هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رأى مركز دراسات إسرائيلي، أن العدوان الأخير على قطاع غزة انتهى بـ"انتصار تكتيكي" و"هزيمة استراتيجية" في ذات الوقت.
ورأى المركز في تحليل كتبه دورون مصا، أن الاحتلال أنهى الحرب بانتصارات تكتيكية، إلا أنه تجرع هزيمة استراتيجية في حالة مشابهة لما حدث مع الولايات المتحدة في فيتنام.
وأضاف أن الحرب الرابعة بين حماس والاحتلال انتهت مثل سابقاتها دون حسم واضح، "لكن الانطباع هو أن المناوشة الحالية كانت مختلفة تماما عن جولات القتال السابقة من ناحية اللغة وطرق التفكير المختلفة لحماس وإسرائيل والتي عكست قوة في الفكر والمفاهيم".
وتابع بأنه "بينما تميز التفكير الإسرائيلي على مدى القتال بمنطق تكتيكي-كمي، فقد كان تفكير حماس استراتيجي–كيفي".
وأضاف أن الاحتلال ركز على عدد الأهداف والأبراج المستهدفة، وعدد قيادات القسام الذين اغتالهم، وعدد الصواريخ التي أطلقها، والأخرى التي أطلقتها المقاومة وتمكنت القبة الحديدية من تدميرها.
ولفت النظر إلى أن هذا الأمر نجاح مطلق لا يستوي مع النجاح الاستراتيجي الذي تفوقت فيه حركة حماس والمقاومة بشكل عام.
اقرأ أيضا: نبوءة إسرائيلية: اغتيال سياسي وحرب أهلية وهجرة عكسية
وفي ما يأتي ترجمة ما بقي من التحليل:
من الناحية الاستراتيجية الشاملة "نجحت حماس فوق ما كان متوقعا. فهي لم تبادر فقط إلى المعركة من خلال إطلاق الصواريخ على القدس في يوم عيدها، وهكذا فاجأت إسرائيل (مثلما اعترف بعض من كبار رجالات جهاز الأمن) بل نجحت في أن تخلق آثارا وتداعيات للحرب خلف حدود القطاع".
الثغرات التي نشأت في علاقات اليهود مع العرب في إسرائيل والاضطرابات في المدن المختلطة إلى جانب تسخين جبهة الضفة كانت لها نتائج فرعية للحرب في القطاع وعمليا نجحت حماس في توحيد الساحة الفلسطينية كلها (في غزة، في الضفة وفي داخل إسرائيل) في عرض موحد من الإرهاب والعنف وهكذا فككت بعد سنوات من النجاح غير قليلة المنطق الأساس في السياسة الإسرائيلية القائم على دق إسفين بين أجزاء الساحة الفلسطينية لغرض إضعافها.
فضلا عن ذلك، فقد أدارت حماس المعركة من منظور وسياق إقليمي ودولي شامل. فوضع القدس كمركز رمزي للمعركة، بخلاف جولات قتالية سابقة طرحت مسألة "الحصار" على غزة في مركز القتال وأهدافه، سمح لها بالوقوف على رأس معسكر المقاومة الإقليمي، بما في ذلك على حساب حزب الله الذي اضطر لأن يبتلع في أثناء الأسبوع الأخير نار محافل فلسطينية مارقة من أراضي لبنان نحو إسرائيل، الخطوة التي من شأنها أن تتطور كنمط عمل دائم تجاه تل أبيب.
ما يجري حاليا هو صراع بين مدرستين:
المدرسة الاقتصادية-البراغماتية لـ"رجال العقول"، التي وقفت إسرائيل كسلاح في طليعتها إلى جانب الدول الغنية والكارهة للمخاطرة في المنطقة. هذه مدرسة وضعت في مركزها سياسة تركز على العمل على جدول أعمال اقتصادي ووقفت من خلف اتفاقات التطبيع مثلما أيضا من خلف ظاهرة منصور عباس، وعمليا عرفت "صفقة القرن" لإدارة ترامب.
المدرسة الثانية هي "رجال القلوب" لـ"معسكر المقاومة" والتي تضع في مركزها سياسة الهوية القديمة التي تقوم على أساس الدفع إلى الأمام برؤى مثالية ومطلقة تفضل المستقبل على الحياة في الحاضر.
في العقد الأخير اكتسبت المدرسة البراغماتية تفوقا واضحا في المنطقة تحت رعاية الإدارة الأمريكية، ويخيل أن المعركة في غزة كانت تحديا لها أتيح بسبب ثلاثة عوامل: تغيير الإدارة في الولايات المتحدة وانصراف الرئيس بايدن وإدارته التقدمية عن سياسة سلفه؛ وضعف الساحة السياسية في إسرائيل ولا سيما ضعف نتنياهو الذي اعتبر كمحور استراتيجي مركزي ورادع؛ وتقدير محافل المقاومة لضعف الغرب (بما في ذلك إسرائيل) على خلفية مصاعب الأداء الداخلي لها على مدى أزمة الكورونا.
بينما تميز العقد الأخير باستقرار أمني نسبي في المنطقة، وضعف محافل "المقاومة"، وأفول مركزية المسألة الفلسطينية.. جاءت المعركة في القطاع كي تقلب هذا الواقع وجرت وراءها كل رجال سياسة الهوية: أولئك في القطاع، وأولئك في أوساط عرب إسرائيل، وأولئك في أوساط الفلسطينيين في الضفة.
المعركة في القطاع جعلت من مناوشة تكتيكية أخرى بين الطرفين صداما استراتيجيا بين مدرستين، ونهجين، وفكرين، ومعسكرين مختلفين. من هذه الناحية كانت لإسرائيل فرصة استثنائية لتحويل غزة وحماس إلى نوع من الدرس الإقليمي والدولي لإعادة نقطة التوازن السابقة للمنظومة ولإعادة تثبيت جدول الأعمال البراغماتي-الاقتصادي.
عقب ذلك واصلت إسرائيل تفعيل ذات المنطق العملياتي العسكري الذي فعّلته في الجولات السابقة ورأت في القتال جولة أخرى من جولات القتال العضال التي تخوضها ضد منظمة الإرهاب الغزية. في هذه الظروف أنهت الحملة مع إنجاز تكتيكي مبهر ولكن مع دونية استراتيجية كبيرة تذكر بالإنجاز الكمي الأمريكي في ضوء الهزيمة الأمريكية الاستراتيجية في حرب فيتنام (1959- 1975). لهذا توجد معانٍ واضحة بالنسبة للسياسة الشرق-أوسطية تقريبا في كل مستوى يمكن تصوره.
يد "رجال القلوب" هي في هذه اللحظة العليا. فقد وقفت حماس كلاعب استراتيجي ذي مغزى يتجاوز الساحة الفلسطينية بنجاحها في ضعضعة وشق الفكرة الاقتصادية البراغماتية لـ "صفقة القرن"، ودق إسفين بين اليهود والعرب في إسرائيل، وإعطاء محافل الإرهاب الإقليمية أسبابا وجيهة لمواصلة تحدي إسرائيل.
هذه ليست أنباء طيبة "لرجال العقول" وللاعبين الشبعين ومحبي الحياة في الشرق الأوسط، وكل تعديل في المسار المتشكل يستوجب أولا وقبل كل شيء استيعابا معرفيا للمعنى الحقيقي للحرب الأخيرة، فما بالك بنتائجها الحقيقية. ومن الأفضل أن يكون هذا مبكرا قدر الإمكان.