مدونات

موجة "ظل أيلول"

كاتب آخر
كاتب آخر
لقد كانت حروف الحديث إليه كنوتة موسيقية، تهدهد النَّفس كما المهد، وتراضي ما في القلب من حزن.

هبةٌ تسوي لحنا فريدا يجتمع حوله من كان على طهارة، لحنٌ يلاطف الحياة بكل ما يَمر بها من منعطفات.

لقد كان يطوقها الأفكار بعقد من لؤلؤ مكين، ويقطف لها النجاحات كالتقاط النجمات في أمسية حالمة.

لقد كان الاستماع إلى أطراف حديثه مبهجاً كـ"ليلة عيد"، تلونت به الخطوات بألوان قوس قزح.

كأن البوح إليه أصبحَ بلسماً، يبرئ الجرح بمجرد ذكره من تلقاء إنصاته، وما أشدّ حبها لإنصاته، وللكتابة له حتى امتثلت به بـ"عزيزي يا صاحب الظل الطويل".

الشمس تشرق كل يوم لأن هناك من ينتظر أن يكمل عملية بنائه الضوئي، تسعى النباتات كل يوم لرزقها وتنتج غذاءها لتستمر في هذه الحياة بكل قوة، تسبح الله بروحها، وتبهج من يراها بجمالها، وتبعث الإيجابية بالأوكسجين الذي تمنحه لمن يجاورها.

ذات يوم سألت أبي سؤالا أستدرك به حديثه مع أحد أصحاب الحدائق الذي اشترى منه بعض الأشجار ونقلها من تربتها لحديقته، وقتها كان يستفسر عما يجب فعله ليساعدها على التكيف والتشبث في تربتها الجديدة، كان سؤالي وقتها: ما الذي يجعلها تموت؟ أجابني مازحاً: "حسب اللي نقلها، إذا معاه وضوء" الأمر ليس كذلك.

أتساءل عما لو كان هناك تفاوت في العزائم في عالم النبات أيضاً؟ هل يعود الأمر للنبتة التي تم نقلها؟ أم للبيئة الجديدة التي نقلت إليها؟ أم للساقي الجديد الذي تكفل بحفظها؟

هناك بعض الأشجار تتأقلم بسرعة وتجد من يراعي حاجتها الكافية من الماء والسماد فتثمر في ذات العام، وتؤتي أكلها لساقيها، وهناك أشجار رغم الاهتمام تموت بالجملة، وفيّة جداً لموطنها لا تكاد تملك تلك الجرأة على حياة لا تألفها.

وهناك أشجار ونباتات تصفر أوراقها وتجف أغصانها حتى يهيأ لنا أنها ماتت، وهي في الحقيقة تكون قد أعطت كل قوتها لجذورها كي تتكيف مع تربتها الجديدة وتتثبت بها. رغم وفائها لموطنها الأصلي إلا أنها أحبت المغامرة.

وهناك نباتات تستبشر خيراً لتألف ما ينتظرها إلا أن ساقيها لا يكترث بما يلزمها، يظن أنه عليه سقايتها مرة واحدة في الأسبوع كغيرها من الأشجار التي نمت وكبرت لديه في حديقته، لا يلتفت إلى أنها بحاجة لاهتمام مكثف لتكون كمن رباها عنده، ويتساوون في السقاية فيما بعد، حتى إذا ما ماتت تجده يلعن ناقلها الذي أساء نقلها.

عزيزي يا صاحب الظل الطويل:

إني أتساءل إلى أي مدى كنتَ ستهتم بشجرة نقلتها من حديقة بعيدة إلى حديقتك؟

وما مصير تلك الشجرة؟ هل ستحيا بالاهتمام اللازم لتؤتيك أكلها؟ أم أنها لا بد لها أن تموت الموتة الأولى لتحيا في حديقتك بأوراق جديدة وأغصان قوية، لتحيا حياتها الجديدة بعدما قلمتها وأجدت تقليمها؟ أم أنها ستموت بالجملة؟

عزيزي يا صاحب الظل الطويل:

ثم إني في حيرة، لو كنت شجرة، أي من تلك الأشجار سأكون؟

لا أظنني مكابرة لأكون تلك القوية التي تكيفت منذ اللحظة الأولى واكتفت بما يلزمها وأكملت مسيرة الإثمار لديها بدون أدنى مشكلة..

ولا أظنني ضعيفة إلى الحد الذي أموت فيه بالجملة، حتى وإن جف الماء، وغابت عني الشمس.

أظن أن الانتماء يشكل الجزء الكبير من روحي، أظنني رغم الاهتمام لا بد لي أن أموت لأجد في الموت حياتي، حتى إذا ذبلت العيون وأرهقَ الجسد جاءتني القوة من جديد بعد أن أقلم أغصاني الجافة، وأساقط عني الأوراق فاقدة الأمل، لأجد النور في قلبي وقد منح لجذوري القوة لأبدأ من جديد.

عزيزي يا صاحب الظل الطويل، يا صاحب القلب الجميل، يا ذا الدم النبيل، هل أصلح أن أكونَ شجرة؟
التعليقات (8)
ليلة عيد
الأحد، 04-07-2021 06:39 م
أبدعتي يا هبوش
سامي عروق
السبت، 26-06-2021 09:53 م
ممتاز هبه
هبه نصير
السبت، 26-06-2021 01:11 م
شكراً جداً ???? هذا من لطفكم
ايمان عطاالله
السبت، 26-06-2021 12:49 م
جميل ما كتبت يا هبة . البشر يتفاوتون أيضا كما النباتات في التكيف مع البيئات الجديدة
مهدي الدغمه
السبت، 26-06-2021 09:20 ص
اراك شجره ثمارها ثمار الجنه ادام الله عليك السكينه