هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مازالت أزمة أكبر الشركات الوطنية المصرية في صناعة الألبان والعصائر "جهينة"، المملوكة لرجل الأعمال صفوان ثابت المعتقل هو ونجله، تتفاقم منذ 6 أشهر، لتصل إلى احتمال شطب الشركة من البورصة المصرية، وتراجع أرباحها وتحقيقها خسائر كبيرة وخفض قيمتها السوقية.
والثلاثاء، قررت البورصة نقل "جهينة" التي تأسست عام 1983، وتقدم 200 منتج وبها 4 آلاف موظف، ونحو 25 ألفا من العمالة غير المباشرة، ويصل إنتاجها إلى عدد كبير من الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة؛ لقائمة الشركات المحتمل شطب أسهمها.
والأربعاء، قالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية؛ إن الشركة القابضة أبوظبي "ADQ " التي تستثمر منذ 2020، في "هايبر ماركت" نحو مليار دولار لدعم سوق البقالة بمصر، واشترت شركة أدوية مصرية مقابل 740 مليون دولار، في آذار/ مارس 2021، تدرس استثمارا محتملا في جهينة.
ومنذ اعتقال مؤسس جهينة صفوان ثابت في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وتوقيف نجله الرئيس التنفيذي سيف الدين ثابت في شباط/ فبراير 2021، تحولت الشركة من المكاسب والفوائض المالية والوضع الاقتصادي الجيد إلى الخسائر الكبيرة.
وتراجعت أسهم الشركة بنسبة 29 بالمئة في تعاملات البورصة لـ2021؛ ما جعل القيمة السوقية للشركة تهبط لـ 4 مليارات جنيه مصري (254 مليون دولار)، فيما كانت تصل لنحو 7 مليارات جنيه مصري (450 مليون دولار)، في أيار/ مايو 2021.
وتتعرض "جهينة"، لملاحقة النظام المصري، وتم التحفظ عليها في آب/أغسطس 2015، بدعوى أن مالكها حفيد المستشار مأمون الهضيبي المرشد السادس لجماعة الإخوان المسلمين، التي تشن السلطات حملة عليها منذ العام 2013، فيما وضعت ثابت، بقائمة الإرهابيين مع قيادات الجماعة في كانون الثاني/ يناير 2017.
اقرأ أيضا: ماذا وراء محاولة نظام السيسي "القضاء" على شركة ألبان؟
وفي آيار/ مايو 2021، وفي إجراء عقابي لجهينة، سحبت الشرطة المصرية تراخيص 94 سيارة بيع مملوكة للشركة، و12 سيارة نقل ثقيل، و26 سيارة نقل ثقيل لمقاولي النقل، ما عطل إنتاج الشركة وسبب خسائر كبيرة، وفق شكوى الشركة لوزارتي الصناعة والتموين.
وتتزامن إجراءات النظام ضد جهينة، مع توجه نظام السيسي لإنشاء المشروع القومي لمراكز تجميع الألبان، بمشاركة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، ووزارة الإنتاج الحربي ووزارة الزراعة المصرية، منذ 2 كانون الأول/ ديسمبر 2020، في مشروع حجم تمويله بلغ ٢٥٣ مليون جنيه حتى 30 نيسان/ أبريل 2021.
وتسيطر الإمارات على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري، وأصبحت تمتلك نسبة حاكمة في قطاعات الصحة والدواء والتعليم والاتصالات وغيرها.
"تصفية حسابات"
وحول دلالات تزامن توجه البورصة لشطب "جهينة" مع تقدم "أبوظبي القابضة" لشراء حصة بالشركة، قال أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم، أشرف دوابه؛ إن "القصة واضحة تماما؛ وتتمثل في عمليات تصفية حسابات مع صفوان ثابت".
وأوضح دوابة لـ"عربي21"، أن تلك التصفية "لأبعاد تعرفها جيدا القوى الحاكمة لمصر، خاصة في ظل منافسة جهينة إما من شركات الجيش أو الإمارات، اللذين يلعبان بملعب واحد وفقا للأطر الموضوعة في ظل الحكم الحالي".
ويعتقد أن هناك حالة تآمر على شركة وطنية تقود لتسليمها لشركة إماراتية، مؤكدا أن "ما يحدث بحق جهينة؛ خدمة للإمارات الساعية للاستحواذ على الشركة، وفي المقابل توفر لها البورصة المصرية ذلك، ليتم البيع بأبخس الأثمان".
وألمح دوابه، إلى أن الصورة القائمة سيئة، للأسف، وأن أزمة جهينة تصدر صورة سلبية عن الاقتصاد المصري، موضحا أن "الضرر هنا ضرران؛ لشركة وطنية، وللاقتصاد المصري بشكل عام"، مشددا على أن "اقتصاد الدول لا يبنى على تصفية الحسابات".
وأكد أن نظام السيسي تفوق على نظام عبدالناصر في حربه على الشركات الوطنية، لافتا إلى أنه "أشد بأسا من عبدالناصر بمصادرة الأموال، والممتلكات، ورغم أن سياستهما لم تختلف كثيرا، ولكن هناك شدة في الأمر الآن".
وفي شرحه لأوضاع الاستثمار والمستثمرين في مصر قال: "من لم يجد طريقة للتعامل مع النظام أو يلبي طلباته أو يكون من الذين يتبنون صندوق تحيا مصر؛ سيكون مصيره هكذا، وتحت هذه المظلة، وإلا لن تجد لك طريقا آخر".
ويعتقد الخبير المصري أن "في موضوع جهينة ما هو ظاهر، وما هو خفي قد تكشفه الأيام، وبغض النظر عن ما يثار حول علاقة نسب صفوان ثابت للمرشد السادس لجماعة الإخوان الراحل مأمون الهضيبي؛ إلا أنه معروف كشخصية مستقلة ومستثمر وطني، ليس له صلة بأي توجهات سياسية".
وختم دوابه حديثه بالقول؛ إنها "منظومة بعيدة عن العدل، وتطارد الاستثمار، وقصرته على عدد محدود من أهل الحظوة، من دول وشركات وأفراد".
اقرأ أيضا: معارض مصري: السطو على أموال رجال الأعمال جنون سياسي
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال، علاء السيد، إلى أن "جهينة أكبر منتج للألبان والعصائر المعلبة بمصر والشرق الأوسط، وتستحوذ على 70 بالمئة من السوق المحلي، وتمارس السلطة ضغوط عليها منذ 6 سنوات، بدأت بتبرع لصندوق تحيا مصر لم ترض قيمته السلطات، فتحفظت في آب/ أغسطس 2015 على أموال الشركة".
وأكد السيد لـ"عربي21"، أنه بعلاقاته بالسوق المصرية كرجل أعمال، حصل على معلومات يحتفظ بمصادرها، بأنه منذ انقلاب 2013 تم توجيه النصح لصفوان ثابت بإدخال شريك أمريكي للحفاظ على الشركة، لكنه رفض ولم يكن يدرك ما سيحدث له".
وقال؛ إن "العسكر لا يشبعون من المال ونهب الشركات على طريقة عبدالناصر، بتأميم القطاع الخاص وسرقة أموال المستثمرين بشكل ممنهج، في استهداف للشركات ورجال الأعمال الذين هربوا بأموالهم أو بأنفسهم وتركوا أموالهم نهبا للنظام".
وتابع: "في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وإثر اعتقال صفوان ثابت، عين مجلس الإدارة نجله سيف صفوان قائما بأعمال رئيس مجلس الإدارة، ما لم يعجب العسكر الذين اعتقلوا سيف أيضا في شباط/ فبراير 2021، بتهم والده نفسها؛ تمويل جماعات إرهابية في تهمة معلبة يتهم بها أي معارض للنظام، ما دفع سهم جهينة للتراجع بنحو 17 بالمئة، متجاوزا الآن من 30 إلى 35 بالمئة".
وواصل السيد، موضحا أنه "في الشهر نفسه، عين مجلس إدارة جهينة الشيخ السعودي محمد بن عبدالله الدغيم رئيسا غير تنفيذي لجهينة، وممثلا لشركة فرعون للاستثمار السعودية، التي تمتلك 50.07 من أسهم جهينة، وتصورت الشركة أنها حمت جهينة بذلك، ولكن استمرت الضغوط".
وأكد أنه "على إثر ذلك، اضطر السعودي الدغيم، ومجلس جهينة، لإعلان خروج سيف صفوان من الشركة، وقعت عليه أخته مريم صفوان، وتم تقديم هذا الإفصاح للبورصة؛ لكن مع استمرار سياسات النظام الاقتصادي وانهيار القوة الشرائية للمصريين، تدهورت الشركة وانخفض السهم في انهيارات جماعية لشركات أخرى لأدنى من 30 بالمئة من قيمته الحقيقة".
عمولة محمود السيسي
الخبير الاقتصادي المصري، تساءل: "لمصلحة من يتم الضغط على هذه الشركات وتخفيض قيمتها السوقية؟ هل هناك عملية تصفية للقطاع الخاص مثل القطاع العام؟ هل الإدارة المصرية لا تفرق بين شركات خاسرة في قطاع أعمال عام وشركات استثمارية يدخل فيها أجانب ناجحة وتحقق أرباحا، وتريد تدمير كل القوى والمؤسسات الرابحة أو الخاسرة؟".
وتابع تساؤلاته: "هل هناك عمولات لنقل ملكية جهينة إلى مستثمرين إماراتيين؟ وهل هناك ضغوط لتخفيض الأسهم لأدنى حد؟ ومن يدفع ثمن الخسائر الفادحة؟"، مشيرا لوجود ضغوط على أصحاب الشركة المعتقلين، وباقي أعضاء مجلس الإدارة حتى يرضخوا لأي عرض شراء بأي سعر للإماراتيين".
وواصل: "من الذي يقبض عمولة هذا؟ مؤكدا أن "الأصابع تشير لأشخاص بعينهم يحركون هذا الفساد وعلى صلة لصيقة برأس الدولة"، مضيفا: وما يعزز اتهامي لمحمود السيسي تحديدا بإدارة هذا المشهد، هو قرار البورصة بنقل تداول أسهم جهينة للقائمة (د) اعتبارا من 2 حزيران/ يونيو 2021، حتى يقبض نجل السيسي العمولة أو يكون له جزء من الأسهم".
وأكد أن "الضغط على شركة تبيع في السوق وتصدر بنحو 8 مليار جنيه مصري سنويا، أمر خطير يضر بمصلحة آلاف العمال ومئات الموردين وعشرات آلاف الموزعين وبائعي التجزئة"، معتقدا أن "حماية مصالح العمال لن يكون إلا بخروج المستثمرين المصريين من المشهد وتحول جهينة إلى سعودية إماراتية".
وحذر من أن "الدوافع والأهداف الإماراتية بالسوق المصري ليست اقتصادية ربحية كأي مستثمر، ولكنها سياسية واستراتيجية، تسعى لتهميش مصر وتدمير اقتصادها والسيطرة على قطاعات الاتصالات والصحة والمستشفيات وشركات الأدوية والقطاع الغذائي، وحتى المياه التي يشربها أصبحت بيد الإمارات بدعمها إثيوبيا والكيان الصهيوني".
"سياسة تجفيف الموارد"
أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي ورئيس جامعة كامبريدج المؤسسية، حسام الشاذلي، قال إن "النظام المصري نظام استخباراتي بامتياز يطبق معايير واضحة على رجال الأعمال والشركات التي لا تنتمي لمعسكره ولا تسخر كل أدواتها المالية والشخصية لأغراضه السياسية".
وأكد الشاذلي لـ"عربي21"، أنه "يضرب عرض الحائط بمدى أهمية تلك المؤسسات للاقتصاد المتهالك والذي ليس لديه إلا القليل من المؤسسات الناجحة والمنتجة، متجاهلا مدى تأثير قراراته على العاملين بتلك المؤسسات وعلى السوق المصرية".
وأضاف: "وإن كانت الحديد والصلب من أبرز تلك الحالات فجهينة مثال حي لمأساة القضاء على الصناعة الوطنية وتصفيتها وبيعها لمستثمرين أجانب بأبخس الأسعار".
وجزم الشاذلي، بأن "سياسة تجفيف الموارد التي ينتهجها النظام المصري مع أعدائه السياسيين ومن لا يخضعون لرغباته باتت راسخة لديه، وبالنظر للإجراءات غير المفهومة ضد جهينة بدءا من إعتقال رئيس مجلس إدارتها، ومرورا بسحب تراخيص أساطيل النقل لضرب المؤسسة تجاريا، وإيقاف عمليات التعامل الدولية مما أدى لهبوط قيمتها السوقية".
وأشار إلى خطورة الأمر "مع ظهور المستثمر الإماراتي المستعد دائما للاستحواذ على قلاع الصناعة المصرية لصالح دول أو مؤسسات بات أحسن توصيف لها بأنها غير معروفة كبديل بل مشبوهة، كل هذا يطرح تساؤلات كثيرة حول الهدف من القضاء على الصناعات المصرية الناجحة وبيعها للأجانب بلا رقيب ولا حسيب".