ملفات وتقارير

ما هي النتائج المحتملة لتقدم طالبان المتسارع؟

"من الممكن جدا أن تصبح كل أفغانستان تحت سيطرة وحكم طالبان في المستقبل القريب"- أرشيفية
"من الممكن جدا أن تصبح كل أفغانستان تحت سيطرة وحكم طالبان في المستقبل القريب"- أرشيفية

تواصل حركة طالبان التقدم في أفغانستان على حساب الحكومة في كابول، إذ باتت تسيطر على نحو 85 بالمئة من مساحة البلاد، وفقا لقادتها، وذلك بالتزامن مع قرب استكمال الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من البلاد.

وبدأت الحركة بالاقتراب أكثر فأكثر من العاصمة كابول ومدينة قندهار الجنوبية، معقلها التاريخي، رغم تأكيدها، بموازاة ذلك، اهتمامها بالتوصل إلى حل سياسي، متهمة الحكومة بعدم الجدية وإهدار الوقت.


أهداف متعددة

 

وفي حديث لـ"عربي21"، رأى الكاتب والصحفي، سامر علاوي، أن "حركة طالبان حققت أهداف عدة، أهمها:
فرض السيطرة على المديريات الحدودية مع عدد من دول الجوار، لا سيما الشمال والغرب، ما يعني إجبار هذه الدول (إيران وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان) على التعامل معها، وبالتالي اعتبارها سلطة أمر واقع".


وأوضح علاوي، الخبير بالشأن الأفغاني، أن "طالبان فرضت الأمر الواقع على جيرانها وغيرهم، على الرغم من أن حكومة كابول ستبقى الطرف الوحيد المعترف به دوليا".

 

وشبه علاوي هذا الوضع بما كان عليه الأمر في عهد إدارة برهان الدين رباني، قبيل غزو أمريكا وحلفائها لأفغانستان عام 2001.


وأضاف: "إلا أن الفارق هو أن حكومة طالبان التي لم يكن معترفا بها كانت تسيطر على العاصمة، والحكومة المعترف بها دوليا كانت تسيطر على أقل من 10 بالمئة من البلاد، وتنحصر في ولايات بنجشير وتخار وبدخشان (شمال البلاد)".

 

اقرأ أيضا: ذبيح الله ينفي لـ"عربي21" تصريحات منسوبة له عن سوريا وليبيا

ولفت علاوي إلى أن الهدف الثاني الذي حققته طالبان هو أنها "بالتوسع شمالا وغربا تنفي تهم التعصب العرقي والمناطقي عنها، حيث إن الحاضنة البشتونية التي خرجت منها الحركة في الجنوب عام 1994 ليست الغالبية السكانية في الشمال والغرب".

 

وأضاف: "هذا يعطي الحركة بعدا قوميا يشمل جميع الأعراق الأفغانية، وبالتالي هي تقدم نفسها على طاولة المفاوضات ممثلة لجميع الأفغان، بمن فيهم الطاجيك والأوزبك والتركمان والفرس وغيرهم، وحتى عرقية الهزارة التي تختلف عنهم مذهبيا (شيعة)، فضلا عن الاختلاف العرقي".


وتابع بأن "خروج أمريكا دون تسوية حقيقية وفي الوقت ذاته دون حكومة مركزية مستقرة وموالية لها لا يعني سوى الهزيمة، وقد تأخر خروجها من أفغانستان نحو عشر سنوات، وذلك بعد مقتل أسامة بن لادن، حيث أعلنت أنها حققت انتصارا كبيرا في الهدف الذي أعلنته، لكنها لم تكن قادرة على الخروج من المستنقع بالضبط كما حدث مع الاتحاد السوفييتي السابق، الذي قرر الخروج من أفغانستان في منتصف الثمانينات، لكنه لم يتمكن من فعل ذلك إلا في بداية عام 1989".

 

هدف آخر، حققته طالبان بانتصاراتها، وفقا لعلاوي، "هو التأكيد على فشل واشنطن بتحقيق هدفها الرئيسي المعلن حينما غزت أفغانستان، وهو القضاء على الحركة والتنظيمات الإرهابية، وتمكين الديمقراطية وتغيير الثقافة الأفغانية نحو الانفتاح على الحضارة الغربية، وبالتالي بات على واشنطن أن تعترف بأن وجودها في أفغانستان مكلف وغير مجدي".


قُرب السيطرة الكاملة


من جهته، أشار الكاتب والصحفي والمتخصص بالشأن الأفغاني جمال إسماعيل إلى أن "أهم نتائج تقدم (الإمارة الإسلامية لأفغانستان) طالبان هو سيطرتها وفقا لقادتها على أكثر من 85 في المئة من أراضي أفغانستان، أيضا قُرب سيطرتها على عواصم الولايات، بما يشكل ضغطا كبيرا على حكومة أشرف غني في كابول، وقرب تمكن الإمارة من السيطرة على بقية المناطق الأفغانية".

وعن النتائج المحتملة لهذا التقدم، توقع إسماعيل في حديث لـ"عربي21"، بأنه "قد يحدث مزيد من القتال بين بقايا الجيش الأفغاني الموالي للحكومة وقوات (الإمارة الإسلامية لأفغانستان) طالبان".


واستدرك بالقول: "لكن معنويات الجيش الأفغاني منهارة بعد انسحاب القوات الأجنبية، بالمقابل تقول الإمارة إنها لا تريد القتال داخل المدن الأفغانية، وإنما تسعى إلى التوصل إلى اتفاق تستسلم فيه القوات الحكومية للحركة، مقابل العفو عن أفراد هذه القوات وضمان حياتهم".

وأوضح أن تقدم طالبان يزيد القلق عند بعض الدول مثل إيران وروسيا والهند إقليميا، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الساحة الدولية".


الحرب الأهلية ليست حتمية


ومع هذا التقدم السريع للحركة، يبقى السؤال: هل تستمر هذه المعارك وتتحول لحرب أهلية شاملة، في تكرار لما حدث بعد خروج الاتحاد السوفياتي السابق من أفغانستان؟


يعتبر علاوي أن "وقوع حرب أهلية هناك ليس بالأمر الحتمي، وإن كان غير مستبعد، فالظروف تختلف الآن عما حدث عام 1989، حيث كانت الحرب الأهلية في الأساس آنذاك بين أحزاب المجاهدين المنتصرة في الحرب ضد الاجتياح السوفيتي، بالمقابل الوضع الآن هو عبارة صراع على السلطة بين الحكومة المركزية وطالبان".

 

اقرأ أيضا: طالبان لـ"عربي21": سنقاتل أي قوة أجنبية.. ولن تقع حرب أهلية 


وأشار علاوي، في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن أحد أهم أسباب ترجيحه عدم وقوع حرب أهلية يعود إلى أن استقرار أفغانستان مصلحة حيوية لجميع دول الجوار، و"الحرب لا تُعد مصلحة لها، بعكس ما كان ذلك وقت خروج الاتحاد السوفياتي، ولكن في حال وقعت الأهلية، فالمستفيد منها قوى بعيدة عن أفغانستان، لمنع دول الجوار بما فيها روسيا والصين من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية في البلاد".


وأوضح أن "المخاوف من وقوع حرب بالوكالة قوية جدا، حيث إن جيوش الدول الغربية وأجهزتها التي عملت في أفغانستان أكثر من 20 سنة خاصة الولايات المتحدة قد تكون دربت مليشيات قد تظهر على الساحة فجأة وتفرض معادلة جديدة في الصراع الأفغاني، على غرار الصحوات في العراق، والصحوات الأفغانية كانت مثار جدل كبير في أفغانستان، وبالتالي لهذا اعتبر أن وقوع الحرب الأهلية أمر غير حتمي".


وأضاف: "التحدي الحالي يبدو في غياب طرف ثالث يمكنه جمع أطراف الصراع الأفغاني الداخلي على طاولة المفاوضات، فقد نجحت قطر في جمع المفاوضين الأمريكيين والطالبان، وتوصلت إلى اتفاق سلام بينهما، لكن هذا لم يحدث بين طالبان والحكومة الأفغانية، لذلك لا أرى إمكانية لحوار حقيقي بين الحكومة وطالبان في الوقت الحالي".


وبدوره، لفت جمال إسماعيل إلى أنه "من الممكن جدا أن تصبح كل أفغانستان تحت سيطرة وحكم طالبان في المستقبل القريب"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "ترديد مقولة أو توقع حرب أهلية لا يتحدث بها إلا من يؤيدون حكومة أشرف غني في كابول".


وأضاف: "على الرغم من أن الحرب الأهلية هي مطلب أمريكي ولدول أخرى غير مجاورة لأفغانستان، إلا أن عموم الشعب الأفغاني سئم من الحرب المتواصلة، كما أن القيادات المعارضة (للإمارة الإسلامية) والمتحالفين مع الاحتلال الأمريكي وحكومة أشرف غني كلهم متهمون بالفساد المالي والإداري، وهذا بإقرار واشنطن، كذلك لم يعودوا موحدين كما كانوا أيام مسعود ورباني فترة حكم طالبان الأولى، لذا يصعب جمعهم، ويصعب عليهم جمع أعداد كبيرة من المقاتلين لنصرتهم في مواجهة الإمارة الإسلامية".


وحول احتمالية عقد مفاوضات بين طرفي الحربي، قال إسماعيل: "التقدم الميداني لقوات الإمارة الإسلامية هو الذي أجبر الأمريكان على المفاوضات معها، وهو الذي أجبر حكومة أشرف غني على طلب المفاوضات بأي شكل معها، والآن الحكومة أرسلت وفدا رفيع المستوى يرأسه عبدالله عبدالله رئيس لجنة المصالحة في حكومة غني، لكن هذه المفاوضات لم ينتج عنها شيء حتى الآن".

 

اقرأ أيضا: طالبان: عرضنا قديم بخفض عمليات القتال.. وهذه حقيقة الهدنة 


انسحاب دون ضمانات


وأثار انسحاب واشنطن من أفغانستان دون وجود شروط بإشراك طالبان في العملية السياسية تساؤلات عن أسباب ذلك، وحول لماذا لم تسعى واشنطن لتقريب وجهات نظر الخصوم الأفغانيين من بعضها البعض؟


ويرد الدبلوماسي الأمريكي السابق مفيد الديك بالقول: "حاولت واشنطن ذلك خلال السنتين الماضيتين من المفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، لكنها بالنهاية لن تستطيع أن تحمي مثل هكذا اتفاق، حتى لو تم التوصل إليه".


وأوضح الديك في حديث لـ"عربي21"، أنه حتى تضمن واشنطن الحفاظ على اتفاق كهذا عليها "أن تترك قوة عسكرية كبيرة في أفغانستان، ما يعني التزاما عسكريا أمريكيا لا تريده إدارة بايدن، وأعتقد أيضا أنه لا يريده أي أمريكي حاليا".


وتابع بأن واشنطن، كما قال الرئيس بايدن، "أنجزت مهمتها الرئيسية، وحققت أهدافها، وهي تدمير منظمة القاعدة، ثم قتل أسامة بن لادن، وإزالة الخطر الماثل من أفغانستان عبر القاعدة أو عبر أي تنظيم متطرف آخر يهدد أرواح الأمريكيين ومصالحهم، بالتالي لم يعد هناك أهداف أخرى، حيث أمضينا عشرين عاما، وقتل من قتل، وأهدرنا الكثير من المال، والآن حان وقت الانسحاب ولن يغير بقاء قوات أمريكية من النتيجة".


وحول الدعم الأمريكي المتوقع تقديمه لحكومة كابول، قال الديك: "بكل صراحة، لن تستطيع الحكومة الأمريكية أن تقدم دعما كبيرا وملموسا للحكومة الأفغانية، فوجود واشنطن سيقتصر على ترتيب معين، سواء عبر تركيا أو غيرها، للحفاظ على أمن مطار كابل وحماية المنشآت الأمريكية كالسفارة والقنصلية".

 

وختم بالقول: "أكثر من ذلك، أعتقد أن واشنطن قد استنفذت كل فرصها وكل إمكانيتها لتدريب وتعزيز القوات الأفغانية، التي لا تقل عن 300 ألف جندي أفغاني، وإذا كانت هذه القوة عاجزة عن حماية وحدة أفغانستان فلا أعتقد أن أمريكا يمكنها أن تقدم أكثر مما قدمته لحماية وحدة أراضي أفغانستان وسيادة الحكومة الأفغانية على هذه الأراضي".

التعليقات (0)