هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الاستاذ سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، في تصريح له نقلته وكالة «وفا» للأنباء بتاريخ 22/9/2021، أن «شرعية رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس، مستمدة من شعبنا الفلسطيني، ومن مؤسسات منظمة التحرير، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا» وهي شرعية «تستند إلى شرعية نضالية وطنية». ولاحظ أن التشكيك بشرعية الرئيس تتزامن مع تصعيد سلطة الاحتلال ضده.
الأستاذ الزعنون من رجال القانون، وقد مارس المحاماة لفترة طويلة ابتداءً من غزة وانتهاءً بالكويت، ولغة القانون هي اللغة التي يجيدها، وهي اللغة التي سوف أستعين بها للرد على ما طرحه الأخ أبو الأديب في الدفاع عن شرعية محمود عباس.
يقول الأخ أبو الأديب في الدفاع عن شرعية الرئيس محمود عباس إنها «تستند إلى شرعية نضالية». لكننا نعلم أن الشرعيات نوعان: الأولى شرعية دستورية تستند إلى نصوص الدستور، أو القانون الأساسي، ويكون مناطها الانتخابات ويتم انتخاب الرئيس لمدة محددة.
والثانية شرعية ثورية يفرضها الثوار حين يلجأون إلى الكفاح المسلح لإنجاز برنامجهم الوطني. لكن «الشرعية النضالية» التي يطرحها الأخ أبو الأديب لا هي بالشرعية الدستورية ولا بالشرعية الثورية، هي نوع جديد لا علم لطلاب القانون، أو طلاب السياسة بها.
ولو افترضنا ـ على سبيل الجدل – أنه قصد بها الشرعية الدستورية، فسوف نحتكم إلى النصوص الدستورية الواردة في المواثيق الفلسطينية. فالقانون الأساسي للمنظمة (وسوف نتجاهل أنه تمّ إلغاؤه من قبل القياده الفلسطينية امتثالاً لمتطلبات أوسلو) ينص على أن يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية من قبل المجلس الوطني، ويتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل أعضاء اللجنة التنفيذية (ماده 3) وباعتبار أن عمر المجلس الوطني ثلاث سنوات، فإن الافتراض أن عمر اللجنة التنفيذية يكون بالضرورة ثلاث سنوات، فهل جرى انتخاب الرئيس من لجنة تنفيذية، بعد أن تمّ انتخابها من المجلس الوطني الأخير؟ وهل جرى الانتخاب فعلاً؟ إن الشكوك العميقة تكتنف كل مسار المجلس الوطني منذ انعقاده في غزة عام 1996 بحضور عرّاب «السلام» الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الرئيس بيل كلينتون، لتفتيت الميثاق الوطني.
ولا أدلّ على الشلل الذي أصاب المنظمة من أن رئيس اللجنة التنفيذية، لا يلتزم بقرارات المجلس الوطني، أو المجلس المركزي، فهل هذه شرعية؟ أم خروج على الشرعية؟ ففي الدورة الـ(29) للمجلس المركزي (أغسطس 2018) طالب المجلس الرئيس بـ»تعليق الاعتراف بإسرائيل.. ووقف التنسيق الأمني، والانفكاك الاقتصادي». ولم يحصل ذلك. وكرر المجلس المركزي طلبه في الدورة المنعقدة في ديسمبر 2018، وسبق للمجلس أن اتخذ قراراً بوقف التنسيق الأمني منذ عام 5/3/2015.
وقد طالب المجلس الوطني في دورتي عام 2018 و2019 بالطلبات ذاتها تقريباً. وجواباً على ذلك، ارتقى الرئيس محمود عباس بالتنسيق الأمني واعتبره «مقدساً» واستمر التنسيق الأمني، حتى إنه في أعقاب آخر اجتماع لوزير الحرب الإسرائيلي مع الرئيس أبو مازن، صرح الوزير بأنه اجتمع لكي «يزيد التعاون الأمني». وقد سبق للوزير نفسه أن شكر الرئيس على التنسيق الأمني، الذي ساهم في إلقاء القبض على شبابنا السجناء، الذين هربوا من سجن جلبوع. فأي شرعية لرئيس لا يلتزم بقرار السلطة الأعلى منه؟ إنه، دستورياً، اغتصاب للسلطة.
لا خشبة خلاص للمشروع الوطني إلاّ بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة لمجلس وطني منتخب من قبل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته
والوثيقه الدستورية الأخرى هي ما يسمى بـ»القانون الأساسي» الذي يحكم «السلطة الفلسطينية» بكل أجهزتها بما فيها الرئاسة. تنص المادة (36) منه على أن ينتخب رئيس السلطة لمدة أربع سنوات، على أن لا تتجاوز مدة رئاسته لدورتين متتاليتين. ونعلم أن الأخ أبو مازن انتخب في عام 2005 بعد وفاة المرحوم أبو عمار، ومن المفترض أن تكون رئاسته الأولى قد انتهت في 15/1/2009. ولم يتم تجديد رئاسته بسبب الانقسام المشين الذي طغى على الساحة الفلسطينية.
وها قد مضى أكثر من عقد من الزمان والرئيس في مكانه لم يتزحزح، ولم يعد انتخابه، فبأي سند دستوري يستمر الرئيس في رئاسته؟ وأين تقع شرعيته من هذا؟ أما لو افترضنا أن الأخ أبو الأديب يفترض في «الشرعية النضالية» أنها الشرعية الثورية، فقد انتهت هذه الشرعية بتوقيع اتفاقيات أوسلو، التي أدانت بها القياده الفلسطينية كفاحها المسلح، ولعنت تاريخها النضالي بوصمه بالإرهاب، ودخلت بيت الطاعة الإسرائيلي. ولابدّ أن الأخ الزعنون يعلم علم اليقين أن الأخ أبو مازن هو مهندس هذه الاتفاقيات، بما فيها من «استسلام» كامل للإرادة الإسرائيلية.
وأقول إنها وثيقة «استسلام» لأنها وثيقة غطت حوالي ستمئة صفحة مطبوعة، لم يأت في أيٍ منها ذكر الاعتراف بحق وطني واحد للشعب الفلسطيني، أو التعهد بالانسحاب من الأراضي المحتلة، أو الاعتراف له بحق تقرير المصير، بينما جاءت اتفاقية طالبان مع الولايات المتحدة في وثيقة صغيرة بلغت كلماتها (1550) كلمة ـ نعم كلمة وليس صفحة – وضمنت فيها قيادة طالبان (التي ورد النص في عدة مواقع في تلك الاتفاقية على عدم الاعتراف الأمريكي بطالبان) الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وقد نجحت في ذلك، بدون أن تقبل بتجزئة إقليمها إلى أ، ب، ج ولا إلى نبذ الإرهاب (أي النضال الوطني المسلح ضد الاحتلال) ولا إلى التنسيق الأمني، مقدساً أو غير مقدس.
ثم يطالبنا الأخ أبو الأديب بـ «الكف» عن لغة التشكيك لأنها تؤدي «لزرع بذور الفتنة والفوضى» في الوسط الفلسطيني، وتضر بالحقوق الفلسطينية في «تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة…» لا جدال في أن الفلسطينيين يجمعون على هذه الحقوق ويتمسكون بها، لكن هل الرئيس عباس ـ بدوره – يتمسك بها؟ الواقع يؤكد أن الانقسام في الساحة الفلسطينية حدث في عهد الرئيس أبومازن، ورغم كل الاتفاقيات العشر التي وقعت بين حماس وفتح، لم تنجح في رأب الصدع، حتى إنه في مايو الماضي، ورغم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية (على تفاهتها وعدم مشروعيتها) أبطلها الرئيس بمفرده وبدون الاتفاق أو التشاور مع الأطراف الاخرى، ما عمق الانقسام والفتنة. فمن الذي يزرع الفتنة؟
أما التمسك بالحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة، فلا بدّ أن الأخ أبو الأديب سمع الرئيس وهو يخطب مباشرة على الهواء ويعلن عدم صحة الأنباء التي تتحدث عن رغبة محمود عباس في إعادة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، لاعتقاده أن مثل هذه العوده تغيّر التركيبه الديموغرافية لإسرائيل، ونفى هذه «التهمة» وشرحها بقوله: طالبت فقط بطرح موضوع اللاجئين على طاولة البحث، بدون أن يتمسك بحق العودة، حتى انه تخلّى ـ طوعاً واختياراً- عن حقه الشخصي في العوده إلى صفد. فكيف له أن يدافع أو يتمسك بحق العودة لشعبه المشرّد؟
وختاماً، فإن الأخ أبو الأديب يدرك تماماً أن القضية الفلسطينية في ظل الرئاسة الحالية تعاني من الغياب وتتقهقر لدرجة خطيرة، ذلك أن القياده الفلسطينية الحالية هي قيادة فردية وبيد شخص واحد، ومثل هذه القيادة، مهما أوتيت من عبقرية عُمر وحكمة علي، تظل مصدر خطر كبير على قضيتها، ولا خشبة خلاص للمشروع الوطني إلاّ بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة لمجلس وطني منتخب من قبل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، والذي بدوره ينتخب لجنة تنفيذية جديدة والتي بدورها كذلك تنتخب رئيساً جديداً لها. فهل بادر الأخ ابو الأديب بالقيام بهذه المسؤولية الوطنية قبل فوات الوقت؟
محام وكاتب فلسطيني