آراء ثقافية

قلب الإغريقي في قدمه!

الإغريق
الإغريق

القدم من أهون الأعضاء عند العرب، لكنها جارحة من الجوارح، وتستخدم القدم وكسوتها للشتم والإهانة، منها (أَدْنَأُ مِنَ الشِّسْعِ‏) في الزراية، و(خفا حنين) في الخسارة، و(حذاء أبي القاسم الطنبوري) في الشؤم.


اشتق العرب الإقدام إلى العلياء من القدم، فعجبنا من إقدام أنصار الأنظمة العربية على التعميم  والتتويج بجزمات العساكر على رؤوسهم في مصر وسوريا، والعساكر عبيد لا يشبعون خبزًا في الجندية، وهم سخرة لأسيادهم من الضباط، مذَلّون ومهانون، والرأس هي التي تكّرم وليس القدم، والغاية والقصد من رفعها إلى الرؤوس هو الولاء للنظام، حتى صارت الجزم تيجانًا، فرأينا تلك الصور المضحكة للجزم ذات الأعناق الطويلة على الرؤوس، وسنجد تكريمًا واحتفالًا بالقدم في الأساطير والقصص الإغريقية القديمة والحديثة، وقد نجازف بالقول: إن هؤلاء القوم من فلول الإغريق وأذنابهم.


القدم عند الإغريق:


أشهر الأقدام الإغريقية قدم أوديب في الأسطورة الشهيرة، التي بنى عليها نبيّ الحداثة سيجمون فرويد نظريته في الجنس، وكان والد أوديب الملك لايوس يقيّده منعًا له من الحركة، خوفًا على نفسه من إجابة القدر، وكان عرّاف دلفي قد تنبأ له بأن ولده سوف يقتله، ثم أمر خادمه بقتله، فأشفق عليه وباعه لأحد الرعاة، فأطلق الراعي على الطفل اسم "أوديب"، ومعناه باليونانية القديمة المُصفَّد بالأغلال، أو الأقدام المتورّمة، فكبر وقتل والده من غير أن يعرفه، وتزوج أمه مكافأة على حلِّ لغز له علاقة بالقدم والسير.


يُعتقد أن المصائب التي حلّت بطيبة كانت نتيجة لعنة أحاقت بالملك لايوس، لأنه عدا على تقاليد الضيافة المقدسة، استقبل بيلوبس ملك مدينة إيليا الملك لايوس في فترة شبابه كضيف، حيث أصبح مدربًا لكريسيبوس في سباق العربات، كريسيبوس هو ابن الملك بيلوبس الأصغر. يغوي لايوس ابن الملك ويغتصبه! وينتحر كريسيبوس من الخزي، وتحيق اللعنة بلايوس، يعود أوديب إلى طيبة، ويحلُّ لغز الوحش، وهو لغز متصل بالمشي والأقدام، وهو: ما اسم الحيوان الذي يمشي على أربعة أرجل في الصباح وعلى رجلين ظهرًا، وفي المساء على ثلاثة؟ سنحاول حلّ لغز تقديس القدم لدى الإغريق أو تفسيره بالاستعانة بالمعارف العربية.

 

مرض القدم اليونانية:


تحدثت الأساطير القديمة عن "القدم اليونانية"، وهي التي يقصر إبهامها عن سبابتها، وإنّ من له تلك الأقدام من البشر يكتسب بعض صفات الآلهة.


أظهرت بعض الدراسات العلمية، أن أصحاب "القدم اليونانية"، والبالغ عددهم 14% من سكان العالم، وفقًا للإحصائيات التي نشرتها صحيفة El PAIS الإسبانية، معرضون للإصابة بالالتهابات، فيجد أصحاب القدم اليونانية أنفسهم في حاجة لاستخدام أنواع معينة من الأحذية لتجنب آلام القدم والتهاباتها.


روح أخيل في كعبه:


هو البطل الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية، وابن بيليوس ملك فثيا من حورية البحر ثيتس حفيدة التيتانية تيثيس ابنة أورانوس وغايا، بطل حرب طروادة التي دارت أحداثها بين الإغريق وأهل طروادة، نكّرته أمه بثوبِ أنثى حتى تجنّبه قدر الموت الذي تنبأ به العرّاف، ويمكن أن نجد في التنكير بأنثى إرهاصًا بعمليات تحويل الجنس العالمية حاليًا، غمسته أمه في مياه نهر ستيك المخلِّدة، وقد تكون قرينةً على قدسية التعميد المسيحي، فكان كعبه المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء.


تنبأ أحد العرافين للملك وزوجته أن ابنهما سيُقتل في معركة طروادة. حاول بيلوس وزوجته أن يخفيا آخيل عن عين القدر، فألبساه ثياب الفتيات، ثم أرسلاه إلى لوكوميدس، ملك جزيرة سيكاروس، ليعيش معه في قصره متنكرًا كإحدى بناته، فغافله وتعلم فنون القتال، ونفر من العبادة في المعبد. تقول الأسطورة: إن نقطة ضعفه كانت في قدمه، ولكن الحق أن نقطه ضعفه كانت في المرأة، مثله مثل باريس.

ونجد في الأساطير اليونانية ماراتون، وهي بلدة يونانية عدا إليها فيديبيدس مسافة أربعين كيلومترًا لإبلاغهم بالنصر على الفرس، فصار سباقًا دوليًا فيما بعد، ونصل إلى العصور الحديثة، فنجد عقوبة قطع أقدام محاولي الهرب من المستعبَدين الأفارقة من المشط.

النعل في الفن التشكيلي المعاصر:


رأينا احتفالًا كبيرًا بصورة النعل في الفن التشكيلي، وكثرت صور النعال في اللوحات العالمية، وأشهر لوحة هي لفان كوخ، وهناك مبنى في برلين رصّعت واجهته بمئات النعال، اشتهرت سيلين دون بامتلاكها 500 نعلًا! هل كأنّ الفنانة اليابانية سلين دون تسابق زوجة الرئيس الفلبيني السابق اميلدا ماركوس التي كانت تملك 3000 نعلًا، قبل أيام وضع المعزّون أحذية كثيرة على نصب التعزية في كندا، ففرشوا مكان ارتكاب قتل الأسرة المسلمة دهسًا، بالزهور والنعال.

فان غوخ وحذاء فلاح:


رسم الفنان الألماني فان غوخ لوحة «حذاء فلاح»، فأصبحت حجّة للتأمّل الفلسفي عند هايدغر، في كتابه «أصل العمل الفني»، كتب عن الحذاء كمن يكتب الشعر، تقول مقدّمة جريدة الجريدة: نقرأه بشغف، لكن لا نستطيع أن نحفظ منه أي جملة في ذاكرتنا، إنه متعة للحظة وليس مشروعًا أو حكمًا. يقول هايدغر: إننا إذا تأمّلنا اللوحة التي رسم فيها الرسام الهولندي فان غوغ «خفّي حذاء فلاح»، لا يسعنا انتعالهما. إلاّ أن اللوحة تبيّن لنا خفّي فلاح أتلفتهما فِلاحة الأرض.


جائزة الحذاء الذهبي وظهور ديانة كرة القدم:


هي جائزة كرة قدم، تقدّم في كل سنة لأسبق هدّاف أوروبي. كانت الجائزة في السابق تقدّم من قِبل صحيفة ليكبي الفرنسية (L'equipe)‏ في الفترة ما بين عامي 1968-1991، أصبحت الجائزة تمنح من قبل وسائل الإعلام الرياضية الأوروبية (بالإنجليزية: European Sports Media). ‏منذ عام 1997 بدأت الجائزة في موسم 1967-1968 عندما تُوّج بها البرتغالي أوزيبيو لاعب نادي بنفيكا البرتغالي، بعدما سجّل 42 هدفًا. أكثر لاعب فاز بالجائزة هو الأرجنتيني ليونيل ميسي بعدما حققها 6 مرات. فيما يعتبر كريستيانو رونالدو ولويس سواريز اللاعبين الوحيدين اللذان فازا بالجائزة في دوريين مختلفين (إنجلترا وإسبانيا).


صارت كرة القدم ديانة العصر، فاختُصر اللاعب إلى قدم. كتب سليم بركات قبل عقدين مقالًا ساخرًا بعنوان محاضرة بالقدمين، يسخر فيها من حديث لماردونا "ذي القدم المقدسة".

القدم في القرآن الكريم:


ذكرت القدم في القرآن للثبات "وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ﴿٩٤ النحل﴾، و"رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴿٢٥٠ البقرة﴾، وفي السير إلى الخير" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴿٢ يونس﴾ كما جعل الله أثر قدمي إبراهيم فى المقام آية: (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)..
 أما أهم الأعضاء عند العرب، فيقررها زهير بن أبي سلمى حكيم الشعراء: 


لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ 
فَلَمْ يَبْـقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ
في الحديث: المرء بأصغريه: لسانه وقلبه.


ويتأوّل المسلمون قول المسيح في الإنجيل كنبوءة وبشارة بخاتم الأنبياء: "ومع أني لست مستحقًا أن أحلَّ سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه"، وفي حديث هرقل لأبي سفيان "وسألتك: هل يغدر؟ فلئن صدقتني ليغلبنّي على ما تحت قدميّ هاتين، ولوددت أني عنده فأغسل قدميه.


وفي فتح مكة وقف النبي عليه الصلاة والسلام على باب الكعبة فقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ألا كلّ مأثره أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين إلّا سدانة البيت وسقاية الحاجّ. 

لم تمدح العرب القدم إلا في الإقدام الشجاعة والثبات والصبر وفي الحط،ّ أما قدم المرأة اللطيفة فهي التي تشبه (لِسَان الْحَيَّة)، قال عبد الملك بن مروان لرجل من غطفان: صف لي أحسن النساء. فقال: خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين.

وربطت العرب بين رفعة الرأي وزلّة القدم فقالت: "زَلَّةُ الرَّأُيِ تُنْسيِ زَلَّةَ القَدَمِ، يُضرب في السَّقْطَةِ تحصل من العاقل الحازم. وقالوا: "عَثَرَةُ القَدَمِ أسْلَمُ مِنْ عَثْرَةِ الِّلسانِ وفي الخَيْرِ لَهُ قَدَمٌ".
والوَطْءُ، في الأَصْلِ: الدَّوْسُ بالقَدَمِ، فسَمَّي به الغَزْوَ والقَتْلَ. 


ثم نجد هذا المعنى الذي قد يحلُّ لنا مشكلة:


ووَطِئَ المرأَةَ يطؤها: نَكَحَها، فإذا ربطنا بين القدم وكوارث طِيبة، وخبائث لايوس في اغتصاب الغلام كريسيبوس وقعنا على اللعنات وعلى كورونا في العصر الحديث. 


يتضايق الحداثيون المترفعون من لفظ الوطء في العربية استعارةً للجماع، وكان السيوطي قد جمع لألفاظ النكاح ألف لفظ، لأن في الوطء بحسبان الحداثيين إهانةً للمرأة، الوطء في العربية يعني الذرية والنسل والخصوبة. هناك شعوب قدّست الوطء ولها في الهند معابد ويتأوّل الباحثون في الزقورات والمسلّات أنها تمثيلات لأعضاء الذكورة والقباب للأنوثة، لكن القدم الإغريقية هي القدم.

التعليقات (0)