شهدت تركيا لحظات تاريخية، الأحد الماضي، حيث تم تسليم
مسيّرة "آقنجي" الهجومية التي طورتها شركة "بايكار" التركية
بإمكانيات وطنية، إلى القوات المسلحة التركية، بعد اكتمال مراحل تجاربها بنجاح. وانضمت
تركيا بتلك المسيرة إلى مصاف الدول القليلة القادرة على تطوير مثل هذه المسيّرات
في العالم.
هذا الإنجاز الكبير وراءه جهود جبارة قام بها المهندسون
وكافة الأيادي العاملة في المشروع، إلا أنه لم يكن ليتحقق لولا فضل الله أولا، ثم
الثورة التي حققتها تركيا في السنوات الأخيرة. وهذه الثورة التي أحدثت تغييرا
كبيرا في طريقة تفكير الشباب التركي،
أشار إليها المدير الفني لشركة بايكار، سلجوق
بيرقدار، في كلمته بحفل تسليم المسيرة الذي أقيم بحضور رئيس الجمهورية التركي رجب
طيب أردوغان.
بيرقدار تحدث عن الصعوبات والعراقيل التي واجهوها أثناء
خطواتهم الأولى، وذكر أن مسؤولا في صناعات الدفاع قال له: "أنتم شبان أذكياء،
وتلقيتم دراسة جيدة، ولكن انظروا أين وصل الأجانب، هؤلاء تقدموا كثيرا، ومن
المستحيل أن نلحق بهم، ولذلك من الأفضل أن لا تحاولوا صناعة هذه الأشياء"، في
إشارة إلى المسيّرات، ثم طلب منهم أن يشكلوا جسرا بينهم وبين صناع المسيرات من
الأجانب، وأن يكتفوا بالترجمة في محادثاتهم، وختم كلامه بجملة ظاهرها النصيحة وباطنها
التهديد، قائلا: "لا تضغطوا أكثر".
لو كان سلجوق بيرقدار ورفاق دربه اقتنعوا ذاك اليوم بتلك العقلية لما رأينا اليوم مسيرة "آقنجي" الهجومية تحلق في السماء، إلا أنهم وصلوا ليلهم بنهارهم ليثبتوا للعالم أن شباب بلادهم قادرون على إنجاز مثل هذه المشاريع واللحاق بأحدث التطورات في مجال التكنولوجيا في فترة وجيزة؛ إن منحت لهم فرص مناسبة وإمكانيات لازمة
لو كان سلجوق بيرقدار ورفاق دربه اقتنعوا ذاك اليوم بتلك
العقلية لما رأينا اليوم مسيرة "آقنجي" الهجومية تحلق في السماء، إلا
أنهم وصلوا ليلهم بنهارهم ليثبتوا للعالم أن شباب بلادهم قادرون على إنجاز مثل هذه
المشاريع واللحاق بأحدث التطورات في مجال التكنولوجيا في فترة وجيزة؛ إن منحت لهم
فرص مناسبة وإمكانيات لازمة لعرض أفكارهم وإبداعتهم بكل حرية. ومن المؤكد أنه بعد
هذه الإنجازات الباهرة لن يصغي أحد منهم إلى ما يقوله ديناصورات البيروقراطية
المشبعون بالهزيمة النفسية حول عدم إمكانية اللحاق بتقدم الأجانب.
ومما لا شك فيه أن عزم المهندسين الشباب على رأسهم
سلجوق بيرقدار، وإيمانهم بالنجاح، لعبا دورا مهما في إنجاز مشروع المسيّرة
الهجومية، إلا أن هناك عاملا آخر أكثر أهمية يقف وراء هذا النجاح، وهو الإرادة
السياسية التي ساندت المشروع بقوة؛ لأن تاريخ تركيا مليء بأمثلة لفشل مشاريع حيوية
بسبب عدم وجود إرادة سياسية مساندة لها. ومن المؤكد أن معظم الدول الإسلامية تزخر بكفاءات
شابة لو وجدت بيئة مناسبة توفرها الحكومات لإظهار قدراتها لأبهرت العالم.
حكاية رجل الأعمال والسياسي التركي نوري دميراغ ومصنع
الطائرات الذي أسَّسه أكبر دليل على ضرورة وقوف الإرادة السياسية إلى جانب مثل هذه
المشاريع. وكان دميراغ أسَّس مصنعا لإنتاج الطائرات في أواخر ثلاثينيات القرن
الماضي في إسطنبول، وبعد أن سقطت إحدى طائراته خلال تجربتها الأخيرة في حادث غامض
ألغيت صفقة شراء الطائرات منه، بل وصدر قانون يمنعه من تصدير طائراته إلى دول أخرى،
ما أدَّى إلى إغلاق المصنع وفشل المشروع.
ليس هناك شيء يضمن أن حزب الشعب الجمهوري لن يضع عراقيل أمام المشاريع التنموية الكبرى التي تزعج القوى الدولية كما وضع بالأمس أمام مشروع مصنع الطائرات. بل هناك مؤشرات تشير إلى أن عقلية هؤلاء لم تتغير قيد أنملة، بدليل أن كافة البلديات التي ينتمي رؤساؤها إلى حزب الشعب الجمهوري؛ أكبر إنجازاتها مشاريع نصب التماثيل التي تصرف عليها الملايين
ومن المؤكد أن العقلية التي تآمرت على مشروع دميراغ
وأصدرت قانونا لمنعه من تصدير طائراته ستعمل لتعطيل مشاريع كثيرة إن عادت إلى
الحكم في البلاد، لا سمح الله. وليس هناك شيء يضمن أن حزب الشعب الجمهوري لن يضع
عراقيل أمام المشاريع التنموية الكبرى التي تزعج القوى الدولية كما وضع بالأمس
أمام مشروع مصنع الطائرات. بل هناك مؤشرات تشير إلى أن عقلية هؤلاء لم تتغير قيد
أنملة، بدليل أن كافة البلديات التي ينتمي رؤساؤها إلى حزب الشعب الجمهوري؛ أكبر
إنجازاتها مشاريع نصب التماثيل التي تصرف عليها الملايين، وأن رئيس بلدية إسطنبول
الكبرى، أكرم إمام أوغلو، حين تولى منصبه أقام استعراضا تحت لافتة "حفل عدم
وضع حجر الأساس"، لإلغاء مشروع يهدف إلى معالجة مياه الصرف الصحي يقول الخبراء
بمن فيهم المعارضون للحكومة إنه في غاية الأهمية لحماية البيئة.
تركيا كانت تتوسل إلى الولايات المتحدة لشراء عدد من المسيرات
ولم تحصل عليها، وكانت تشتريها من إسرائيل ضمن اتفاقيات أبرمها جنرالات انقلاب 28 شباط/
فبراير. وتقول تقارير إعلامية نشرت في أيلول/ سبتمبر 2011، أي قبل عشر سنوات، إن ثلاث
طائرات "هيرون" بدون طيار اشترتها تركيا لتستخدمها في مكافحة حزب العمال
الكردستاني، سقطت بسبب خلل فني، ثم قامت أنقرة بشراء عشر أخرى من ذات الطائرات،
إلا أن خمسا منها اتضح أن محركاتها معطلة. وبالتالي، إن كان الشعب التركي يفتخر
اليوم بمسيرة "آقنجي" الهجومية، ويريد أن يحفظ مهندسيها الشباب، فعليه
أولا أن لا يخذل الإرادة السياسية التي حوَّلت تركيا خلال سنوات من بلد يشتري
المسيرات "الخردة" من إسرائيل إلى آخر يصنع مسيرات هجومية وأسلحة متطورة
أخرى؛ بأيدي أبنائه وإمكانياته الوطنية.
twitter.com/ismail_yasa