هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زالت أصداء
السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات النيابية تخيم على
المشهد السياسي هناك، وتثير تساؤلات حول أسباب هذه الخسارة القاسية لحزب شارك في
الحكم طوال العشر سنوات الماضية.
ورجح نشطاء ومراقبون
بأن تطبيع الحكومة التي قادها "العدالة والتنمية "العلاقات مع الاحتلال
الإسرائيلي، كان له الدور الأكبر في سقوط الحزب انتخابيا، كذلك أشار محللون تحدثت
معهم "عربي21" إلى أن الفشل الاقتصادي وتضرر الطبقة الوسطى ساهم في هذه
الخسارة القاسية.
خيانة المبادئ
من جهته يرى
الإعلامي والباحث السياسي، نور الدين لشهب، بأن "خسارة العدالة والتنمية جاءت
لسببين، الأول التطبيع مع صانع القرار في المغرب، والثاني التصدع الداخلي نتيجة
توقيع الحكومة التي كان يقودها معاهدة تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أن
"العدالة والتنمية كان أمام خيارين، الأول مطالب المجتمع والثاني استرضاء صانع
القرار السياسي في المغرب، ولكنهم اختاروا التفريط بالمطالب الشعبية مقابل استرضاء
صانع القرار، خاصة نتيجة الظروف الإقليمية التي يعرفها تيار الإسلام السياسي.
ولفت إلى أنه
"نتيجة لذلك، تم تهميش الطبقة الوسطى وتضرر كثير من القطاعات بوجود قيادة
العدالة والتنمية في الحكم، مقابل السعي لاسترضاء صانع القرار".
عقاب بسبب
التطبيع
وحول السبب
الثاني للخسارة قال لشهب: "من المعروف أن حاضنة الحزب الانتخابية هي حركة
التوحيد والإصلاح، وحينما تم توقيع المعاهدة مع إسرائيل والتطبيع معها من قبل
العثماني، شكل هذا الأمر صدمة نفسية لقواعد الحزب الانتخابية".
وأكد أن
"القاعدة الانتخابية للحزب عاقبته على التطبيع"، مضيفا: "نتيجة
لذلك حدث تصدع داخل الحزب، حيث قامت العديد من قياداته التي تُعد ماكينات
انتخابية في مناطقها، بترشيح نفسها على قوائم أحزاب أخرى منها الأصالة
والمعاصرة".
اقرأ أيضا: الأمانة العامة للعدالة والتنمية المغربي تعلن استقالة جماعية
بدوره، أكد
الخبير في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية أن "نتيجة الانتخابات كانت
عبارة عن سقوط مدو للعدالة والتنمية، واعتبر أن هذه النتيجة كانت متوقعة وليست
مفاجئة".
وأوضح أبو
هنية خلال حديثه لـ"عربي21"، بأنه "كان هناك تصويت عقابي أكثر من
أنه قناعة بالأحزاب الأخرى، وهذا التصويت العقابي ليس فقط للعدالة والتنمية، وإنما
لمعظم حركات الإسلام السياسي في المنطقة، حيث شاهدنا حركة النهضة حتى قبل أن يحدث ما حدث بتونس من
حل الحكومة والبرلمان، كانت تتراجع انتخابيا".
وعلل سبب معاقبة
الناخبين للعدالة والتنمية وبقية الأحزاب الإسلامية في المنقطة، بأن "هذه
الحركات خانت مبادئها باختصار شديد، بمعنى حينما يكون العدالة والتنمية هو رأس
الحربة في عملية التطبيع، يعني ذلك خيانة لكل تراثه".
ولفت إلى أن
هذه النتيجة كانت متوقعة؛ "لأن سلوك العدالة والتنمية وغيره من حركات الإسلام
السياسي كان براغماتيا، حيث اندمجوا في داخل السياسات المحلية للأنظمة، ومن ثم فقد هويته ومبرارت وجوده".
وأوضح ذلك بأن
"العدالة والتنمية وغيره من الحركات اندمجوا بالسياسات المحلية، أو ما يمكن
تسميته بالمحلية الوطنية الفاشلة والدخول في أنظمة استبدادية، حيث رأينا العدالة
والتنمية والنهضة قد اندمج بالسياسات المحلية المتعلقة بالسياسات الليبرالية
والنيو ليبرالية، ومن ثم لم يحدث أي تقدم في مجال الحريات، ولم يحدثوا أي فرق في
مجال مقاومة الديكتاتورية، من ثم كان هناك فشل ذريع على المستوى السياسي
والاقتصادي والاجتماعي؛ حيث اندمجوا في بنية هذه السياسة المحلية الفاسدة ولم
يقدموا أي حلول عملية على الإطلاق، لذلك هذه النتيجة هي عبارة عن تصويت عقابي
واحتجاج واضح على سلوك هذه الحركات وتنكرها لكل مبادئها وهويتها وتاريخها".
صدى الخسارة
على تيار الإسلام السياسي
ويبقى السؤال
مع خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات بشكل قاس، ومن قبله خسارة النهضة في
تونس بعد حل البرلمان والحكومة، هل يمكن القول بأن تيار الإسلام السياسي في المنطقة
انتهى أم إنه يمر بأزمة عابرة؟
عبر الباحث
الفرنسي في شؤون الحركات الإسلامية، فرانسوا بورغا عن اعتقاده بأن "نتائج
الانتخابات في المغرب لن تؤثر على مسيرة الأحزاب الإسلامية في المنطقة".
مضيفا:
"وسبب ذلك بأن حزب العدالة والتنمية لم يكن يمارس السلطة في المغرب، فطبيعة
نظام الحكم بالمغرب خاص جدا، فهو لا يسمح لأي قوى من المعارضة أن تشارك فعليا في
ممارسة السلطة".
وأوضح بورغا
خلال حديثه لـ"عربي21"، بأنه كان يتم السماح لهذه الأحزاب سواء الإسلامية
أو اليسارية فقط من الاقتراب من السلطة أو
إذا صح التعبير "تذوق فوائد السلطة المادية" فقط، لكن السلطة الحقيقية
ما زالت بيد مستشاري الملك.
وأكد أن
"الأحزاب الإسلامية لا تعيش أزمة على إطلاقها، بل الأحزاب التي اقتربت من
السلطة ومارست جزءا منها في ظروف صعبة على وجه الخصوص.
ولفت إلى أن
نتائج العدالة والتنمية لن تؤثر على الأحزاب التي تملك الأيدلوجية نفسها، ولكنها
ستؤثر على المعارضين ككل في المنطقة.
وأكد أن
التيار الذي سوف يستقطب المعارضين في المغرب قد يكون العدل والإحسان، خاصة أنه
الذي رفض تقديم هذه التنازلات الخطيرة التي قدمها العدالة والتنمية، ومنها خيانة
شباب 20 فبراير، وثانيا قبول فكرة التطبيع مع دولة إسرائيل.
من جهته أوضح أبو
هنية، بأن "هناك مشكلة بنيوية في داخل حركات الإسلام السياسي التي تخلت عن
مبادئها، ومن ثم اندمجت في السياسات الوطنية المحلية، ومن ثم فقدت مبادئها
وفقدت كل المثل التي كانت تدافع عنها تاريخيا، وهذا الأمر نجده في كل المنطقة ليس
فقط في المغرب".
وأضاف: "يمر
التيار بمرحلة أزمة كبيرة، وهو بحاجة لإعادة النظر بكل مبادئه وسلوكه خلال السنوات
الماضية، ما يعني أن هذا الجيل انتهى ولم يعد صالحا على الإطلاق، وسوف يحدث هناك
مراجعات شاملة، ومن ثم سينشأ جيل جديد".
وتابع بأننا "سنشهد
موجات أو أحزابا وحركات إسلام سياسي جديدة، بمعنى تتخذ من الإسلام مرجعية سياسية لها
وتقود المراحل القادمة، وتستدرك كل الأخطاء التي مر بها الجيل السابق. الخلاصة هو
فشل جيل من أجيال الإسلام السياسي".
واتفق الباحث
الفرنسي فرانسوا بورغا مع أبو هنية في أن "تيار الإسلام السياسي لم ينته،
وإنما هذا الجيل الحالي الموجود في القيادة الذي قدم تنازلات هو من انتهى، ولذلك
سيتم الانتقال من جيل إلى آخر".