفلسطيني الأخير المتمثل بانتصار قطاع غزة على العدوان، ووحدة الصف الفلسطيني في الداخل والخارج في إطار انتفاضة فلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والموقف العربي والإسلامي والدولي الرسمي والشعبي في دعم الشعب الفلسطيني وتجريم الاحتلال.

أولا: قطاع غزة بعد العدوان:

بعد أن نفض قطاع غزة عن نفسه غبار العدوان الإسرائيلي الأخير، وتبين حجم الخسائر المادية في مختلف القطاعات من الأبنية السكنية والبنى التحتية والخدماتية والمشافي والمراكز الطبية والتعليمية والمنشأت الحكومية، بالإضافة إلى احتياجات أهالي قطاع غزة العاجلة من الغذاء والدواء والعلاج للمصابين وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، هنا يأتي دور المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية والدولية للمساهمة المالية في سد احتياجات أهالي القطاع وإعادة بناء القطاع، وتوفير الدعم والخبرات المختلفة للقطاع في هذا الإطار.

أيضا إرسال الوفود التخصصية المختلفة إلى قطاع غزة للوقوف على متطلبات القطاع في مختلف النواحي والمجالات التي تساهم في إعادة الحياة إلى قطاع غزة.

مطلوب أيضا من رجال الأعمال أن يكون لهم دور ومساهمة في تقديم الدعم لقطاع غزة، وإطلاق حملات التبرع والإسناد الشعبية التي تساهم في دعم القطاع والسكان وتعويض الخسائر المادية التي ألمت بقطاع غزة.

على المستوى القانوني في ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على القطاع وقتله أكثر من 240 فلسطينيا غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، هنا لا بد من حراك قانوني في المحافل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق في جرائم الاحتلال، انطلاقا من قرار محكمة الجنايات بفتح تحقيق في جرائم ارتكبتها "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67.
فتح تحقيق دولي في جرائم الاحتلال في قطاع غزة، سيزيد من خشية الاحتلال على قادته العسكريين من الملاحقة الدولية وسيعمق من أزمته

هذا الإجراء القانوني والذي أعلن عنه قبل أيام مجموعة من المحامين الأوروبيين، حيث تقدموا بمذكرات قانونية لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي الهولندية، لفتح تحقيق دولي في جرائم الاحتلال في قطاع غزة، سيزيد من خشية الاحتلال على قادته العسكريين من الملاحقة الدولية وسيعمق من أزمته.

في هذا الإطار يمكن تحقيق شراكات مع منظمات ووسائل إعلام دولية تعرضت مكاتبها للقصف في قطاع غزة وتحديدا برج الجلاء، والتي رفعت دعاوى ضد الاحتلال، وهذه تؤكد كذب الرواية الإسرائيلية من وراء استهداف الأبراج المدنية في القطاع ونقطة إدانة مباشرة للاحتلال.

بالتالي يمكن الانطلاق من هذا الشق القانوني في إعادة فتح ملف حصار قطاع غزة والمطالبات الدولية بكسر الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 15 عاما، والذي تسبب بكارثة إنسانية في القطاع على مختلف الأصعدة، لذا لا بد من إعادة قضية كسر الحصار عن قطاع غزة إلى الواجهة من جديد.

ثانيا: القدس والأقصى وحي الشيخ جراح:

بالرغم من اتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي الموقع برعاية مصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا يزال ملف القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح ساخنا، ولا يزال الاحتلال يواصل اقتحاماته اليومية للأقصى واعتداءه على المصلين، ولا زالت الجماعات المتطرفة تقتحم الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، وحتى اللحظة التهديد الإسرائيلي قائم ضد أهالي حي الشيخ جراح بالتهجير عن منازلهم.
لا يزال ملف القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح ساخنا، ولا يزال الاحتلال يواصل اقتحاماته اليومية للأقصى واعتداءه على المصلين، ولا زالت الجماعات المتطرفة تقتحم الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، وحتى اللحظة التهديد الإسرائيلي قائم ضد أهالي حي الشيخ جراح

لذلك المطلوب هو استمرار الحراك الشعبي والسياسي والقانوني والإعلامي، وأن يبقى التفاعل مستمرا مع أحداث القدس تماما كما كانت قبل اتفاق التهدئة. يجب أن يبقى الزخم التضامني مستمرا في فلسطين ومخيمات الشتات ودول العالم، وأن تستمر الفعاليات التي حركت مختلف الجماهير للتضامن مع قضية حي الشيخ جراح.

كذلك أهلنا في الداخل الفلسطيني هم الأقدر على إبقاء ملف حي الشيخ جراح ساخنا، من خلال مواصلة الاعتصام في الحي والدفاع عن سكانه وحقهم في منازلهم. أيضا نشطاء القدس وشباب القدس الذين كان لهم دور مهم في تحريك العالم تجاه ما يجري في باب العامود وحي الشيخ جراح، عليهم اليوم مسؤولية كبيرة في استمرار هذا الحراك.

وشعوبنا العربية والإسلامية لها دور مهم في ملف القدس من خلال مشاريع دعم صمود المقدسيين ومشاريع دعم المرابطين في المسجد الأقصى المبارك، هذه المشاريع سيكون لها دور كبير في تثبيت المقدسيين ودفاعهم عن الأقصى والقدس.

أيضا في ظل تفاهمات وقف إطلاق النار، ملف القدس والأقصى وحي الشيخ جراح، من المهم جدا أن يكون حاضرا لدى المقاومة الفلسطينية في جميع مشاوراتها مع الوفد الأمني المصري، لتكون استحقاقا ملزما للاحتلال الإسرائيلي بوقف عدوانه على القدس والمسجد الأقصى المبارك ووقف تهجير أهالي حي الشيخ جراح.

كذلك التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي مع قضية حي الشيخ جراح مهم جدا، ولا بد من استمرار الحملات الإعلامية المتضامنة، ومواكبة كل جديد في ما يتعلق بحي الشيخ جراح.

محاربة فيسبوك للمحتوى الفلسطيني دليل واضح على تأثير الحملات المتفاعلة مع حي الشيخ جراح والاعتداءات الإسرائيلية على شعبنا الفلسطيني، لذا من المهم مواصلة المعركة الإعلامية. ويقع على النشطاء في القدس إبقاء القضية حية وأن يتفاعل الجميع معهم.

ثالثا: الانتخابات الفلسطينية:

إن وحدة الحال التي جسدها الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته السياسية في داخل فلسطين من قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة وأراضي 48 ومعهم الشعب الفلسطيني في الشتات، تعتبر منطلقا يفرض على شعبنا الفلسطيني في الوطن استحقاق إجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية التي تم تأجيلها من قبل سلطة رام الله.
وحدة الحال التي جسدها الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته السياسية في داخل فلسطين من قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة وأراضي 48 ومعهم الشعب الفلسطيني في الشتات، تعتبر منطلقا يفرض على شعبنا الفلسطيني في الوطن استحقاق إجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية التي تم تأجيلها

الإنجاز الذي حققه الشعب الفلسطيني في هذه الجولة يؤكد على قدرة شعبنا على الضغط لإجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس أيضا. ومن هنا أجد من المهم أن تفرض المقاومة الفلسطينية في تفاهماتها مع الجانب المصري، الراعي لاتفاق التهدئة، أن يكون هناك إلزام للاحتلال الإسرائيلي بإجراء الانتخابات في القدس، وهنا لا يكون أي مبرر للسلطة بمنع إجراء الانتخابات.

أيضا يمكن الضغط من قبل الجانب الأوروبي في هذا الإطار، ودفع الاحتلال للقبول بإجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس.

وحتى لو لم يقبل الاحتلال بإجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، الشعب الفلسطيني ومقاومته قادرين على إجراء الانتخابات في القدس حتى دون موافقة من الاحتلال، فالخيارات مفتوحة لدى الشعب الفلسطيني في آلية إجراء هذه الانتخابات في القدس وحتى حمايتها.

الالتفاف الفلسطيني حول المقاومة الفلسطينية في الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي، سيرفع من أسهم القوائم الانتخابية المحسوبة على المقاومة، والتي ستحقق فوزا مؤكدا في الانتخابات القادمة إن جرت.

هذا الأمر سيقود إلى تشكيل حالة فلسطينية رافعة للمشروع الوطني الفلسطيني ترفض اتفاق أوسلو وتنهي التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتحمل رؤية نضالية لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

لذلك أرى في هذه المرحلة أهمية الضغط لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية بما فيها القدس، سواء بموافقة الاحتلال أو رفضه، لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أساس مواجهة الاحتلال والبناء على إنجازات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والقدس.

رابعا: حركة حماس والمجتمع الدولي:

من الواضح هناك مواقف جديدة للمجتمع الدولي تجاه حركة حماس، استنادا إلى دورها المحوري والمركزي في صد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وتأثيرها في المشهد الفلسطيني.

تصريحات أوروبية مختلفة حول الدعوة للحوار مع حركة حماس بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من توصيف حركة حماس كمنظمة "إرهابية" أوروبيا، وهذا يعكس التغير الأوروبي في النظرة إلى حماس وإدراكهم بأهمية الحركة وموقعها السياسي المؤثر في الحالة الفلسطينية.

النظرة الأوروبية الجديدة ليست حبا بحركة حماس وإنما خشية على الاحتلال الإسرائيلي من القدرات العسكرية الهائلة لحماس، والتي ظهرت في التصدي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

لا يضير حركة حماس التي حققت إنجازا عسكريا مهما في ردع العدوان الإسرائيلي؛ فتح قنوات اتصال أوروبية فهي حركة سياسية أيضا، لكن من المهم أن تعرف حماس كيف تستثمر هذه الاتصالات لصالح القضية الفلسطينية.
لا يضير حركة حماس التي حققت إنجازا عسكريا مهما في ردع العدوان الإسرائيلي؛ فتح قنوات اتصال أوروبية فهي حركة سياسية أيضا،

أيضا من المهم أن تستثمر الحركة هذه الدعوات الأوروبية في شطب الحركة من قوائم الإرهاب الأوروبية، فكيف لأوروبا أن تتعامل مع منظمات إرهابية؟ وهذا يتناقض مع سياساتها.

يمكن لحماس أن تدعو وفودا أوروبية رسمية لزيارة قطاع غزة المحاصر للتعرف عن قرب على الأوضاع الإنسانية والتدمير الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي. وتستطيع حماس أن تدخل ملف حصار غزة وكسر الحصار في أي اتصالات أوروبية محتملة مع الحركة، بحيث تشترط الضغط الأوروبي على الاحتلال لرفع الحصار كمقدمة للحوار مع أوروبا.

حماس والمقاومة الفلسطينية حققت إنجازا عسكريا مهما، ومن المهم أن يترافق بمكاسب سياسية وتدويل للقضية الفلسطينية. علينا أن نجرب سفيرا دوليا آخر للقضية الفلسطينية يختلف تماما عن سلطة أوسلو.. سفيرا ينطلق من قاعدة شعبية قوية وتأثير في المشهد الفلسطيني ويمتلك أوراق قوة، بدلا من قيادة فلسطينية مهزومة ومرتهنة لاتفاقيات وتنسيق أمني مع الاحتلال.
التعليقات (0)