صحافة دولية

ما استراتيجية السعودية من وراء سباق جائزة "الفورمولا1"؟

قالت مجلة فرنسية إن المسابقات العالمية لها رمزية عميقة لابن سلمان- جيتي
قالت مجلة فرنسية إن المسابقات العالمية لها رمزية عميقة لابن سلمان- جيتي

نشرت مجلة ماريان الفرنسية مقال رأي لسيباستيان بوسوا، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الأوروبية العربية والإرهاب والتطرف، تطرق فيه إلى الاستراتيجية السعودية وراء استضافة سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1، في الفترة الممتدة من الثالث إلى الخامس من كانون الأول/ ديسمبر.


وقال الكاتب في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن سلسلة الأحداث والمسابقات العالمية التي تستقبلها العربية السعودية عاما بعد عام، لها رمزية عميقة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. يعد الإعلان عن استضافة مسابقة الفورمولا 1 الدولية في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، والتي ستقام لأول مرة في تاريخها في المملكة العربية السعودية، في جدة، نجاحا تسويقيا جديدا لمحمد بن سلمان.


بعد عدة سنوات من الركود السياسي على الصعيد الدولي، يسعى بن سلمان، المتورط في أزمات سياسية وإقليمية متكررة، إلى تلميع صورة المملكة؛ حتى تتحول إلى دولة جذابة بالنسبة للغرب المتحمسين للمسابقات الرياضية والأحداث الثقافية الأحداث.


بعد مشروع المدينة المستقبلية نيوم، وباريس داكار منذ سنتين، وشراء أندية كرة القدم، يسعى محمد بن سلمان لإغراء العالم من خلال تقديم صورة جذابة لتمرير أجندته الخاصة. ومن الآن فصاعدا، ستكون الفورمولا 1 أداته الجديدة.


الاستثمار والقوة الناعمة


ذكر الكاتب أنه بعد فشل السعوديين في شراء نيوكاسل يونايتد، رغبت الرياض في شراء ناد فرنسي خلال العام الماضي، وهو أولمبيك مرسيليا، ولكن دون جدوى. لكن، لم يكن لذلك تأثير كبير؛ لأن محمد بن سلمان يتبع استراتيجية طويلة المدى، حيث يتعين عليه استعادة صورة والعمل على تحقيق أهدافه خطوة بخطوة لتجنب الفشل. يجب الاعتراف بأن محمد بن سلمان استفاد كثيرا من فترة حكم دونالد ترامب. لكن تغير الأمر مع تولي بايدن رئاسة البيت الأبيض واختياره الاعتراف بالملك سلمان بصفته المحاور الوحيد لأمريكا.


"المال يضعف الذاكرة"


بيّن الكاتب أنه في الجغرافيا السياسية، يُطلق على هذه الإستراتيجية الشاملة للاستثمار في "القوة الناعمة" تسمية محددة وهي "التستر بالفن"، والتي تعني أن الدولة تنخرط في الثقافة والرياضة من أجل إخفاء أجندتها السياسية. من خلال تعزيز "قوتها الناعمة" بواسطة الرياضة، تريد الرياض أن تكون قادرة على التأثير في الأحداث العالمية الكبرى، في سياق إقليمي شديد التنافسية، مع اقتراب كأس العالم في قطر وفي ظل حدث إكسبو 2020 دبي 2020 في الإمارات العربية المتحدة.


يندرج تنظيم حدث الفورمولا 1 في إطار سياق مبتكر لخصه هاشتاغ #نتسابق موحدين الذي أطلقته إدارة الفورمولا 1، الذي يهدف إلى تعزيز التنوع، ومحاربة عدم المساواة في عالم الرياضة في سباق السيارات. وكان ذلك حركة مثالية للمملكة العربية السعودية، التي "يُضعف فيها المال الذاكرة".


واجهة جديدة


أشار الكاتب إلى أن المبالغ المالية للحصول على صورة ومكانة في المشهد الثقافي العالمي غالبا ما تكون خيالية، لكنها لا تغير شيئا. في حين عرض محمد بن سلمان على إنجلترا ما لا يقل عن 350 مليون يورو لشراء نيوكاسل يونايتد في أوائل عام 2020، فقد فشل عرضه. من ناحية أخرى، فاز مع الاتحاد الدولي للسيارات بتقديم 90 مليون دولار "فقط" لتنظيم الحدث الذي سيعقد في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وكان ذلك أحد أغلى سباقات الفورمولا 1 في التاريخ.


يعد فشل السعودية في شراء مانشستر دليلا على أن بعض القادة الرياضيين يعيقون استراتيجية المملكة العربية السعودية مترامية الأطراف، نظرا لأن الأمر الوحيد المؤكد في الوقت الحالي هو حذر المستثمرين والعملاء على حد سواء بشأن فكرة التورط في قضايا مشبوهة. ويمثل نشر استراتيجية الانفتاح المعروفة "برؤية 2030"، التي يروج لها محمد بن سلمان، دليلا آخر على أن المال لا يصنع كل شيء.


جذب مستثمرين مستقبليين


أورد الكاتب أن أزمة كوفيد-19 أثرت على ولي العهد. في مواجهة عدد من الشركات المتعثرة، تمكن محمد بن سلمان من مواصلة عملياته الاستثمارية بهدوء، في وقت توقفت فيه جميع الأحداث العامة الدولية. على سبيل المثال، استخدمت الرياض صندوق ثروتها السيادية لاقتحام العديد من وسائل الإعلام وشركات الفنادق وشركات الطيران وشركات الترفيه والنوادي الرياضية. منذ بداية أزمة فيروس كورونا، استثمرت ما لا يقل عن 7 مليارات دولار في شركات مرموقة كانت توشك على الإفلاس، مثل لايف نيشن إنترتينمنت.


تسارع نسق كل هذه العمليات في الأشهر الأخيرة؛ بفضل الصندوق السيادي السعودي الذي تقارب قيمته 2 تريليون دولار. نظرا لصعوبة تنويع المملكة العربية السعودية لاقتصادها، وانخفاض أسعار النفط لعدة سنوات، فإن مثل هذه الخطة لن تكون سوى مؤقتة. في غضون ذلك، تحاول البلاد جذب مستثمرين مستقبليين، ويتمثل هدف استقبال السعودية لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في المستقبل في تطبيع مكانتها كلاعب رئيسي في هذا النوع من الأحداث العالمية، وتقديم واجهة مقبولة.

التعليقات (0)