هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في حين تطلق الصين سلسلة من الاحتفالات بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس حزبها الشيوعي، لا يمكن تجنب سؤال واحد: هل هناك أي شيء للاحتفال به؟
بالنسبة للحزب، الجواب: نعم.
لنبدأ بـ«الحزب الشيوعي الصيني»، فهو أقدم حزب شيوعي لا يزال في السلطة ويحكم دولة كبرى. كما أنه ثاني أكبر حزب في العالم من حيث العدد، ويأتي مباشرة بعد حزب «بهاراتيا جاناتا» أو حزب الشعب الهندي. علاوة على ذلك، قاد الحزب الشيوعي الصيني برنامجا اقتصاديا مثيرا للإعجاب، ليحول بلدا متخلفا إلى قوة تحديث سريعة ذات طموحات قيادة عالمية. الأهم من ذلك، ربما أنشأ الحزب الشيوعي الصيني أكبر دولة يهيمن عليها قومية «الهان» في التاريخ، وهو أمر لم يحققه حتى أعظم الأباطرة الصينيين.
ومع ذلك، فإن رؤية الأشياء من زاوية تاريخية أوسع، يعد رواية مختلفة.
في البداية، كان الحزب الشيوعي الصيني أداة للقمع القاسي منذ أن استولى على السلطة الكاملة في عام 1949. ووفقا لأفضل التقديرات، فإن استراتيجيته الجماعية المضللة وعمليات التطهير المتتالية التي نفذها على جميع مستويات المجتمع، والمجاعات التي أحدثها عن غير قصد والعديد من الفظائع جميعها، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 80 مليون شخص. كان الضرر الذي لحق بالثقافة والأدب الصينيين خلال الثورة الثقافية البروليتارية العظمى على القدر نفسه من الضرر غير الملموس.
لقد تجاوزت عقود من السياسات المضللة في التبت، وشينجيانغ، ومنشوريا، ومنغوليا الداخلية، أسوأ حالات القمع العرقي المسجلة في ظل السلالات المتعاقبة، وأنتجت سياسة الطفل الواحد، التي بدأها ماو تسي تونغ، مشاكل قد تستغرق أجيالا لحلها. لم يحدث للصين أن عقدت مثل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي، الذي كشف واستنكر عبادة شخصية ستالين وجرائمه العديدة، ناهيك عن شيء مثل محاكمات نورمبيرغ للكشف عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في مراحل مختلفة من القرن الماضي.
تم حقن الحزب الشيوعي في الصين كفيروس أجنبي في عام 1921 عندما استهدفت الأممية الشيوعية (كومينترن) التي أسسها لينين «لإشعال النار في الشرق» بتصدير ثورة استهدفت الصين، إلى جانب الهند وكوريا واليابان وإيران كمنصات انطلاق انتفاضة في عموم آسيا ضد «القوى الإمبريالية»، ولا سيما بريطانيا العظمى. أرسل زينوفيف، رئيس «الكومينترن» (الشيوعية العالمية) العديد من الدعاة المدربين إلى البلدان المستهدفة لنشر الثورة البلشفية «الثورة العالمية».
فشلت مهمتهم في إيران والهند واليابان، لكنها نجحت في الصين، التي وقعت في حرب لا نهاية لها على ما يبدو بين أمراء الحرب وكوريا، حيث كان من المفترض أن تثبت سلالة كيم أنها مصدر قوة دائمة.
هكذا، وخلال العقود الأولى من وجوده، كان الحزب الشيوعي الصيني الذي عقد أول مؤتمر في 23 يوليو (تموز) 1921، سيظل أداة للنفوذ السوفياتي. رقص الحزب الشيوعي على كل نغمة سوفياتية حتى بتحالفها مع الحزب الوطني (الكومينتانغ) الذي كان يميل نحو الغرب - بعد أن كانت تربطه علاقات وثيقة مع موسكو - وخاصة الولايات المتحدة، بينما يدعو إلى خطاب قومي.
في الحرب الأهلية التي أعقبت الحزب الشيوعي الصيني، وبدعم من الأسلحة السوفياتية، انتصر المال و«المستشارون». وبعد أقل من عقدين من الزمن، تورطت الجمهورية الشعبية المنشأة حديثا في حرب آيديولوجية مع الاتحاد السوفياتي، تخللتها سلسلة من الاشتباكات الحدودية التي خسرت فيها الأراضي لصالح موسكو.
انتهى المطاف بالكومينتانغ (الحزب القومي الصيني)، الخاسر في الحرب الأهلية الصينية، بقيادة جزء صغير من الصين، جزيرة تايوان (فورموزا سابقا) إلى الرأسمالية والديمقراطية، بينما اعتمد الفائز، الحزب الشيوعي الصيني، الرأسمالية، ولكن فقط في خدمة نظام سياسي استبدادي. في السنوات القليلة الماضية، تخلى الحزب الشيوعي الصيني عن «مركزيته الديمقراطية» بالتخلي عن القيادة الجماعية والتركيز على رئاسة الجمهورية، والأمانة العامة للحزب، ورئاسة اللجنة العسكرية التي تسيطر على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وتضعها جميعا في قبضة رجل واحد هو شي جينبينغ.
لقد ثبت خطأ النظرية القائلة بأن التنمية الاقتصادية تؤدي حتما إلى التحول الديمقراطي، على الأقل في الوقت الحالي. بدلا من ذلك، يشير الرئيس شي إلى نجاح الصين في التخلي عن الديمقراطيات الغربية الرئيسية في بعض المجالات العلمية والتكنولوجية، ويصف الآن التحول الديمقراطي بأنه عقبة أمام المزيد من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي. ويجري تقديم الخلافات السياسية والثقافية الداخلية داخل بعض الديمقراطيات الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة مع صعود دونالد ترامب وبريطانيا العظمى مع تمرد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على أنها تحذيرات كثيرة لأولئك الذين يريدون أن تتحرك الصين نحو الديمقراطية الليبرالية.
كان الهدف الأول للحزب الشيوعي الصيني هو تفكيك هيكل الدولة الصينية؛ لأنها تشكلت على مدى أكثر من 2000 عام من التاريخ. امتد التدمير المنهجي للمندرين (بيروقراطية الدولة التقليدية) المستوحى من شعار ماو تسي تونغ «تدمير القديم لبناء الجديد» إلى اقتلاع قرون من الفن والأدب والموسيقى والدراما والأعراف الاجتماعية التقليدية، واستبدال ثقافة اصطناعية مشلولة بها بسبب تناقضاتها.
بدأ الحزب الشيوعي الصيني مع حفنة من المثقفين البرجوازيين الكارهين لأنفسهم، الذين سعوا إلى السلطة من خلال مناشدة الفلاحين الذين بالكاد يعرفونهم. بعد قرن من الزمان، قاد الحزب حفنة أخرى من المثقفين المتحمسين لأنفسهم، يحافظون على أنفسهم في السلطة بدعم من فئة جديدة من رجال الأعمال الأثرياء الذين يجدون صعوبة أكبر في السيطرة عليهم.
على الرغم من صخب ماو تسي تونغ الأيديولوجي الزائف، فإن الحزب الشيوعي الصيني، الذي كان دائما ما ينظر إليه قادته على أنه أداة لممارسة السلطة، لم يكن لديه آيديولوجيا أبدا. فبعد عقود من التجربة والخطأ في الغالب، استسلم الحزب للبراغماتية البيروقراطية المعنية أساسا بما تسميه «النجاح الاقتصادي». ومع ذلك، فإنه يتجاهل حقيقة أن التغيير الكمي لا بد أن يؤدي إلى تحول نوعي، وأنه من غير المرجح أن يظل المجتمع الصيني الناشئ راضيا عن النظام الصارم والحكم التعسفي والقمع. قد يفخر الحزب الشيوعي الصيني بنجاحه الاقتصادي بعد إصلاحات دينغ زياو بينغ، لكنه يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه من خلال «معسكرات إعادة التعليم» في شينجيانغ (تركستان الشرقية)، والقمع في هونغ كونغ والإيماءات الإمبريالية الطفولية والخطيرة في البحار المجاورة. مع استثناء محتمل لباكستان، تتمتع الجمهورية الشعبية بعلاقات سيئة مع جميع جيرانها تقريبا، تعقدها الخلافات الوحدوية القديمة والمتجددة في آن.
في الداخل، لا يمكن أن يخفي اعتماد الحزب الشيوعي الصيني المتزايد على التعويذات القومية الزائفة وكراهية الأجانب خواءه الأيديولوجي. اليوم، يتجه المجتمع الصيني، مدفوعا بالنجاح الاقتصادي، نحو انفتاح أكبر على العالم الحديث، بينما يتحرك الحزب الشيوعي الصيني في الاتجاه المعاكس من خلال تبني موقف متعجرف بالانغلاق على نفسه.
من حيث القوة الاقتصادية وتعطش الشعب للتقدم، فإن الصين اليوم هي دولة عملاقة، وهذا العملاق، رغم ذلك، لديه نقطة ضعف في مئوية الحزب الشيوعي الصيني. عيد ميلاد سعيد!