كتاب عربي 21

مساوئ الانقلاب الرئاسي الناعم في السلك الدبلوماسي اليمني

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
الأزمة اليمنية تمضي في متاهتين؛ إحداهما عسكرية والأخرى دبلوماسية. وفي كلا المسارين تبدو السلطة الشرعية أعجز من أن تستدل على النهايات، لا لأن أطرافاً استهدفت هذه السلطة وانقلبت عليها، بل لأنها هي من لعب الدور الأكثر سوءا، بل ودبر رأسها انقلاباً ناعماً في السلك الدبلوماسي للدولة اليمنية.

ففي ظل حالة الشلل التام الذي تعاني منه السلطة الشرعية، تتجلى على نحو صارخ ممارسات رموزها على كافة المستويات، فيما يبدو السلك الدبلوماسي المجال الذي يمارس فيه الرئيس عبد ربه منصور هادي هوايته المفضلة في إعادة هندسة خارطة النفوذ الجهوي، على نحو فاق أداء سلفه علي عبد الله صالح؛ الذي كان يمسك بمقاليد السلطة بشكل كامل وليس بهذا الشكل الانتقائي الذي يميز أداء الرئيس شبه المنفي إلى خارج بلاده.
في ظل حالة الشلل التام الذي تعاني منه السلطة الشرعية، تتجلى على نحو صارخ ممارسات رموزها على كافة المستويات، فيما يبدو السلك الدبلوماسي المجال الذي يمارس فيه الرئيس عبد ربه منصور هادي هوايته المفضلة في إعادة هندسة خارطة النفوذ الجهوي، على نحو فاق أداء سلفه علي عبد الله صالح

وتتجلى ملامح الانقلاب الدبلوماسي الناعم للرئيس، في الوجوه التي تملأ السفارات اليمنية في الخارج، ويفقد معظمها كيمياء التواصل مع الرعايا اليمنيين، مكرسين لدى هؤلاء الرعايا، الوحشة التي تولدت أصلاً من ظروف الهجرة القسرية والبعد عن الوطن جراء الحرب. وما أسوأ أن تتشابه ظروف تواجد الدبلوماسيين والرعايا في بلاد المهجر، إلى الحد الذين يتقاسمون فيه قلة الحيلة وانعدام القدرة على التأقلم، ناهيك عن تقديم الخدمة للرعايا.

على مدى الفترة الرئاسية الثقيلة الوطأة للرئيس هادي، بدا أن معظم الدبلوماسيين الذين شحنهم الرئيس على عجل من المحافظات الجنوبية إلى السفارات، قد صرفوا جهودهم للتأقلم مع البيئات الجديدة المحكومة بالتقاليد الدبلوماسية الصارمة، ومهارات العيش والسلوك الراقي، غير مكترثين بمهمتهم الأصلية وهي رعاية المواطنين اليمنيين، بعد أن حلوا قسراً وبدون سابق إنذار محل كوادر مؤهلة وذات دراية.

اضطرت الخارجية الأمريكية إلى أن تلفت عناية وزير الخارجية والمغتربين الدكتور أحمد عوض بن مبارك، إلى أن ليس من حقه أن يجدد إقامته في واشنطن كسفير، في وقت ترك فيه هذه المنصب لتولي رئاسة السلك الدبلوماسي لبلاده، على نحو لا يمكنه معه الجمع بين منصبين، أحدهما وزير الخارجية والآخر سفير لدى أكبر دولة في العالم، عن بُعد أو بواسطة البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي.

ليس لي ملاحظة على كفاءة الدكتور أحمد عوض بن مبارك، ولا على هويته المناطقية، فلطالما تصرف كرجل يمثل اليمن، وهو حكم مبني على الظاهر من سلوك الرجل، ويبقى لدي اقتناع تام بأن مسألة تعيين سفير في واشنطن هي مهمة حصرية للرئيس هادي، الذي لم يكترث لسد الفراغ الذي خلفه تعيين ابن مبارك وزيراً للخارجية في حكومة الكفاءات. ولا أستطيع أن أستجمع أسباباً تكفي لتبرير سلوك الرئيس، إلا إذا كان قد وقع ضحية تبرير قدمه وزير الخارجية للرئيس، بحيث أقنعه بإمكانية بقائه في منصب السفير في واشنطن، نظراً لعدم وجود يقين لديه باستمرار حكومة الكفاءات.
لقد وقعت الفضيحة بالفعل، ويتعين على الرئيس هادي أن يتصرف وفقاً لمسؤولياته الدستورية ويعين سفيراً جديداً لليمن لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الأقل أن يمنح نائب السفير هناك صلاحيات القيام بأعمال السفير إلى حين تعيين سفير جديد

لقد وقعت الفضيحة بالفعل، ويتعين على الرئيس هادي أن يتصرف وفقاً لمسؤولياته الدستورية ويعين سفيراً جديداً لليمن لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الأقل أن يمنح نائب السفير هناك صلاحيات القيام بأعمال السفير إلى حين تعيين سفير جديد.

هذه المقاربة تفترض أن الرئيس هادي يتصرف انطلاقاً من كونه رئيسا للجمهورية اليمنية ومتحرراً من الأحكام والمواقف المسبقة، لكن عليَّ أن أكون صريحاً معكم، فالرئيس هادي عبث في المجال الدبلوماسي، منطلقاً من قاعدة التقاسم المرحلية التي ضمنت المناصفة بين الشمال والجنوب في التعيينات الدبلوماسية، والأسوأ أنه تجاوز هذه القاعدة ليدفع بأردأ الشخصيات إلى السفارات اليمنية في الخارج، وكان معياره هو الانتماء المناطقي الجنوبي تحديداً.

لذا يعكس التمثيل الدبلوماسي لليمن في الخارج في هذه المرحة خللاً فاضحاً، إذ يشغل الجنوبيون نحو 60 في المائة وأكثر من المناصب الدبلوماسية في البعثات اليمنية في الخارج، فيما لا يزيد نصيب الشماليين عن 40 في المائة.
يعكس التمثيل الدبلوماسي لليمن في الخارج في هذه المرحة خللاً فاضحاً، إذ يشغل الجنوبيون نحو 60 في المائة وأكثر من المناصب الدبلوماسية في البعثات اليمنية في الخارج، فيما لا يزيد نصيب الشماليين عن 40 في المائة

وقد يبدو هذا اعتيادياً إذا قام هؤلاء بدورهم على أكمل وجه في خدمة اليمنيين، ولكنهم للأسف يعكسون المواقف السيئة المسبقة من شريحة واسعة من مواطنيهم، ويقصّرون في خدمتهم، وكأنهم أعداء. وفي الحقيقة لا يفعل هؤلاء أكثر مما يريده الرئيس الذي شحن الجنوبيين وبالأخص المتعصبين منهم وأعطاهم أملاً بأن الفرصة قد سنحت لتحقيق حلم استعادة الدولة الجنوبية، متوسلاً تكتيكاً كارثياً أراد من خلاله توظيف جميع المتناقضات ضمن ماكينته السلطوية المهترئة أصلاً.

لقد تصرف الوزير ابن مبارك بشأن التمسك بمنصبه في واشنطن باعتباره أحد مراكز قوى السلطة الانتقالية المهاجرة، منطلقاً من المكانة الخاصة التي يحظى بها لدى الرئيس هادي، ويتعين على الرجلين أن ينتشلا ما بقي من سمعةٍ لدى السلطة الشرعية وبعثاتها الدبلوماسية، خصوصاً وأن البدائل الواقعية جاهزة لكي تحظى باهتمام الدول الكبرى.

فقد يبدو سهلاً أن تتسلل القوى الانقلابية إلى السفارات لتفرض أمراً واقعاً جديداً في الفضاء الدبلوماسي، كما فرضته في الداخل، وحينها لن يجد الرئيس من يستقبله في مطار جون فوستر دلاس ويرتب له موعداً في مايو كلينك لتلقي العلاج الدوري في الولايات المتحدة، وهي أهون الكوارث قياساً بالخسائر التي ستلحق بالشعب اليمني.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)