قضايا وآراء

هل أعادت غزة المقاومة الاعتبار للدور الأردني والمصري؟

حازم عياد
1300x600
1300x600

على نحو متوقع ومتسارع أطلقت الإدارة الأمريكية العنان لدبلوماسيتها لوقف القتال بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها "حماس" والكيان الإسرائيلي الذي تصدر فيه المشهد نتنياهو وغانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي.

لتحقيق هذه الغاية سارعت الولايات المتحدة إلى التواصل مع مصر وقطر والأردن لوقف المواجهات بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية واحتواء تداعياتها؛ وإذا كان لمصر وقطر الدور الأبرز في إدارة الاتصالات بين الأطراف المشتبكة وعلى رأسها حركة "حماس" والكيان الإسرائيلي لوقف القتال؛ فإن الأردن كان يعول عليه إلى جانب مصر للعب دور كبير في احتواء التدهور الأمني والسياسي والاجتماعي الحاصل في الضفة الغربية وأراضي الـ 48؛ والمترافق مع تآكل واضح في مكانة السلطة وقيادتها برئاسة محمود عباس  في رام الله.

فإدارة بايدن التي مارست ضغوطا واضحة على نتنياهو وأعضاء الكابينت الإسرائيلي المصغر لوقف القتال؛ لم تغفل وبشكل واضح اليوم الذي يلي وقف القتال؛ لتعلن عن جولة دبلوماسية يقودها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن؛ فركزت جهودها على مصر والأردن والسلطة الفلسطينية؛ ذلك أن وقف القتال بين المقاومة وعلى راسها "حماس" وجيش الاحتلال.. ورغم كونه أولوية للإدارة الأمريكية غير أنه من ناحية عملية كان الجزء السهل من المقاربة الأمريكية لخفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية والإقليم؛ خصوصا إذا ما قورن بالتداعيات الخطيرة المترتبة على المواجهة المسلحة وما بعدها على الأراضي الفلسطينية والإقليم.

وسواء طالت المعركة أو قصرت فإن التداعايات المتوقعة على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم والنظام الدولي لما بعد المواجهة قدر المراقبون أنها عميقة الأثر إن لم يتم احتواء آثارها وتداعياتها بشكل مسبق من خلال شركاء وحلفاء إقليميين يعول عليهم في المنطقة؛ وعلى رأسهم مصر وقطر والأردن ومن ورائهم وإن كان ذلك بدرجة أقل تركيا والسعودية؛ في حين غابت الدول المطبعة حديثا مع الكيان والتي تلاشى أثرها وتراجعت أهميتها في المشهد على نحو واضح خلال جولة القتال وما تبعها من تحركات دبلوماسية؛ وكان أحد أبرز تجلياتها وقف المملكة العربية السعودية حركة العبور الجوي للطيران الإسرائيلي من أجوائها باتجاه الإمارات العربية ومنطقة الخليج العربي وآسيا.

فالهواجس الأمريكية من تراجع مكانتها كقوة مؤثرة ونافذة في الإقليم والعالم في مقابل فاعلين جدد زاحموا أمريكا في المؤسسات الدولية والإقليم كروسيا والصين للتعامل مع جولة الصراع الأخيرة في الأراضي الفلسطينية؛ دفعت الولايات المتحدة ممثلة بإدراة بايدن إلى بث الروح في الدور المصري والأردني وتعزيز الدور القطري لاحتواء جولة الصراع التي كادت أن تتسع لتشمل دول الجوار الملاصق لفلسطين المحتلة؛ مهددة استراتيجة إدارة بايدن لاحتواء إيران والانسحاب من أفغاستان للتفرغ للتحدي الروسي والصيني في البلطيق والدائرة القطبية وفي بحر الصين الجنوبي والباسفيك؛ ليتراجع بذلك هوس التطبيع الموهوم كعنصر استقرار في الإقليم أو نقطة ارتكاز في صياغة الاستراتيجية الأمريكية.

 

قوى التطبيع ستعمد للعب دور في عملية الإعمار والاختباء خلف حل الدولتين؛ أمر من الممكن أن يشعل صراعا خفيا في المستقبل القريب بين القوى العربية المنخرطة في صياغة المقاربة الأمريكية الجديدة الهادفة لتخفيض التصعيد واحتوائه والقوى المطبعة؛

 



جولة الصراع الأخيرة التي قادتها حركة "حماس" أعادت وعلى نحو غير متوقع الزخم للدور الأردني والمصري بمسارعة الرئيس بايدن للاتصال بكل من الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فالأردن المتضرر الأكبر من مشاريع التطبيع وعلى رأسها اتفاق أبراهام استعاد دوره لا من بوابة التغير الدراماتيكي في رئاسة البيت الأبيض بخسارة ترامب وفوز بايدن فقط بل ومن بوابة أكثر عملية وواقعية لحقيقة هذا الدور وفاعليته في ضبط إيقاع الاستراتيجية الأمريكية في الإقليم.

مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي بدورها واجهت العديد من الصعوبات في التواصل مع الرئيس الديمقراطي بايدن على عكس سلفه الرئيس ترامب؛ إذ أطلق المشرعون في الكونغرس الأمريكي حملة كادت أن تتحول إلى إجراءات عملية على الأرض للتضييق على النظام السياسي المصري ونخبته الحاكمة بحجة حقوق الإنسان؛ كان من الممكن أن يمتد اثرها إلى الواقع الجيوساسي المتدهور في وادي النيل بتأثير من سد النهضة الإثيوبي وخطوات التصعيد المصرية المتوقعة في حال ملء السد للمرة الثالثة.

المواجهة الأخيرة انتشلت مصر من واقع مأزوم جيوسياسيا وآخر محلي مشغلة القوى الأوروبية والكيان الإسرائيلي بمواجهة تفتح الباب لمصر للتفرغ لخصمها في أديس أبابا؛ فالإدارة الأمريكية تعاملت مع الحقائق الجغرافية والجيوسياسية في الإقليم لا مع الوقائع الافتراضية المتولدة عن اتفاق أبراهام أو السياسية المحلية الناجمة عن تداعيات الربيع العربي وحساباته المعقدة؛ لتسترد مصر دورها ومكانتها كقوة إقليمية قادرة على ردع خصمها في وادي النيل.
 
ختاما .. المقاومة الفلسطينية أعادت الاعتبار للدور المصري والأردني وعززت الدور القطري؛ إلا أن ذلك لا يعني التغييب الكامل للقوى الطامحة لتعزيز مكانتها محليا وإقليميا بلعب أدوار سياسية من خلال التطبيع واتفاق أبراهام؛ فهذه القوى يتوقع أن تختبئ في ثنايا عملية الإعمار التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في جولته الإقليمية التي شملت رام الله وقادة الكيان ومصر والأردن.

 

فقوى التطبيع ستعمد للعب دور في عملية الإعمار والاختباء خلف حل الدولتين؛ أمر من الممكن أن يشعل صراعا خفيا في المستقبل القريب بين القوى العربية المنخرطة في صياغة المقاربة الأمريكية الجديدة الهادفة لتخفيض التصعيد واحتوائه والقوى المطبعة؛ فالصراع والتنافس في الإقليم لن يقتصر على المواجهة بين المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة "حماس" والمشروع الصهيوني وداعميه بل وبين الدول المتضررة من صعود قوى التطبيع العبثي وغير المشروط بأي حل سياسي أو حق عربي في فلسطين وهي مواجهة تؤكد سنة التدافع الكونية.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (1)
عبدالله السعيد
الجمعة، 28-05-2021 10:27 ص
نعم اعادت فضح الخونة الأوائل المستفيدين من دم اطفال غزة و الذين يحاصرون غزة