هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، عن أسعار الفائدة، ومطالبته للبنوك بخفضها، موجة من الجدل في أوساط المراقبين الاقتصاديين، حيث أظهر حديثه المتلفز جهلاً في الشؤون الاقتصادية، الأمر الذي يبعث على القلق بشأن مستقبل الواقع الاقتصادي والمعيشي للبلاد، بعد أن هيمن الرجل بمفرده على كافة السلطات، وعزل كافة القوى والمؤسسات السياسية الأخرى في تونس عن العمل العام.
ودعا الرئيس قيس سعيّد البنوك إلى خفض أسعار الفائدة؛ من أجل التخفيف على المواطنين، وهو ما يُشكل سقطة غير مسبوقة من رئيس دولة، حيث إن البنوك التجارية في كافة أنحاء العالم ليس لها صلاحية رفع أو خفض أسعار الفائدة، وإنما يُعدّ هذا الأمر من الصلاحيات الحصرية للبنك المركزي في أي دولة، الذي يُشكل الجهة الحكومية الوحيدة التي لديها صلاحية اتخاذ السياسات النقدية والقرارات المتعلقة بها.
وقال محلل اقتصادي مستقل يقيم في لندن لـ"عربي21" إن تحديد أسعار الفائدة منوط دوماً بالمصرف المركزي في كل دولة، وهو البنك الذي تديره الدولة، الجهة الوحيدة المخولة بصناعة السياسات النقدية والمالية واتخاذ القرارات.
كما يلفت المحلل، الذي طلب من "عربي21" عدم نشر اسمه، إلى أن اتخاذ القرار برفع أو خفض أسعار الفائدة عادة ما يكون ناتجاً عن جملة من المحددات الاقتصادية، حيث يجد البنك المركزي في أي دولة نفسه مضطراً لرفع أسعار الفائدة أو خفضها تبعاً للظروف الاقتصادية، وبما يحافظ على الاقتصاد الكلي من الضرر.
اقرأ أيضا: رئيس تونس يدعو لخفض الفائدة ويتحدث عن مصادرة الأموال
ويضرب المحلل مثالاً على أسعار الفائدة بقرارات الخفض المستمرة التي اتخذها بنك إنجلترا المركزي، والفدرالي الأمريكي، وغيرهما، بينما تتخذ بعض الدول الأخرى قرارات برفع أسعار الفائدة على عملتها المحلية، كما هو الحال في تركيا، وفي كلتا الحالتين -بحسب المحلل- فإن القرار يتم اتخاذه بناء على معطيات اقتصادية دقيقة، وليس بخطابات تلفزيونية، ولا قرارات ارتجالية من سياسيين لا علم لهم بضرورات الاقتصاد.
ويشكل تصريح قيس سعيّد مؤشراً على جهل عميق بالملفات الاقتصادية التي تشكل أساس الأزمة في تونس حالياً، إذ إن عدم تمييزه بين البنك المركزي والبنوك التجارية يعني أنه يقف على مسافة بعيدة جداً من الخبرات الاقتصادية اللازمة لأي شخص يريد أن ينقذ بلاده من الأزمة الاقتصادية.
وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي كان يسود فيه الاعتقاد بأن تونس قد تتلقى دعماً مالياً من دول الخليج، على غرار ما حصلت عليه مصر بعد العام 2013، وذلك كمكافأة على الإطاحة بحركة النهضة، إلا أن أياً من دول الخليج لم تتعهد بأي تمويل أو دعم اقتصادي لتونس بعد القرارات التي اتخذها سعيّد، فضلاً عن أن الدول الغربية طالبت بحماية الديمقراطية في تونس وليس الانقلاب عليها، ما يعني أن المساعدات الأوروبية والأمريكية قد تصبح مهددة بالانقطاع خلال الشهور والسنوات المقبلة، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في تونس.
وبحسب المحلل الاقتصادي الذي تحدث لـ"عربي21"، فان مصر التي تلقت مليارات الدولارات كمساعدات لاحقاً للانقلاب العسكري في 2013 لم يصمد اقتصادها طويلاً بعد ذلك، كما لم تصمد المساعدات الخليجية طويلاً أيضاً، حيث انهار سعر صرف الجنيه المصري في أواخر العام 2016، وشهدت البلد طفرة ارتفاع في أسعار المواد الأساسية، بما فيها المحروقات وغيرها، ما أدى إلى زيادة رقعة الفقر في البلاد.
يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد اتخذ جملة من القرارات التي اعتبرها الكثيرون انقلاباً على الشرعية والمؤسسات الدستورية في البلاد، حيث قرر تعطيل البرلمان، وإقالة رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وتولي النيابة العامة، فيما شنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة منذ صدور القرارات، فيما اعتبر العديد من المراقبين ما حدث بأنه استيلاء على السلطات الثلاث، وتعطيل للمؤسسات الدستورية في تونس.