هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يواجه الرئيس الإيراني المرتقب، أيا كان اسمه وتوجهه، تحديات كبيرة قادمة فور الإعلان عن شخصيته الفائزة، في الانتخابات المزمع إجراء دورتها الأولى في 18 حزيران/ يونيو المقبل.
وتنتظر الرئيس المرتقب جملة من التحديات على صعيد العديد من الملفات، من أبرزها الاقتصاد والعلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية، فضلا عن الوضع الصحي والتداعيات التي خلفها فيروس كورونا.
اقتصاديا
يعد الوضع الاقتصادي أولوية في جدول أعمال الرئيس الجديد، حيث تدخل إيران في ركود اقتصادي اعتبارا من العام 2018، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق حول البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، وإعادة فرضها عقوبات اقتصادية قاسية على طهران.
وزادت من حدة الأزمة تبعات جائحة كوفيد-19 التي تعد إيران أكثر الدول تأثرا بها في منطقة الشرق الأوسط.
وشدّد المرشحون السبعة على أولوية رفع العقوبات الأمريكية الذي يؤمل في أن يتحقق من خلال المباحثات غير المباشرة الجارية حاليا في فيينا سعيا لإحياء الاتفاق من خلال عودة واشنطن إليه، وإطلاق عجلة الاقتصاد المحلي مجددا.
ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية "إيريس" في باريس تييري كوفيل لوكالة فرانس برس: "في حال تم رفع العقوبات، سينعكس ذلك استقرارا على البيئة الاقتصادية الكلّية مع زيادة في النمو وتراجع في مستوى التضخم".
ويرى الخبير في الاقتصاد الإيراني أن ذلك يجب أن يترافق مع توفير حاجات المواطنين "لأن إحدى المخاطر هي أن يعتقد الناس أن كل شيء سيتحسن على الفور (اذا تم رفع العقوبات)، وفي هذه الحال سيواجهون خيبة أمل كبيرة".
العلاقات الدولية
حتى في حال التوصل إلى تسوية بشأن الملف النووي، وهو أمر مطروح في ظل التقدم التدريجي الذي حققته المباحثات المتواصلة منذ مطلع نيسان/ أبريل في فيينا، فإن الباحث الفرنسي كليمان تيرم المتخصص بالشأن الإيراني في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، يرى أن ذلك "لن يؤدي إلى عودة المستثمرين الأجانب إلى السوق الإيرانية على المدى القريب".
ويضيف لفرانس برس أن "شرطا لا غنى عنه لحصول ذلك هو تطبيع في العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن".
لكن أمرا كهذا يبدو مستبعدا خصوصا في ظل الريبة وانعدام الثقة بين طهران وواشنطن التي تعتبرها الجمهورية الإسلامية "الشيطان الأكبر".
لذلك، فإن تيرم يرى أن "على الرئيس الجديد إيجاد مسار جديد من أجل ضمان تحسّن بالحد الأدنى للظروف الاقتصادية للشعب من خلال إدارة منسوب التوتر مع (إدارة الرئيس الأمريكي جو) بايدن".
وأبدى رئيس السلطة القضائية المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي، المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات، رغبته في منح الأولوية لتعزيز علاقات إيران مع الدول المجاورة. وفي حال فوزه، فإنه يتوقع أن يستمر اضطراب العلاقة مع دول الغرب، في مقابل العمل على تحسين العلاقات مع دول قريبة أبرزها السعودية، وفق تقدير بعض المحللين.
الخروج من الأزمة الصحية
إيران هي أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بفيروس كورونا، ولم تتمكن حتى الآن من المضي قدما في حملة التلقيح الوطنية بالسرعة المرغوبة. ومن الأسباب الرئيسية لذلك، صعوبة استيراد اللقاحات في ظل العقوبات الأمريكية.
ويمكن للحكومة الجديدة تسريع العملية في حال نالت طهران تخفيفا للعقوبات في هذا المجال، أو نجحت بعض مشاريع اللقاحات المنتجة محليا، في إنجاز الاختبارات السريرية ونيل الموافقة الرسمية لاعتمادها.
استعادة ثقة الناس
يرى الصحافي الإصلاحي أحمد زيد آبادي أن "أزمة الثقة (بين الناس والسلطات) عميقة وواسعة"، ومن الإشارات على ذلك، نسبة الامتناع القياسية (57 بالمئة) عن المشاركة في الانتخابات التشريعية لعام 2020، وهو ما يخشى أن ينعكس أيضا على الانتخابات الرئاسية.
وشهدت إيران محطات عدة في الأعوام الماضية ساهمت في تعميق هذه الهوة، مثل حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق "الخطأ" ووفاة 178 شخصا على متنها في كانون الثاني/ يناير 2020، والذي لم تقر السلطات بمسؤوليتها عنه سوى بعد ثلاثة أيام من الإنكار، أو التعامل بالشدة وسقوط ضحايا خلال احتجاجات في شتاء 2017-2018 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
ويرى زيد آبادي أن على "الحكومة المقبلة اتخاذ بعض الإجراءات الفورية من أجل استعادة الثقة"، من ضمنها "رفع الحظر عن بعض شبكات التواصل الاجتماعي مثل تليغرام وتويتر، والحد من الصرامة بشأن الحجاب".
البيئة أولوية منسية
يعتبر كوفيل أن "الأزمة البيئية في إيران باتت واقعا"، لكن حتى الآن "ثمة انطباع بأن الحكومة لا تزال غير قادرة على وضع سياسة" للتعامل معها.
من جهته، يرى زيد آبادي أن "الموارد المالية استنفدت"، مشيرا أيضا إلى "تدمير الموارد الطبيعية" بضغط من بعض النشاطات الاقتصادية، مبديا أسفه لأن "المسؤولين يتناسون (هذه الأزمة) كليا بمجرد أن تمطر السماء مرتين".
وغابت القضايا البيئية عن تصريحات المرشحين خلال المناظرات التلفزيونية الثلاث التي أجريت بينهم.
ويرى تيرم أن "الأسئلة البيئية ستكون (...) ذات أهمية كبيرة"، لكن "أسباب المشكلة (تتخطى) صلاحيات الرئيس"، وترتبط "بمصالح اقتصادية لشركات" شبه رسمية غير مرتبطة بالحكومة.
المرشح الأوفر حظا
في السياق يبرز بين المرشحين رئيس السلطة القضائية المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي (60 عاما)، الأوفر حظا للفوز بالمنصب، بعدما نال 38 بالمئة من أصوات المقترعين في انتخابات 2017، وفي ظل غياب أي منافس وازن هذا العام.
وستطوي الانتخابات صفحة الرئيس روحاني الذي يتولى منصبه منذ 2013، ولا يحق له الترشح للدورة المقبلة بعد ولايتين متتاليتين.
وشهد عهده سياسة انفتاح نسبية على الغرب توجت بإبرام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، والذي بات في مهب الريح منذ انسحاب الولايات المتحدة أحاديا منه عام 2018، ويرجح أن تشهد الانتخابات امتناعا واسعا عن التصويت، وهو ما يصبّ عادة في صالح التيار المحافظ.
اقرأ أيضا: من هو "رئيسي".. وهل تحرمه "مفاجأة" من رئاسة إيران؟
وشهدت آخر عملية اقتراع (الانتخابات التشريعية 2020)، نسبة امتناع قياسية بلغت 57 بالمئة، وأتى ذلك بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور آلاف المرشحين، غالبيتهم من الإصلاحيين والمعتدلين. وانتهت انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بفوز عريض للمحافظين.
وقبل أقل من أسبوعين على موعد الدورة الأولى، تمضي الحملة الانتخابية دون ضجيج في طهران. وباستثناء تلك العائدة لرئيسي، يندر وجود صور للمرشحين وشعاراتهم في العاصمة.
وفي حين أن الإجراءات الوقائية المرتبطة بكوفيد-19 حدّت بشكل كبير من إمكانية إقامة تجمعات عامة، فإنه يسود انطباع عام بأن الانتخابات المقبلة تثير حماسة أقل من سابقاتها.
ويتولى الرئيس في إيران السلطة التنفيذية ويشكّل الحكومة، إلا أن الكلمة الفصل في السياسات العامة تعود إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
"تمهيد الأرضية" لرئيسي
وأبرمت إيران في عهد روحاني عام 2015 اتفاقا مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي، أتاح رفع العديد من العقوبات المفروضة عليها، مقابل خفض أنشطتها وضمان سلمية البرنامج.
لكن نتائج الاتفاق باتت في حكم الملغاة منذ قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب أحاديا منه قبل ثلاثة أعوام، وإعادة فرض عقوبات قاسية على إيران انعكست سلبا على اقتصادها وعملتها.
وأعاد روحاني الأربعاء تأكيد أهمية الاتفاق، معتبرا خلال اجتماع الحكومة أنه "وضع البلاد على مسار التنمية (الاقتصادية)، واليوم الحل للمشكلة في البلاد هو عودة الجميع إلى الاتفاق".
وتأتي الانتخابات في ظل امتعاض واسع جراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها بشكل أساسي العقوبات وسياسة "الضغوط القصوى" التي اعتمدها ترامب حيال الجمهورية الإسلامية.
كما أنها تترافق مع مباحثات في فيينا بين إيران والقوى الكبرى سعيا لإحياء الاتفاق، لكن فرص التوصل إلى تفاهم بهذا الشأن قبل الانتخابات تبدو ضئيلة.
وخلال الأعوام الماضية، شهدت مدن إيرانية موجتي احتجاجات في شتاء 2017-2018 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019 على خلفية أسباب اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
ويقول الباحث الفرنسي كليمان تيرم المتخصص بالشأن الإيراني في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، إن التحدي الأول في الانتخابات هو "جعل النظام (السياسي) أكثر تماسكا بعد إضعاف البلاد".
ويضيف: "في مواجهة الفقر المتزايد بين الشعب، بات الأمر يتعلق، بعد إمساك (المحافظين) بالبرلمان في 2020، بتمهيد الأرضية (..) من أجل فوز المرشح رئيسي".
ويرى تيرم أن أي سيناريو مغاير لفوز رئيسي هو أمر "مستبعد"، عازيا ذلك بشكل أساسي إلى نسبة المشاركة المتوقعة، وهي دون الـ40 بالمئة، وفق تقديرات استطلاعات رأي محلية.