هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب : الإسلام والدولة المدنية
الكاتب: د.عبد المعطي محمد بيومي
دار النشر: الهيئة المصرية العامة 2020
يتناول كتاب "الإسلام والدولة المدنية" للدكتور عبد المعطي بيومي شرح الدولة المدنية من منظور إسلامي، وتعريفها ومقوماتها وذكر لكل من هيئاتها القضائية والتنفيذية والتشريعية وعلاقتها بالإسلام، وكيف تعامل الرسول الكريم مع دولته الجديدة بمبادئ وأسس جديدة، متصلة بالدين وبالعقيدة الإسلامية فكون سلطة حاكمة طبقا لقواعد الدين الأساسية.
يتكون الكتاب من أربعة أبواب، الباب الأول يحتوي على ثمانية فصول تشرح أسس الدولة المدنية الإسلامية وهو عنوان هذا الباب، أما الباب الثاني فيحتوي على أربعة فصول يناقش فيها الكاتب دعائم النظام السياسي الاجتماعي في الدولة الإسلامية المدنية وهي الحرية والمساواة والعدالة والشورى.
أما الباب الثالث فيحتوي على ثلاثة فصول يتحدث فيها الكاتب عن تطبيق الشريعة في الدولة المدنية الإسلامية، من خلال علاقة القرآن بالدستور ومفهوم الشريعة وعلاقتها بالفقه وكذلك معنى الحكم بما أنزل الله.
أما الباب الرابع فيتناول مظاهر الدولة المدنية الإسلامية، سواء مقومات التحول الديمقراطي أو المواطنة وسلطة المؤسسات وسيادة القانون والتعددية والحوار وتداول السلطة ومحاسبة مسؤوليها أيضا.
الأمة مصدر السلطات
يناقش الكاتب في الباب الأول الذي جاء تحت عنوان "أسس الدولة المدنية في الإسلام" قضية الأمة كمصدر للسلطات، وأكد أن أحد المبادئ المهمة لقيام أي دولة ديمقراطية تتمثل في ثلاثة أسس: وهي الأمة كمصدر للسلطة والثاني فصل السلطات والثالث عقيدة أو إيديولوجيا تشكل النظام السياسي، معتبرا الأساس وهو الأمة كمصدر للسلطات هو الأهم، فهذا مبدأ من أهم المبادئ التي ارتكزت عليها الدولة الإسلامية فيما بعد وقد نهج الخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم نهجه في أسس الحكم أو الخلافة أو (التولية أو الإمامة).
يقول الكاتب: "يجب أن نفرق بين الدولة المدنية والدينية، حيث كانت الدولة الدينية تقوم على مبدأ الحق الإلهي المباشر لمجموعة بشر معينين في الحكم والتي كانت تجعل من الحاكم ابن الله وهو المفوض من الله في الحكم وهي الطريقة التي اتبعتها الحضارة المصرية وحضارة بلاد فارس والدول الأوروبية في العصور الوسطى، وبين الدولة الإسلامية التي هي دينية ولكن كان على رأس النقاط المهمة في نشأتها والتي حددت معالمها أن الأمة هي المصدر الأساسي للسلطات بحيث لا تختلف هذه الدولة المدنية الأولى في أسسها ونشأتها عن مبادئ الدول الحديثة في عصرنا، بل تتفوق عليها وقد سبقت عصرنا بخمسة عشر قرنا كاملة".
وميّز الكاتب في هذا السياق بين الحاكم في تاريخ الإسلام، حيث لم يكن عن طريق الحق الإلهي المباشر كما في بعض الحضارات، وبين أن يستمد الخلفاء سلطتهم من البيعة، حتى أن الرسول الكريم وهو المؤيد بالوحي، حرص على تأسيس شرعية دولته على مبايعته أي الانتخاب (مجلس الإثني عشر نقيبا).
وفي نهاية هذا الفصل يؤكد الكاتب على قاعدة أساسية للدولة في الإسلام وتتمثل في أنه "لا تقوم شرعية السلطة لخليفة من الخلفاء، إلا بعد البيعة، مهما اختلف عصر البيعة باختلاف العصور فإذا لم تبايع الأمة لا تتحقق شرعية السلطة، ولا يكون الإمام أو السلطان شرعيا". طبقا لما أورده الكاتب بالصفحة ١٢من الكتاب.
الديني والدنيوي
أما الفصل الثاني من الباب الأول فيتناول الفصل بين ما هو ديني ودنيوي، حيث يناقش الكاتب أساسا من أهم أسس الدولة المدنية في الإسلام، وهو تحديد الموقف الديني من الدنيوي تحديدا حاسما وواضحا، كما يوضح هوية الدولة.. وفي الوقت ذاته يفتح مجالا واسعا وممتدا أمام تطورها ويغذي الاجتهاد البشري، بحيث لا تقف أنشطة الدولة في مجال من مجالات الاجتهاد والتطور، وفي الوقت ذاته لا تنشأ سلطة دينية يكون الحاكم فيها مفوضا باسم الله فتنشأ سلطة جامدة تلعب بعقول الناس باسم الدين بغرض السيطرة عليها والتلاعب بها، بحسب الكاتب.
الفصل بين السلطات
يقول الكاتب في حديثه عن الفصل بين السلطات: "يظن الكثيرون أن مبدأ الفصل بين السلطات ليس من نتاج الحضارة الإسلامية وإنما هو من إنجاز الحضارة الغربية، ولكن الصحيح أن الدولة الإسلامية الأولى التي أسسها الرسول هي التي سبقت إلى التمييز والفصل بين السلطات، وإنما الحضارات الغربية هي التي اتخذت هذا الأساس من أسس الدولة الإسلامية الحديثة عن الدولة الإسلامية في الأندلس.
ويوضح الكاتب هنا رؤيته بقوله: رغم وجود القرآن الكريم الذي يمثل الجامع الأكبر لكل معالم المجتمع الإسلامي ومعالم شخصية المسلم وتكفل بشمل وجمع كل ما يلزم لضمان حياة آمنة وراشدة إلا أن الرسول الكربم وهو بصدد الدولة الإسلامية عقد أول وثيقة لبيان الحقوق والواجبات الملزمة بين فئات المجتمع وحدد المرجعية عند حدوث خلاف وتضمن بما في ذلك القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية.
وهنا يؤكد الكاتب على مبدأ هام وهو عدم وجود أي قدر من الاستبداد بقوله: فلم يكن الرسول مستبدا برأيه رغم أنه كان الرسول المبعوث بالوحي وكان رئيس الدولة فكان يشاور كبار الصحابة أو عامتهم، بل كان أحيانا يفتح الحوار التشريعي على جماهيرهم.. وقد نزل القرآن يثني على هذا الاتجاه النبوي فقال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". صفحة 24 من الكتاب.
كما تناول السلطة التنفيذية في الفصل السادس، مشيرا إلى أن أقرب السلطات إلى الجانب المدني في الدولة الإسلامية هي السلطة التنفيذية، التي تظهر هذا الجانب المدني في الإسلام بوضوح، كما ظهرت في حكومة الرسول الكريم وحكومة الخلفاء الراشدين من بعده، وهنا يؤكد الكاتب على هذا المنحى بقوله: "إن حكومة الرسول كانت تحتوي على نفس الأسس التي تقوم عليها أرقى الدول وأكثرها حرية وعدالة ومساواة في عالمنا المعاصر".
أما الفصل السابع فيفرده الكاتب لحكومة الرسول الكريم، لافتا إلى عدم قيامه بتشكيل حكومة في مكة لعدم توفر إمكانية نجاحها ولكن عندما توفر ذلك في المدينة قرر ذلك.
وفي الفصل الثامن والأخير في هذا الباب يعرج الكاتب على الأيديولوجية التي حكمت مسار هذه الدولة وهي أيديولوجيا إسلامية بالطبع، مشيرا إلى أن أوضح ما تظهره هذه الأيديولوجيا هو إجراءات بناء وتشكيل المشاريع السياسية المدنية في هذه المرحلة.
دعائم النظام السياسي والاجتماعي
في الباب الثاني من الكتاب يتناول الكاتب دعائم النظام السياسي والاجتماعي والتي تتكون من ٤ دعائم تشكل قواعد النظام السياسي، وهي الحرية والمساواة والعدالة والشورى، وبهذه الدعائم يكون الحكم إسلاميا وبغيرها أو بغير واحدة منها لا تتحقق له صفة الحكم الإسلامي طبقا للكاتب.
ويؤكد الكاتب على الحرية الإنسانية الكاملة في شتى مظاهرها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية بطبيعة الحال، وأن إطلاق الإرادة الإلهية المهيمنة، لا تحجب الإرادة الإنسانية ولا تحجز قدرة الله المتعالية على قدرة الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض، بل تترك له الحرية كاملة، فبالرغم من أن الله أنزل الكتاب ببيان رسالة الإنسان ودوره الذي ينبغي أن يكون في الحياة، حيث عبادة الله وتعمير الأرض بالسلام والخير، إلا أنه لم يشأ أن يقمع حياة الإنسان وأن يكرهه على هذه الرسالة فقد نزل قوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" دليلا قاطعا على إعطاء الإنسان حريته الكاملة ومباشرة حريته في جميع الاتجاهات والمعتقدات.
ويتناول الكاتب ثاني هذه الدعائم وهي المساواة، مؤكدا أن العرب قديما كانوا يتمايزون ويتفاخرون بالأنساب والأحساب، بل كانوا يفضلون بعض البطون على بعض في نفس القبيلة وبطبيعة الحال كانوا يفضلون الأحرار على العبيد، وكان أيضا الفرس والرومان يقيمون في مجتمعاتهم الفوارق وألوان التمييز بين الأحرار والعبيد في شتى الطبقات.
وهنا يوضح الكاتب موقف الإسلام ودوره في إرساء قيم المساواة وإبطال كل ذلك وجعل الناس أمة واحدة وإخوة من نفس واحدة، حيث قال الله تعالى "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء".
العدل هو الأساس
أما الدعامة الثالثة من دعائم النظام السياسي والاجتماعي في الدولة الإسلامية فهي العدالة، ويشير الكاتب هنا إلى السبب الرئيس في إرسال الرسل، إنما كان من أجل أن يقوم العدل بين الناس، مستشهدا بقول المولى عز وجل: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" ويربط الكاتب ذلك في المقابل بنهي الإسلام عن الظلم وهو مضاد العدل، وهنا يسوق الحديث القدسي الذي يقول: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".
أما الدعامة الرابعة والأخيرة من دعائم النظام السياسي والاجتماعي في الدولة الإسلامية بحسب الكاتب فهي الشورى، حيث يرى الكاتب هنا أنه طالما هناك الحرية والعدالة فإنه من الطبيعي أن يكون هناك مبدأ الشورى بين الناس باعتبارهم أحرارا متساويين بحيث لا يقرر أمر يمسهم دون أن يؤخذ رأي الجميع، لأنه لا مبرر ولا موجب ليؤخذ رأي البعض دون البعض في شأن من شؤون الكل، وإلا ترتب عن ذلك تمييز وهو أمر محظور شرعا بحسب الكاتب.
تطبيق الشريعة في الدولة المدنية الإسلامية
ثم يأتي الباب الثالث تحت العنوان السابق والمتعلق بتطبيق الشريعة من خلال ثلاثة محاور، الأول وهو القرآن وعلاقته بالدستور والثاني وهو مفهوم الشريعة وعلاقتها بالفقه والثالث معنى الحكم بما أنزل الله.
وبخصوص المحور المتعلق بالقرآن وعلاقته بالدستور، يشير الكاتب إلى نقطة مهمة تتعلق بعلاقة القرآن بالدستور، حيث يؤكد الكاتب على أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القرآن فوق الدستور، أي أكثر عصمة من الدساتير في الدول المدنية وينبع منه الدستور بمنطق يسوقه الكاتب، وهو أن الدساتير متغيرة وليست دائمة، حيث يلبي حاجة دولة ما في زمن ما.. ويستعير هنا مقولة أن الدستور أبو القوانين، ليصيغها بشكل آخر وهو أن القرآن هو أصل الدساتير.
يقول الكاتب منتقدا حديث بعض الجماعات الإسلامية عن دستورية القوانين: "أعتقد أن الحركة الإسلامية المعاصرة تفتقد الرؤية الصحيحة، عندما تعلن أن القرآن دستورنا مما يترتب عليه تعطيل العقل الإسلامي عن أن تستنبط من القرآن دستورا بشريا".
أما الفصل الثاني في هذا الباب فيتمثل في مفهوم الشريعة وعلاقتها بالفقه فيعرف الشرع بأنه ما شرعه الله تعالى لعباده من العقائد والأحكام، وعليه فإن الشريعة هي حكم الله أما الفقه من وجهة نظره فهو فهم هذا الحكم ومعرفته، أي معرفة أحكام الله المتعلقة بأفعال المكلفين طبقا لكتب الفقه، ويخلص من هذا إلى أن الشريعة من الله أما الفقه فهو عمل البشر.
وينهي الكاتب الباب الثالث بعنوان لهذا الفصل "معنى الحكم بما أنزل الله" حيث يؤكد في هذا السياق على أن الحكم بغير ما أنزل الله أي الحكم بغير العدل، أو لاستجلاب الحرام المنصوص على حرمته بنص قطعي الثبوت قطعي الدولة، أو مخالفة متعمدة دون عذر مقبول أو تأويل معقول.
مظاهر الدولة المدنية الإسلامية
ويختم الكاتب كتابه بالباب الرابع والذي حمل عنوان "مظاهر الدولة المدنية الإسلامية" من خلال عدة محاور تدور حول الديمقراطية والمواطنة وسلطة المؤسسات ومحاسبتها وسيادة القانون والتعددية والحوار وتداول السلطة.
الكتاب في مجمله يقدم صورة مبسطة ومباشرة عن الإسلام الموحد ليس فقط للمسلمين وإنما للإنسانية، لأن الدين جاء لإسعاد البشر.