هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقدم المعارك في محيط مدينة مأرب يعدّ واحداً من أقوى الأدلة على أن الوضع في اليمن يمكن أن يكون مختلفاً بشكل كلي عنه في أفغانستان، على الرغم من أن البلدين شهدا تدخلاً عسكرياً خارجياً لدوافع أمنية وجيوسياسية ساهمت في تهميش الأولويات الملحة لشعبي البلدين مما أظهر التدخل بصفته عبثاً إضافياً في بلدين أنهكهما العنف والحرب وصراع المصالح والإرادات.
يقف الشعب اليمني في أغلبه ضد المشاريع الانقلابية وضد مخططات خارجية لتمزيق البلاد، ويسعى بكل إرادة وتصميم إلى هزيمتها، وقد أثبتت القوات التي يقف خلفها هذا الشعب أنها قادرة على تحمل كل الأعباء والتضحيات والصبر على المكاره للوصول إلى أهدافها، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها على صعيد الإمداد والتسليح والإعاشة والمرتبات.
هذا يعني أن اليمن ليس جاهزا لأن يبتلعه التنظيم الأكثر تسليحاً، لأن الفرص التي أتيحت للحوثيين لالتهام مأرب والجوف، فشلوا في استغلالها، لا لأنهم لم يكونوا مستعدين لتحقيق ما أريد لهم تحقيقه ولكن لأنهم واجهوا قوة حقيقية وصلبة أعاقت تقدمهم واستنزفتهم، بقدر لا يستهان به من التضحيات من جانب المدافعين.
غرق الحوثيون عند أطراف مأرب، في وقت كانوا قد أعدوا فيه كل ما يمكن لحسم المعركة التي تطلعوا من خلالها إلى وضع اليد على المقومات الاقتصادية الكبيرة الموجودة في هذه المحافظة، من نفط وغاز، لإقامة سلطة الأمر الواقع في صنعاء، التي تعيش على الجبايات وتكرس وضعاً معيشياً صعباً لدى الكتلة السكانية الأكبر الواقعة تحت سيطرتهم والمتواجدة في المحافظة الشمالية والغربية وجزء من المحافظات الوسطى من البلاد.
يقف الشعب اليمني في أغلبه ضد المشاريع الانقلابية وضد مخططات خارجية لتمزيق البلاد، ويسعى بكل إرادة وتصميم إلى هزيمتها، وقد أثبتت القوات التي يقف خلفها هذا الشعب أنها قادرة على تحمل كل الأعباء والتضحيات والصبر على المكاره للوصول إلى أهدافها، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها على صعيد الإمداد والتسليح والإعاشة والمرتبات.
وعلى مدى ست سنوات ونيف من الحرب عملت السعودية ومعها الإمارات على هندسة بيئة صراع مستدامة وأنشأتا وأعدتا جماعات مسلحة جديدة تدور أنشطتها حول استعادة الفردوس الجنوبي المفقود المسمى الدولة الجنوبية، وهو حلم لم يعد تتقاسمه الأغلبية العظمى من الجنوبيين، الذين رأوا هذا الحلم وقد تحول إلى مجرد استحقاق قروي إقصائي شديد التعصب، استحالت معه عدن إلى بيئة محفوفة بالمخاطر ومجال نفوذ عصبوي أعطى كل الأدلة على استحالة نضوج شروط الدولة الجنوبية ناهيك عن استعادتها.
وحتى في الشمال عمل البلدان على دعم تأسيس قوة جديدة في الساحل الغربي من اليمن بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتتخذ من ميناء المخا التاريخي مقراً لها، وتتشكل من بقايا النظام السابق.
وهذه القوات على الرغم من اتساقها الظاهري مع هدف القضاء على الانقلاب، إلا انها تحولت، بعد إنشاء مكتب سياسي برئاسة قائد هذه القوات العميد طارق محمد عبد الله صالح إلى مشروع سياسي منفصل أقل ما يقال عنه أنه يعمل ضمن أحد الخيارات السيئة للتحالف العسكري السعودي الإماراتي، وهو إعادة إنتاج نظام شمولي ليس شرطاً أن يحكم اليمن بل جزءا منه أو على الأقل يقف حجر عثرة أمام اكتمال المشروع السياسي الإمامي للحوثيين وهو مشروع شيعي طائفي تدعمه إيران.
بيئة الصراع الحالية في اليمن أورثت وضعاً شديد الضبابية، إذ ينفتح المستقبل على مشاريع يخيل لأصحابها أنها يمكن أن تكون قابلة للحياة، وأعني بها هنا، مشروع الانفصال، ومشروع استعادة الإمامة الزيدية المقبورة، ومشروع إعادة إنتاج نظام صالح، وهي مشاريع متصلة بأجندات إقليمية وبتمويل يتسم بالخبث والمكر، والطموح بإمكانية الهيمنة على اليمن كما تخطط إيران أو إبقائه ضعيفاً ممزقاً قابلاً للانصياع كما تخطط السعودية، أو اقتطاع جزء من أراضيه كما تخطط السعودية أيضاً في المهرة، والإمارات في سقطرى.
يدرك الحوثيون أنهم استنفدوا القوة القهرية في إخضاع الناس دون أن يتمكنوا من احتوائهم، فالتذمر والرفض هما سيدا الموقف في مناطق سيطرة الحوثيين، لذا تعمل هذه الجماعة المدعومة من إيران ما بوسعها لتطييف المجتمع وسط تذمر شعبي كبير، لكنهم مصرون على ما يبدو على إعادة إحياء الزيدية بصفتها العتبة التي يلج عبرها أنصار هذه الجماعة للانخراط ضمن سلك التشيع الاثني عشري، وهو غاية ما تخطط له إيران لكي تتغلب على حالة الممانعة البادية لدى معظم سكان اليمن الشمالي خصوصاً في مناطق انتشار المذهب الزيدي، بعد أن دفن اليمنيون الإمامة وتركوها خلف ظهورهم.
وخلاصة القول هي أنه على الرغم من التعقيدات الهائلة التي تقف أمام إنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن، إلا أن اليمنيين والجيش الوطني والمقاومة لا يفتقدون إلى العزيمة في استمرار مواجهة التحديات، لكن هذا لا يمنع أن نرى الأمور تتغير بصورة دراماتيكية كالتي حدثت في أفغانستان، خصوصاً أن السلطة الشرعية هي أصلاً في الخارج، فيما سيلقي نموذج الانسحاب الأمريكي المرتكب وبطعم الهزيمة بظلاله على القوى المتدخلة في الشأن اليمن، لكن ما من قوة تستطيع أن تعلن بعد ذلك أنها حسمت الحرب في اليمن، ما لم نشهد تواطؤا إقليميا ودولياً يحرم غالبية اليمنيين مجدداً من حقهم في استعادة الدولة.