كتاب عربي 21

غنائم طالبان من هزائم الأمريكان

جعفر عباس
1300x600
1300x600

لم تنتزع حركة طالبان أفغانستان من براثن الولايات المتحدة وعملائها الأفغان وحسب، بل وجدت نفسها وريثة عتاد حربي يجعلها قوة عصرية التسليح، فقد خلف الأمريكان وراءهم في أفغانستان ترسانة ضخمة من الأسلحة تضاهي قيمتها عشرين مليار دولار، وكسبت طالبان سلاحا لم تكن تمتلكه منذ تأسيسها، ألا وهو سلاح الطيران، وعدد هليكوبترات بلاكهوك التي صارت تحت تصرف طالبان اليوم أكبر من عدد ما لدى 166 دولة من كل صنوف الهليكوبترات، إلى جانب 23 طائرة هجومية من طراز توكانو، وناقلات الجند والعتاد من طراز هيركيوليز، وكلها تنطلق من 11 قاعدة جوية حسنة الإعداد.

ومن طريف المصادفات أن الأمريكان تنازلوا عن هذه القواعد رسميا للحكومة الأفغانية في 6 حزيران (يونيو) الماضي، لتتنازل عنها تلك الحكومة لطالبان حتف أنفها في منتصف آب (أغسطس) الجاري.

إجمالي قطع سلاح الجو التي ورثتها طالبان من الأمريكان تقدرها مصادر مجلة جين ديفنس بـ 211 طائرة حربية منها 167 طائرة كانت في كامل جاهزيتها القتالية عندما اجتاحت طالبان العاصمة ودانت لها عموم أفغانستان، أما عدد العربات المصفحة والمجنزرة والبرمائية فيستعصي على الحصر.

ثم انظر إلى جيش الحكومة الأفغانية المبادة الذي صار فص ملح وداب في أواسط هذا الشهر، فقد كان قوامه 186 الف جندي أنفقت عليهم واشنطن عشرين مليار دولار ليحرسوا مصالحها في أفغانستان (مقابل نحو ثمانين الف مقاتل لحركة طالبان)، ومن مستودعات هذا الجيش غنمت طالبان زهاء 250 ألف بندقية أوتوماتيكية متعددة المنشأ (سوفيتية وأمريكية وبلجيكية) وآلاف راجمات الصواريخ، و144 دبابة تي 55 وتي 62 السوفيتية ما زالت في كامل لياقتها الميدانية، و9 آلاف عربة مجنزرة تستخدم في معارك المشاة، وأكثر من الف مدفع متوسط وبعيد المدى، و44 صاروخا بالستيا قصيرة المدى الى جانب قذائف مضادة للطائرات، وطائرات عسكرية خفيفة متعددة الأغراض.

انهار الجيش الكرتوني في أفغانستان دون قتال في معظم ولايات البلاد، لأنه قام على ما يشبه الارتزاق: تنضم إليه وتنال تدريبا عاليا ومزايا مادية مغرية نظير أن تدافع عن حكومة عميلة وليس عن الوطن، وعندما بدأت طالبان اجتياحها للبلاد واتضح أنها عازمة على بلوغ غايتها وهي الاستيلاء الكامل على الحكم، آثر جنود وضباط الجيش السلامة، ولم يقاوموا تقدم طالبان في معظم الأحيان، ولم يروا أن هناك ما يستوجب الاستبسال للدفاع عن حكومة فاسدة، وكان قادتهم أول من تدافع إلى مطار كابل طلبا للنجاة وأملاً في الحصول على حق العيش في الولايات المتحدة.

 

من طريف المصادفات أن الأمريكان تنازلوا عن هذه القواعد رسميا للحكومة الأفغانية في 6 حزيران (يونيو) الماضي، لتتنازل عنها تلك الحكومة لطالبان حتف أنفها في منتصف آب (أغسطس) الجاري.

 



والذاكرة الأفغانية الجمعية تعي أن الأمريكان على عهدي الرئيسين جيمي كارتر ورونالد ريغان، هم من قام بتسليح المجاهدين خلال الفترة من 1979 إلى 1989، لغاية محددة وهي تقليم أظافر الاتحاد السوفييتي الذي كانت قواته تحتل أفغانستان في ذلك الزمان في سياق ما كان يعرف بالحرب الباردة، ومن رحم حركة المجاهدين تلك جاءت طالبان التي آلت إليها مقاليد الأمور، فكان أن شن الأمريكان في عهد جورج بوش الثاني في تشرين أول (أكتوبر) من عام 2001 هجوما كاسحا على أفغانستان بذريعة مكافحة الإرهاب وأطاحوا بحكم طالبان، وظلوا هناك إلى ما قبل أسبوعين، وهلك خلال العشرين سنة الأخيرة أكثر من 100 ألف أفغاني، وقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي (عدد من انتحر من الجنود الأمريكان بعد العودة من أفغانستان يكاد يضاهي عدد من قتلوا في ميادين المعارك).

أنفقت الولايات المتحدة تسعين مليار دولار لتدريب عناصر الجيش والشرطة الأفغانية، و10 مليار دولار لمكافحة زراعة وتجارة المخدرات، و24 مليار دولار على "التنمية الاقتصادية"، وحقيقة الأمر هي أن تلك المبالغ الضخمة دخلت جيوب شركات أمريكية مثل فيدكس وريثيون وفلور وكولمبيا هليكوبترز وبوينغ التي كانت تقدم الخدمات للجيش الأمريكي (في أوائل ثمانينيات القرن الماضي رفضت الحكومة السودانية قرضا بـ 80 مليون دولار من البنك الدولي لتأهيل السكك الحديدية، وبرر وزير النقل الرفض بأن 64 مليون من هذا المبلغ كانت مخصصة كرواتب ومزايا لكوادر البنك الدولي الذين كان من المفترض أن يشرفوا على برنامج التأهيل ذاك).

ولعل أقوى دليل على أن تلك المليارات خرجت من الخزائن العامة إلى الخزائن الخاصة، برغم كل الجعجعة الأمريكية عن النهوض بأفغانستان والإنسان الأفغاني هو أن أفغانستان تتصدر قائمة الدول من حيث المعدل المرتفع لوفيات الأطفال حديثي الولادة، أما عن تباهيهم بتمكين المرأة الأفغانية فيكفي أن نسمع ما قالته مالالاي جويا وهي أول إمرأة عضوة في البرلمان الأفغاني، قبل أيام قليلة لصحيفة نيشن الأمريكية: للنساء والمجتمع المدني في أفغانستان ثلاثة أعداء ـ طالبان وأمراء الحرب المتنكرين في زي الحكومة والاحتلال العسكري الأمريكي. أي أن المرأة التي أرادها الأمريكان أيقونة لفترة حكمهم لأفغانستان (من خلال حكم صوري) ترى أن الأمريكان من نفس طينة طالبان.


التعليقات (0)