قضايا وآراء

ديكورات قيس سعيد

نزار السهلي
1300x600
1300x600
الأخبار الواردة من تونس لا تثير القلق فقط، انما أكثر من ذلك، فبعد مرور أكثر من أسبوع على انقلاب الرئيس قيس سعيد على الدستور وتفخيم وعملقة لغته الداعمة لخطواته، والتي بدأت تظهر بإثارة الرعب والترهيب في نفوس معارضيه وفي قلوب التونسيين، في إطار سياسة تعمل على تمهيد الأجواء لإعادة تونس لحضن الاستبداد المُزين برطانة لغة الرئيس سعيد وشعبويته المقيتة.

لا يرقى الشك لمن يقرأ التقارير الواردة من تونس عن عمليات الاعتقال وتكميم الأفواه أنها أعمال من نهج الثورة التونسية.، ولا يتخيل العقل بأن تكون مباركة السيسي في مصر لسياسة الرئيس الانقلابية على الديمقراطية؛ مؤازرة فارغة وبروتوكولية لتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه المنتخبين عبر صناديق الاقتراع، وتعطيل عمل الحكومة وملاحقة أعضائها، ومنع البعض من السفر واعتقال البعض والإقامة الجبرية لغيرهم.

وإذا كان كل ذلك يجري تحت سمع وبصر الزعامات الغربية والأمريكية التي تبدي "قلقاً" على المسار الديمقراطي في تونس، فكيف سيكون الأمر في الأسابيع القادمة، عندما تصبح للرئيس اليد الأولى والطولى على التجربة الديمقراطية أسوة بنظيره المصري، بمباركة زعامات عربية لا تنكر عداءها لتجربة الربيع العربي وثوراته؟ وما يجري داخل المدن التونسية يرسم هالة من الشك حول توجه الرئيس سعيد ومشاريعه المستقبلية للتونسيين، وفي المقدمة منها استكمال بناء المجتمع المدني السوي والصحيح، وتحقيق الانتقال الديمقراطي الذي أرست دعائمه الثورة، مما ستبدو عليه كل الوعود المفخمة للرئيس في بداية عهده قبل عامين وكأنها مزحة سمجة أو خديعة سرعان ما انكشفت.

من هنا يحق لنا أن نفسر شعبوية خطب الرئيس وتلميحاته، تارةً بتفسيره للمادة 80 من الدستور والتي ارتكز عليها لحل الحكومة وتجميد عمل البرلمان لـ30 يوما، وتارةً أخرى للفصل 163 من المجلة الانتخابية والمتعلق بالجرائم الانتخابية، الذي تصل فيه العقوبات إلى سقوط قوائم انتخابية والإطاحة بها، وهذا مخالف للواقع السياسي والمؤسساتي في تونس. كما يرى الكثيرون من معارضي انقلاب الرئيس على الدستور أنها أساس لتشييد بنية لا ديمقراطية في تونس؛ عنوانها القمع والإقصاء والترويع، واستنساخ رديء وكارثي لتجربة الانقلاب على الثورة المصرية في تحويل المعركة من التحول إلى الديمقراطية إلى المعركة معها ومع ما أفرزته.

مشروع الرئيس سعيد بالانقلاب على الديمقراطية نفسها وعلى مؤسساتها؛ خطير من حيث التوقيت، ومضمون النتائج التي يمكن أن تترتب عليها، ومن شأن المضي بها بشعبوية الخطاب التحريضي على الخصوم وعلى الديمقراطية نفسها أن يلغي كل التراث الديمقراطي والوطني للتونسيين منذ عشرة أعوام، بقطع كل ما له صلة بتجربة المجتمع التونسي مع الثورة ومفرزاتها السياسية والحزبية؛ المعبرة عن تعددية سياسية وحزبية ديمقراطية على امتداد سنوات نضال الشعب التونسي المعاصر والراهن.

القرارات الانقلابية المتتالية من قصر الرئيس تفوح منها رائحة التسلط، ولا تربطها أي صلة بالديمقراطية والحريات العامة والخاصة، التي أصبح باسمها يتستر قمع الرئيس لمعارضيه. ولا يمكن قراءة تلك القرارات إلا في خانة الانسجام مع الاشتراطات العربية والأمريكية لدور النظام في تونس بعد الثورة، وانصياعاً للتفريط بحقوق التونسيين الديمقراطية، وتعديا صريحا وخطيرا على أبسط الحقوق وضمانتها في الدستور المُنقلَب عليه من قيس سعيد.

أخيراً، يصب مشروع الرئيس قيس سعيد لتأليف حكومة جديدة دون انتخابات؛ في طاحونة انتهاز حالة تشتت وتمزق بعض الأحزاب السياسية في البلاد، ومحاولة الالتفاف على الثورة عبر ترسيخ تعددية سياسية شكلية هي أقرب للديكور، وتنويع المواقف وتوزيعها في إطار الاتفاق معها، بينما الآمر الناهي في كل ما يتعلق بالسلطات يعود للرئيس نفسه. وذلك تعبير عن منحى خطير لممارسة الديكتاتورية وتوجهاتها، وذلك ايضاً على الضد من تطلعات وطموحات المواطنة والديمقراطية التونسية الوليدة لبناء مجتمع عصري مدني ديمقراطي، لا العيش في ظل ديكورات ناطقة في الحكومة والبرلمان، وأحزاب ومثقفين ونخب تمجد الرئيس وبطولاته الكلامية والقمعية.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)