هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب بيتر أوبورن، في مقال له، إن معركة تدور رحاها في حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا للسيطرة على العلاقات مع الشرق الأوسط، تحولت إلى فضيحة "المال مقابل الوصول" في أعلى مستويات المؤسسة البريطانية الحاكمة.
وأضاف أوبورن في مقال له بـ"ميدل إيست آي" ترجمته "عربي21" أنه "يندر أن يتصدر الشرق الأوسط السياسة في بريطانيا، ولكن حينما يحصل ذلك فإن التداعيات يمكن أن تكون خطيرة بالفعل".
وشدد على أن معركة محلية مريرة تدور رحاها داخل حزب المحافظين الحاكم، للتحكم بالعلاقات مع الشرق الأوسط.
وكانت مهمة إدارة هذه العلاقة تناط لسنوات عديدة بمجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين، الذي يترأسه حفيد وينستون تشيرتشيل النبيل المحافظ السير نيكولاس سومز. ولكن بعد أن وصل بوريس جونسون إلى زعامة المحافظين فقد بدأ احتكار مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين يتعرض للتهديد.
اقرأ أيضا: أوبورن: مع يورو 2020.. معركة أخرى ببريطانيا عنوانها جونسون
وبدأت مجموعة منافسة اسمها كومينا تدعي بأن بإمكانها القيام بالمهمة بشكل أفضل. مسلحاً بدعم من بوريس جونسون، رأى رجل الأعمال والمتبرع لحزب المحافظين محمد أميرسي في كومينا بديلاً عن مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين.
وفي ما يأتي نص مقال أوبورن كاملا:
ما كان في البداية معركة للتحكم بعلاقات حزب المحافظين الشرق أوسطية تفاقم إلى فضيحة "المال مقابل الوصول" في أعلى مستويات المؤسسة البريطانية الحاكمة.
يندر أن يتصدر الشرق الأوسط السياسة في بريطانيا، ولكن حينما يحصل ذلك فإن التداعيات يمكن أن تكون خطيرة بالفعل.
في عام 1956 انتهت أزمة السويس، والتي اندلعت بسبب غزو إسرائيل وفرنسا وبريطانيا لمصر، بفشل ذريع تمخض عنه انقسام حاد في البلد وإنهاء عهد أنطوني إيدن كرئيس للوزراء. ثم بعد ما يقرب من نصف قرن، أخرج غزو العراق ما يزيد من مليون شخص إلى الشوارع البريطانية، ودمر سمعة رئيس الوزراء طوني بلير، وساهم أخيراً في إنهاء عهده كرئيس للوزراء.
واليوم تعصف ببريطانيا أزمة شرق أوسطية جديدة.
وهذه الأزمة مختلفة، من حيث أنها لا تتعلق بشكل مباشر بالسياسة الخارجية البريطانية، وإنما تتعلق بمعركة محلية مريرة تدور رحاها داخل حزب المحافظين الحاكم، وهذا ما يجعلها أكثر فتكاً من الناحية السياسية.
كل يوم، بفضل هذه الأزمة، تردنا معلومات جديدة حول أساليب تمويل حزب المحافظين، ليس ذلك مما يفتح الشهية، وقائمة الأسئلة التي تبقى بلا جواب تطول.
لحسن الطالع لن تسبب هذه الأزمة فقد الأرواح كما حصل في حرب العراق، ولكنها سوف تضر برئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي يجد نفسه متورطاً في سلسلة من التحقيقات في قضايا فساد، تعتبر هذه القضية الأخطر عليه شخصياً.
المحافظون والشرق الأوسط
بدأت القضية الخلافية كمعركة للتحكم بالعلاقات بين حزب المحافظين والشرق الأوسط.
كانت مهمة إدارة هذه العلاقة تناط لسنوات عديدة بمجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين، الذي يترأسه حفيد وينستون تشيرشيل النبيل المحافظ السير نيكولاس سومز. ولكن بعد أن وصل بوريس جونسون إلى زعامة المحافظين بدأ احتكار مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين يتعرض للتهديد.
كما كشفت في في مقال لي هنا في ميدل إيست آي قبل شهرين تقريباً، بدأت مجموعة منافسة اسمها كومينا (أصدقاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حزب المحافظين) تدعي بأن بإمكانها القيام بالمهمة بشكل أفضل. مسلحاً بدعم من بوريس جونسون، رأى رجل الأعمال والمتبرع لحزب المحافظين محمد أميرسي في كومينا بديلاً عن مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين.
عندما أجريت لقاء مع أمسيري الشهر الماضي أخبرني أنه أراد من كومينا أن تغطي ثلاثة وعشرين بلداً تتراوح ما بين موريتانيا في غرب أفريقيا إلى أفغانستان في الشرق. وقال إنه وضع قائمة بأسماء عدد من كبار الشخصيات اللامعة وكان في باله اقتراح رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي لتكون راعية لها.
ما لبثت المؤسسة الحاكمة البريطانية أن احتشدت، فقد رشح نائب رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية جي سي إتش كيو سابقاً ليكون مديراً للسياسة والبحث بينما اتفق على أن يكون عضواً في المجلس المقترح ضابط متقاعد في الجيش البريطاني، كان قد انتدب في ثمانينات القرن الماضي للعمل في القوات المسلحة لسلطان عُمان، جنباً إلى جنب مع أحد أقرباء رئيس وزراء لبناني سابق.
وممن اقترحوا لشغل منصب نائب الرئيس وزير سابق من الشرق الأوسط وحليف مقرب من رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي. ومن نبلاء المحافظين الذين وردت أسماؤهم كمرشحين لمنصب نائب الرئيس وزير مالية سابق ورئيس ديوان سابق في مكتب رئيس الوزراء في داونينغ ستريت. كما رشح مكتب المحاماة المكلف بشؤون الملكة فارير وشركاه ليكون المستشار القانوني.
من المفروض أن ترتبط هذه المنظمة بحزب المحافظين وأن تتواجد مكاتبها داخل المقر الرئيسي للحزب.
الغاية الأساسية
عندما تحدثت مع أميرسي أخبرني أنه لم يسع لجني أي مكاسب شخصية من إقامة هذه المنظمة، وأصر على أن غايته الأساسية كانت ربط حزب المحافظين بالشرق الأوسط من خلال ترتيب زيارات إلى المنطقة وتثقيف أعضاء البرلمان حول الشرق الأوسط، ودعوة الأعضاء إلى مؤتمرات المحافظين وكذلك "فتح قنوات فعالة للتبادل التجاري مع بريطانيا".
وأصر في حديثه معي أنه لن يشارك في حل المشاكل الدبلوماسية المستعصية في المنطقة لأن "تلك هي المهمة التي تناط بوزارة الخارجية".
وعندما ألححت عليه بالسؤال أكثر، أصر أنه سيكون منفتحاً على كل الأطراف – إيران والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وفلسطين – ولن يحصر نفسه بتمثيل مصلحة طرف بعينه. وقال: "سوف لن نقوم بنشاط اللوبي لصالح أي دولة بعينها كما كان يفعل توم باراك نيابة عن الإمارات العربية المتحدة."
وكان باراك قد اعتقل قبل أسبوعين اثنين بتهمة تنظيم حملة غير شرعية للتأثير على إدارة ترامب لصالح الإمارات العربية المتحدة. وقال أميرسي أيضاً إن المنظمة ستكون منتسبة إلى حزب المحافظين وليس على شاكلة مجلس الشرق الأوسط.
دور بن إيليوت
ولكن في مطلع هذا العام، نشب نزاع قانوني بين أميرسي وتشارلوت ليزلي، مدير مركز مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين. في البداية بدا ذلك كما لو أنه لم يزد عن احتدام بسيط، ربما كان مهماً داخل أوساط المحافظين ولكن ليس بالنسبة للعالم الخارجي.
إلا أن الأمر تفاقم فيما بعد بفضل الجهد الصحفي الاستقصائي الذي قام به توم بيرجيس في صحيفة ذي فاينانشال تايمز وغابرييل بوغراند في صحيفة ذي صندي تايمز. كلاهما بحثا بعناية في دور بن إيليوت، الذي اختاره بوريس جونسون بنفسه رئيساً لحزب المحافظين، والذي كان سنداً من داخل المحافظين لأميرسي وكومينا. مثله مثل العديد من الشخصيات داخل الدائرة المقربة من جونسون، يحتاج إيليوت إلى شرح.
للوهلة الأولى يبدو رجل الأعمال البالغ من العمر خمسة وأربعين عاماً شخصية محافظة تقليدية، فقد تعلم في إيتون، وهو ابن شقية دوقة كورنوال، زوجة الأمير تشارلز، ونجل سايمون إليوت، الإقطاعي من دورسيت.
قبل أربعة أعوام، عينته رئيسة الوزراء حينذاك، تيريزا ماي، في مجلس متحف فيكتوريا وألبيرت في لندن.
ولكن دعونا نقترب أكثر وندقق في الأمر.
رؤساء مؤتمرات المحافظين يكونون في العادة سياسيين متنفذين، ولديهم جذور عميقة في حزب المحافظين. أسلاف إليوت يتضمنون تيريزا ماي وشخصيات كبيرة من حزب المحافظين مثل نورمان تيبيت، وويليام وايتلو، وبيتر كارينغتون. وكلهم شخصيات بارزة ومهمة، بكل المعايير.
دور رئيس مؤتمر حزب المحافظين، من كارينغتون إلى ماي، هو تمثيل رؤى قواعد الحزب وتفسير ما تتخذه قيادتهم من إجراءات. لم أجد ما يثبت أن إليوت قام بشيء يستحق الذكر من هذا العمل المهم والمضني.
خذ على سبيل المثال الانتخابات التكميلية الأخيرة في باتلي أند سبين وفي هارتلبول. يتوقع من الرئيس التقليدي أن يعمل بقوة في الدائرة الانتخابية والظهور في التلفزيون. إلا أن إيليوت لم يكن له كثير ظهور أو مشاركة في أيهما.
كما أن إيليوت ليس عضواً في البرلمان ولم أتمكن من العثور على أي سجل مهم في السياسة البريطانية إلى أن أصبح أمين المال في حملة صديقه المقرب والمعادي للمسلمين زاك غولدسميث في حملته لانتخابات منصب العمدة في عام 2016، والتي خاض فيها حزب المحافظين حملة مناهضة للمسلمين انتهت بخسارة مدوية.
حضور مهم
ومع ذلك، لا شك في أن إليوت يحظى بحضور مهم في القلب من حاشية جونسون الشخصية. ولكن من الواضح أنه ليس موجوداً هناك لكي يمثل قواعد المحافظين أو يتعامل معها، وواضح أيضاً أن دوره يقتصر على إدارة الأمور المالية، رغم أن ذلك الدور من المفروض أن يقوم به مسؤول المال في الحزب وليس رئيس مؤتمره.
إذن لماذا هبط جونسون على إيليوت؟
لربما كان ذلك من باب تقدير جونسون لمعارفه. فقد كان إليوت هو المؤسس لشركة كوينتيسيالي، وهي شركة تقدم الخدمات لكبار الأثرياء. فمقابل رسوم كبيرة، تقوم الشركة بتسهيل دخولهم إلى المجتمع الأنيق، وترتب لهم عضوية الأندية، وتعرفهم على النخب الاجتماعية – وذلك من خلال الاستفادة من علاقات عائلة إليوت بأمير ويلز.
أحد زبائن كوينتيسيالي منذ زمن – قبل وقت طويل من تسلم إليوت منصب رئيس مؤتمر المحافظين – هو محمد أميرسي، الذي يصف نفسه على النحو التالي: "رجل أعمال بارز في مجال الاتصالات الدولية، ومحسن ورائد فكر."
عندما سألت صحيفة ذي صنداي تايمز أميرسي عما إذا كان إليوت يدير مخطط "ادفع لتلعب"، أجاب أميرسي بصدق مدهش: "أنت تسميه ادفع لتلعب، وأنا أطلق عليه الوصول إلى الرأسمالية. إنها نفس النقطة. أنت تتمكن من الوصول، تحصل على دعوات، وتحصل على علاقات مميزة إذا كنت جزءاً من الترتيب، وحيث تقدم أنت مساهمة مالية لكي تصبح جزءاً من الترتيب. بالتأكيد."
والسؤال الذي يبرز هو ما إذا كان إليوت يستخدم أساليب كوينتيسيالي المسنونة جيداً في أداء مهمته كرئيس لمؤتمر حزب المحافظين. من المهم الإشارة إلى أن أميرسي كان زبوناً لدى إليوت قبل وقت طويل من دخوله معترك حزب المحافظين.
بادئ ذي بدء، يبدو أن إليوت ساعد أميرسي في أن يصبح عضواً في مجلس أمناء صندوق الأمير، والذي أسسه زوج خالة إليوت، الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا. والآن جلب إليوت أميرسي إلى القلب من حزب المحافظين.
معظم المتبرعين لحزب المحافظين في مثل موقعه سيلتزمون الصمت، إلا أن أميرسي تكلم بصراحة وتكلم طويلاً، مسلطاً الضوء الساطع على عالم عادة ما تكتنفه السرية.
تثير تصريحاته أسئلة مهمة، وبالأمس وجهت بعضاً منها للمكتب المركزي لحزب المحافظين.
سألت ما هي الآليات المتبعة لضمان أن دور إليوت كمدير لكوينتيسيالي ظل مفصولاً عن دوره كرئيس لمؤتمر حزب المحافظين؟ وكم من زبائن إليوت في كوينتيسيالي هم أيضاً متبرعون لحزب المحافظين؟ وكم من هؤلاء المتبرعين تم تجنيدهم شخصياً من قبل إليوت؟
وسألت لماذا لا يحمل إليوت لقب "أمين المال" في حزب المحافظين، أخذاً بالاعتبار أنه لا يبدو عليه أنه يقوم بالدور التقليدي لرئيس مؤتمر حزب المحافظين. وسألت ما إذا كان حزب المحافظين يخطط لإجراء تحقيق في علاقة إليوت بكومينا. ولعل الأهم من ذلك أنني سألت عما إذا كان حزب المحافظين يخطط للمضي قدماً في ضم كومينا له – أم أنه تم التخلي عن هذه الخطط.
حتى لحظة تحويل هذه القصة إلى الطباعة لم تصل أي أجوبة من حزب المحافظين.
كل هذا مهم جداً، لأن جونسون انتخب رئيساً للوزراء من قبل ناخبي "الجدار الأحمر" من الطبقة العمالية. ومع ذلك تبدو حكومته بشكل متزايد كما لو كانت ناد خاص لأصحاب الثراء الفاحش.
وفي حزب تضرر بسبب اتهامات له بأنه يؤثر من يتبرعون له بالخدمات، يبدو كما لو أن جونسون يدير بريطانيا بنفس الطريقة التي يدير بها بن إليوت كوينتيسيالي.