كتاب عربي 21

تركيا.. زيارات ذات رسائل

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

شهدت العاصمة التركية أنقرة في الأيام الأخيرة زيارات في غاية الأهمية، حيث استقبل رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أولا، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ثانيا، كما كان في زيارة الرئيس التركي وفد إمارتي رفيع برئاسة مستشار الأمن الوطني، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.

هذه الزيارات لا تخلو من رسائل ودلالات ومؤشرات تعكس توجه السياسة الخارجية التركية، وتشير إلى تغيرات محتملة في التوازنات الإقليمية، كما تؤكد أن أنقرة لديها خيارات بديلة في حال فشلت جهودها الدبلوماسية لتحقيق أهدافها، ولم يجد حسن نيتها الصدى المأمول بسبب تعنت هذا الطرف أو ذاك.

العلاقات التركية السودانية دخلت مرحلة فتور بعد إسقاط عمر البشير، وحرص قادة الجيش على الابتعاد عن تركيا لإرضاء داعميهم من دول الثورة المضادة، إلا أن أنقرة تحلت بالصبر، وتبنت سياسة عدم التدخل في شؤون السودان الداخلية، للحفاظ على علاقاتها مع الخرطوم، والوقوف إلى جانب الشعب السوداني، بغض النظر عمن يحكم البلاد. وها هي اليوم تجني ثمار تلك السياسة، من خلال زيارة البرهان، بعد زيارة نائبه الأول محمد حمدان دقلو، الملقب بـــ"حميدتي".
 
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قام بزيارة أنقرة بعد زيارة البرهان لها، ليؤكد الطرفان على متانة العلاقات التركية الإثيوبية ذات الجذور التاريخية. كما شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات تعاون مشتركة بين أنقرة وأديس أبابا في مجالات الإنفاق العسكري والموارد المائية، لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وأعلن أردوغان، في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان في العاصمة التركية، عن استعداد بلاده للوساطة لحل النزاع ودِّيا بين إثيوبيا والسودان بشأن منطقة الفشقة.

تركيا أبدت رغبة في ترميم علاقاتها مع مصر، وقدمت خطوات ملموسة لإظهار حسن نيتها، إلا أن تلك الخطوات وتصريحات المسؤولين الأتراك التي أعربوا فيها عن رغبة أنقرة الصادقة، تم تفسيرها ـ على ما يبدو ـ بشكل خاطئ في القاهرة، واعتبرت أنها دليل على أن "تركيا المحاصرة" مضطرة للمصالحة مع مصر بأي ثمن. وكان على أنقرة أن لا تبالغ في رغبتها في ترميم علاقاتها مع القاهرة، وأن تواصل طريقها مع دول أخرى مستعدة للتعاون معها، بعد أن أظهرت أن أبوابها مفتوحة للجميع. ومن المؤكد أن الزيارتين المتتاليتين اللتين قام بهما للعاصمة التركية رئيسا دولتين هامتين من دول حوض النيل، رسالة للقاهرة مفادها أن تركيا قادرة على حماية مصالحها في شرق المتوسط حتى دون توقيع اتفاق رسم الحدود البحرية مع مصر، كما أنها حاضرة بقوة في منطقة حوض النيل كعامل توازن تستغله دول تلك المنطقة لحماية مصالحها القومية. 

 

من المؤكد أن تحسن العلاقات التركية ـ الإماراتية سيكون لصالح الطرفين، إن تكللت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه بالنجاح. كما أن المتوقع أن تتبع البحرين خطى الإمارات في تحسين علاقاتها مع أنقرة

 



الزيارة الثالثة والمفاجئة كانت تلك التي قام بها مستشار الأمن الوطني، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، لأنقرة. ومن المعلوم أن العلاقات بين البلدين متدهورة منذ سنوات، بسبب وقوف كل من أنقرة وأبو ظبي على طرفي النقيض في ملف الربيع العربي، كما تبنت الإمارات موقفا معاديا لأنقرة في كل قضية تهم تركيا حتى وإن كانت تلك القضية لا تعني الإمارات البتة، وأعلنت تأييدها لفرنسا واليونان نكاية بأنقرة.

ما الذي دفع أبو ظبي لإرسال وفد رفيع إلى أردوغان؟ 

يبدو أن جواب هذا السؤال يكمن في التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في ظل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ورغبة واشنطن في إنهاء الحرب في اليمن بالتنسيق والتعاون مع طهران، وفشل محاصرة الدوحة، وتحسن العلاقات السعودية القطرية من ناحية والعلاقات المصرية القطرية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ظهور بوادر تنافس وأزمة بين أبو ظبي والرياض، كما أن الإمارات ربما أدركت بعد أشهر من توقيع اتفاقية إبرهيم أن الارتماء في أحضان إسرائيل لن يأتي بما تأمل، بل وسيضرها أكثر من أن ينفعها.

العلاقات التركية ـ الإماراتية قد تتحسن بشكل أسرع من المتوقع، إن تخلت أبو ظبي عن سياسة نصب العداء لتركيا واستهداف مصالحها. لأنها هي السبب الوحيد لتدهور العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي، وأن الإمارات تتمتع ببراغماتية تمكنها من التراجع حتى لو بلغت في الخصومة إلى مراحل متقدمة.

 

ومن المؤكد أن تحسن العلاقات التركية ـ الإماراتية سيكون لصالح الطرفين، إن تكللت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه بالنجاح. كما أن المتوقع أن تتبع البحرين خطى الإمارات في تحسين علاقاتها مع أنقرة، لأن المنامة ابتعدت في الآونة الأخيرة عن الرياض لتقترب من أبو ظبي، ما يعني أن السعودية ستبقى وحدها في الخليج في مقاطعة تركيا ومعاداتها.

*كاتب تركي


التعليقات (0)