هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اختارت فنانة لبنانية طريقتها الخاصة للتعبير عن مأساة بيروت المستمرة منذ الانفجار الضخم العام الماضي.
فقد لجأت الفنانة سالي ثريا إلى إقامة معرض في لندن، يتضمن عرض فيلم يحتوى شهادات مسجلة بالصوت والصورة لأشخاص عاشوا لحظات ما بعد الانفجار في آب/ أغسطس 2020.
فالمعرض الذي يحمل اسم "Sweeping" (التكنيس) وافتتح في الذكرى الأولى للانفجار، ويستمر حتى 14 من الشهر الجاري؛ يعمل على إبراز دور أولئك الأشخاص الذين هرعوا للمساعدة بعد الانفجار لتنظيف الأماكن التي طالها الدمار، وبعض هؤلاء الأشخاص جاؤوا من خارج بيروت.
وإلى جانب عرض الفيلم، استخدمت الفنانة أدوات استخدمت في تنظيف الزجاج المحطم والركام الناجم عن الانفجار، حيث عرضت في جنبات المعرض مكانس جلبتها من لبنان، وهي استخدمت بالفعل هناك، كما يلاحظ الزائر للمعرض زجاجا مكسورا، بعضه جلبته الفنانة من مواقع الدمار أيضا، حيث كان لا يزال موجودا في بعض الأماكن بعد 11 شهرا من الانفجار.
وعلى أرض المعرض، طبعت الفنانة باستخدام الزجاج، آثار أقدام تحاكي اضطرار الناس في بيروت للمشي فوق الزجاج بعد الانفجار.
وتقول ثريا لـ"عربي21": "انطلق المعرض من فكرة أني كمغتربة لبنانية في لندن، كيف تفاعلت مع ما جرى في لبنان.. عندما وقع الانفجار شعرت أنا كشخص بعيد عن بلده أن من الضروري أن أتفاعل مع ما يحدث.. كانت ردة فعل عفوية".
وقالت: "شعرت بأن لدي مسؤولية لتوصيل أشياء في كثير من الأحيان لا يراها الناس من خلال الإعلام".
ويشتمل المعرض على تسجيل مصور يمثل "جزءا من تجربتي الشخصية كفنانة" بعد الانفجار، كما تقول ثريا لـ"عربي21"، حيث كانت وقت الانفجار في 4 آب/ أغسطس 2020 موجودة في لندن، فلجأت إلى محاكاة عمليات التنظيف في بيروت، وقامت بكنس شوارع في لندن، بعدما أحضرت زجاجا مكسورا وسارت من منزلها حتى السفارة اللبنانية، للفت الأنظار تجاه ما يجري في لبنان، وفي ذلك أيضا "رسالة سياسية"، كما تقول.
واعتبرت ثريا أن استخدام المكنسة له رمزية تحاكي الواقع، وأشارت إلى المفارقة المتمثلة في أنها حينما حاولت الحصول على زجاج مكسور في لندن وجدت صعوبة لأسباب تتعلق بالسلامة، بينما "في بلدي الناس يسيرون على الزجاج ولحقت بهم الجروح".
وقالت: "هذا يعيدني إلى فكرة كيف أنني أعيش في عالمين مختلفين، وكم هي مهمة تلك الرسالة التي أريد إيصالها للناس".
وأشارت إلى أنها تمكنت من جمع بعض الزجاج من لندن، لكنها أيضا تمكنت من جمع أجزاء أخرى من بيروت خلال زيارتها للأماكن المتضررة عقب 11 شهرا من الانفجار، حيث كانت بقايا الزجاج لا تزال موجودة.
لكن "ما فعلته هنا في لندن كان مستوحى مما فعله الناس في بيروت.. لذلك شعرت بضرورة إعطاء هؤلاء الناس حقهم، وذهبت إلى بيروت لأسمع منهم مباشرة وليتحدثوا عن تجربتهم" في تنظيف الشوارع بعد الانفجار وكنسها.
كما جلبت الفنانة المكانس التي استخدمها هؤلاء الناس في التنظيف؛ "لأنها تحمل غبار بيروت.. تحمل دمار بيروت"، "وهي أدوات عادية نستخدمها في حياتنا اليومية، لكنها هنا استخدمت في مكان مختلف وفي سياق مختلف.. مأساوي".
ولفتت ثريا إلى "تركيز الفيلم (في المعرض) على جانب التكنيس بالتحديد.. كيف نزل الناس بعد الانفجار لكي يكنسوا الشوارع". لكنها توضح أن "مجرد وجود هؤلاء الأشخاص لكي يكنسوا، فيه رسالة سياسية؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الدولة لن تفعل شيئا، فرأوا أن من واجبهم النزول للشواع وكنسها"، دون الاضطرار للإشارة صراحة إلى الفساد بشكل مباشر؛ "لأنه موجود" و"هو تحصيل أيضا"، كما تقول.
وفي أحد المواضع في الفيلم يقول أحد المتحدثين؛ إن "هذه المكانس فيها كرامة أكثر من السياسيين في البلد، فهؤلاء السياسيون كانوا يعرفون بوجود مواد خطرة لكنهم لم يفعلوا شيئا".
وتشير إلى أنها اختارت موضوعا للتركيز عليه "فيه جانب سلبي وجانب إيجابي.. فالجانب السلبي هو لماذا حصل هذا أصلا لكي يضطر الناس للنزول، ولكن الإيجابي أن هناك بعض الأمل وأن هناك أناسا كانوا موجودين للمساعدة".
ولفتت إلى أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا متضررين بشكل مباشر من الانفجار، ولكن نزلوا من مناطق مختلفة بعضها خارج بيروت للمساعدة.
وأشارت إلى أنه "كان مهما بالنسبة لي افتتاح المعرض يوم الذكرى السنوية الأولى الانفجار، ليكون هذا بمنزلة مساهمة مني للتذكير بما جرى، وتقدير لهؤلاء الأشخاص".
وفي الرابع من آب/ أغسطس 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت قتل أكثر من مئتي شخص وألحق دمارا ضخما في المدينة.
وحوّل الانفجار الذي عزته السلطات إلى كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم مخزنة من دون تدابير وقائية، بيروت إلى مدينة موت، دمّر أحياء فيها واقتلع أبوابا ونوافذ حتى في ضواحيها، وخلّف صدمة لم يشف اللبنانيون منها بعد.
وتبين، وفق تحقيقات إعلامية ومصادر مواكبة للتحقيق، أن مسؤولين سياسيين وأجهزة أمنية والجيش، كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طنا من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، لكنهم لم يحركوا ساكنا.