تواجه حركات المقاومة والقوى
التغييرية والثورية في أي بلد تنشأ فيه تحديات متنوعة داخلية وخارجية، فأية حركة مقاومة في مواجهة الاحتلال تبرز أمامها مهمة تحرير الأرض ومقاومة الاحتلال كأولوية أساسية ومركزية وتتقدم على كل الأولويات. ومن هنا يكون التركيز على العمل المقاوم وتحرير الأرض، دون الاهتمام أحيانا بما يجري داخل المجتمع من تحديات وتطورات مهمة.
وكذلك فإن أية حركة تغييرية تواجه نظاما تسلطيا أو ديكتاتوريا فيكون التركيز في برامجها على كيفية إسقاط هذا النظام أو تغييره أو مواجهة تسلطه وديكتاتوريته، وإذا لم تكن هذه الحركة مستعدة لتقديم البديل لهذا النظام عند سقوطه أو تغييره، فإن كل الجهود التي تبذلها في سبيل المواجهة أو التغيير قد تضيع في أية لحظة، وتأتي قوى أخرى لتقطف ثمار ما قدّمته من تضحيات وجهود كبيرة في سبيل التغيير.
ومن هنا تبرز أمام قوى المقاومة أو حركات التغيير مهمات متعددة داخليا وخارجيا في الوقت نفسه. فلا يكفي أن تكون هذه القوى أو الحركات جاهزة لمواجهة المحتل أو المستعمر أو أي نظام ديكتاتوري بهدف التحرير أو الاستقلال أو رفض الظلم، ما لم تكن قادرة على تقديم البديل المتكامل لملء الفراغ أو لتأمين حاجات المجتمع المتنوعة أو لإقامة المشروع البديل المتكامل، ولو ضمن خطة شاملة ومتسلسلة ووفقا للأولويات والظروف التي تواجهها.
لا يكفي أن تكون هذه القوى أو الحركات جاهزة لمواجهة المحتل أو المستعمر أو أي نظام ديكتاتوري بهدف التحرير أو الاستقلال أو رفض الظلم، ما لم تكن قادرة على تقديم البديل المتكامل لملء الفراغ أو لتأمين حاجات المجتمع
وعلى ضوء هذه المقدمات فإن أي انتصار أو نجاح تحققه أية حركة مقاومة في معاركها العسكرية لا يكتمل ما لم يكن لديها البرنامج البديل لبناء المجتمع وتأمين احتياجاته الداخلية، وإلا سيضيع هذا الانتصار ويتم استنزافه وإفراغه من محتواه.
وأي نجاح لأية حركة ثورية أو تغييرية في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية أو المتسلطة، والوصول إلى السلطة بعد إسقاط الديكتاتور أو الحاكم الظالم، لا يمكن أن يكتمل إذا لم تكن هذه الحركة تملك برنامجا لبناء السلطة وتأمين البديل ومعرفة كيفية إدارة هموم المجتمع لحظة انتصارها، مع الأخذ بالاعتبار كل المعطيات الواقعية ومعرفة طبيعة الدولة العميقة التي تواجهها، أو كيفية توزيع خريطة القوى السياسية والحزبية والقوى الفاعلة في المجتمع، والعلاقات والتحديات الخارجية التي تؤثر في هذا البلد.
وما تشهده اليوم العديد من الدول العربية من أزمات وتحديات يقدم لنا نماذج عملية لهذه الملاحظات البديهية في علم الثورات والحروب والصراعات وحركات المقاومة.
ففي لبنان حيث نجحت قوى المقاومة في تحرير البلد من الاحتلال الصهيوني ومواجهة تحديات خارجية كبرى؛ ها هي هذه القوى تواجه تحديات داخلية كبرى قد تطيح بكل الإنجازات التي تحققت، ويواجه البلد أزمة كبرى داخلية ومعيشية واقتصادية ومالية.
في لبنان حيث نجحت قوى المقاومة في تحرير البلد من الاحتلال الصهيوني ومواجهة تحديات خارجية كبرى؛ ها هي هذه القوى تواجه تحديات داخلية كبرى قد تطيح بكل الإنجازات التي تحققت، ويواجه البلد أزمة كبرى داخلية ومعيشية واقتصادية ومالية
ورغم ما تتمتع به قوى المقاومة من إمكانيات شعبية وسياسية وعسكرية وتحولها لقوة إقليمية خلال السنوات الأخيرة، فإنها فشلت حتى الآن في العمل لقيام مشروع الدولة القادرة على تأمين حاجات المجتمع وحماية البلد من النظام الفاسد والعميق، والذي يتحكم بكل مقدراته.
وفي مصر، فإن ما واجهته وتواجهه حتى الآن حركة الإخوان المسلمين من أزمات وتحديات بعد أن نجحت في الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات وبعد ثورة شعبية، يكشف أن هذه الحركة رغم كل ما كانت تملكه من إمكانيات وقدرات شعبية ومؤسسات متنوعة وتجربة سياسية وتنظيمية، فإنها لم تكن جاهزة لإدارة البلد وفهم خصوصياته، ومفاصل الحكم فيه والقوى العميقة التي تتحكم فيه داخليا وخارجيا، مما جعلها تدفع ثمنا كبيرا مقابل ذلك، ومن غير الواضح أي مستقبل ينتظرها على ضوء المتغيرات الحاصلة إقليميا ودوليا.
في مصر، فإن ما واجهته وتواجهه حتى الآن حركة الإخوان المسلمين من أزمات وتحديات بعد أن نجحت في الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات وبعد ثورة شعبية، يكشف أن هذه الحركة رغم كل ما كانت تملكه من إمكانيات وقدرات شعبية ومؤسسات متنوعة وتجربة سياسية وتنظيمية، فإنها لم تكن جاهزة لإدارة البلد
وقد تنطبق هذه القواعد على كل دول المنطقة التي حصلت فيها ثورات شعبية أو انتفاضات أو متغيرات سياسية أدت إلى بروز قوى جديدة أو تغيرت فيها الأنظمة، وقد تنجح بعض الحركات السياسية في تلافي بعض الأخطاء، كما حصل حتى الآن على صعيد حركة النهضة في تونس، مما جعلها تحتفظ بدورها وموقعها، لكنها في المقابل لم تنجح في إقامة الدولة القادرة على تأمين حاجات المجتمع والناس، رغم أهمية الإنجاز السياسي الذي تحقق في قيام النظام البديل للنظام السابق.
لكن يبدو أن هذه التجربة تواجه إلى الآن أزمات متعددة تتطلب رؤية جديدة لمقاربة كافة التحديات الداخلية والخارجية.
وفي العراق وبعد سنوات طويلة على سقوط النظام السابق وقيام مشروع سياسي جديد، فإن التجربة العراقية غرقت في الصراعات الطائفية والمذهبية وانتشار الفساد، وتحول العراق إلى ساحة صراع إقليمية ودولية، ولم يتحقق مشروع الدولة القادرة على تأمين هموم الناس والمجتمع، مما يجعل قسما من الشعب العراقي يترحم على النظام السابق رغم ديكتاتوريته وظلمه وعنفه الكبير، وأخطائه الاستراتيجية في شن الحروب والصراعات في المنطقة.
ويمكن تطبيق هذه الأفكار البديهية على أية تجربة ثورية أو حركة مقاومة أو حركة معادية للاحتلال أو الاستعمار، أو ناشطة لمواجهة الديكتاتورية والظلم. فالاهتمام بشؤون الناس ومتطلباتهم وكيفية إدارة شؤون المجتمع والدولة؛ يتطلب رؤية متكاملة وفهما عميقا للنظام القائم أو لطبيعة المجتمع وحاجاته، وكيفية تغيير الواقع نحو الأفضل.
ولا يكفي لأية حركة مقاومة أو حركة تحرير أو قوة تغييرية أن ترفع شعارات جميلة، أو تقدم مشروعا نظريا أو تقدم أفكارا مثالية حول البديل الذي تحمله، فإن معرفة الواقع وتحدياته وكيفية توزيع القوى الداخلية والخارجية وما هي القوى العميقة التي تتحكم بالدولة أو المجتمع؛ تشكل أولوية أساسية من أجل إدارة شؤون المجتمع والدولة وتحقيق الأهداف المرجوة.
حماية الانتصارات تشكل مهمة كبرى في أية معركة داخلية أو خارجية، وما لم تكن قوى المقاومة والتحرير أو الحركات الثورية والتغييرية قادرة على حماية انتصاراتها في المعارك التي تخوضها، فإنها ستخسر كل ما حققته من إنجازات وستدفع أثمانا كبيرة مقابل ذلك
وقد تكون التجربة اللبنانية اليوم نموذجا مهما تنبغي دراسته والاستفادة منه. فرغم كل الانتصارات التي حققتها قوى المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني على مدار سنوات طويلة، فإن عدم تقديمها للمشروع السياسي التغييري للنظام الطائفي والفاسد القائم اليوم جعلها تضيّع هذه الإنجازات وتصبح جزءا من هذا النظام، وتتحمل مسؤولية الأزمة الكبيرة المالية والمعيشية والاقتصادية التي يواجهها لبنان اليوم. وقد يكون من الصعب اليوم تقديم الحلول العملية لهذه الأزمات؛ ما لم يكن لدى قوى التغيير مشروع متكامل للإصلاح والتغيير.
إن حماية الانتصارات تشكل مهمة كبرى في أية معركة داخلية أو خارجية، وما لم تكن قوى المقاومة والتحرير أو الحركات الثورية والتغييرية قادرة على حماية انتصاراتها في المعارك التي تخوضها، فإنها ستخسر كل ما حققته من إنجازات وستدفع أثمانا كبيرة مقابل ذلك.
وفي الخلاصة، فإن إدارة المجتمع والدولة وتأمين حاجات الناس ومتطلباتهم مهمة كبرى إلى جانب مهمة التغيير والمقاومة والتحرير، وفهم طبيعة المجتمعات وحاجات الناس، وكيفية توزيع القوى العميقة في المجتمع والدولة، ومعرفة التحديات الداخلية والخارجية بعمق.. ضرورة أساسية في أي عملية تغيير أو بناء للمجتمع وبناء الدولة، وعلينا جميعا أن نستفيد من تجاربنا من أجل تصحيح المسار في المستقبل.
twitter.com/KassirKassem