هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا للصحفي مارك بينيت، قال فيه إن "نهر بنج فقط يفصل بين أفغانستان وطاجيكستان، ويتدفق على طول جزء كبير من الحدود التي يبلغ طولها 835 ميلا بين البلدين المتجاورين"، لافتة إلى أنه "على جانب واحد من نهر بنج، هناك دولة استولت عليها طالبان، ومن ناحية أخرى، دولة مسلمة فقيرة أخرى ظهرت كواحدة من أكبر منتقدي الحركة الإسلامية".
النهر ضيق للغاية، ويقل عرضه في بعض الأماكن عن 40 مترا،
بحيث يمكن سماع خطب طالبان الدينية وهي تبث من مكبرات الصوت. كان هناك عدد قليل جدا
من القرويين في الأفق، باستثناء الأطفال ومجموعات صغيرة من الرجال الذين يبحثون عن
الذهب على ضفاف النهر.
قال حسن، أحد السكان الطاجيكيين المحليين: "كان
الجانب الأفغاني من نهر بنج يعج بالحياة، كانوا يصرخون ويلوحون لنا من الجانب الآخر.. لكن ساد الهدوء منذ وصول طالبان إلى السلطة".
الحدود الأفغانية الطاجيكية الشاسعة، التي تمتد عبر جبال
بامير المهجورة، تكاد تفتقد إلى حراسة الجيش الطاجيكي، الذي يقتصر وجوده على مجموعة
من أبراج المراقبة والقواعد العسكرية الصغيرة.
وهناك دوريات الجيش النادرة المؤلفة من مجموعات من أربعة أو خمسة جنود طاجيكيين، يحملون بنادق هجومية معلقة على أكتافهم، كل 50 ميلا أو نحو ذلك.
وقال سكان محليون إن مهربي المخدرات والخاطفين المسلحين
يسبحون في بعض الأحيان عبر نهر بنج من أفغانستان على طوافات بدائية مصنوعة من الإطارات
الداخلية.
أثارت الطبيعة سهلة الاختراق للحدود مخاوف أمنية في طاجيكستان،
الدولة السوفيتية السابقة، وكذلك في موسكو، حيث يشعر الرئيس بوتين بقلق مبرر من انتشار
عدم الاستقرار من أفغانستان إلى الفناء الخلفي للكرملين في آسيا الوسطى.
اقرأ أيضا: مسؤول بريطاني يجري محادثات في كابول مع حكومة طالبان
وقال مسؤول بطالبان، مطلع الأسبوع، إنهم سينشرون كتيبة
من المفجرين الانتحاريين للدفاع عن حدود أفغانستان مع طاجيكستان. قال نزار أحمد أحمدي،
أحد ملالي طالبان ونائب حاكم ولاية بدخشان، إن كتيبة عسكر المنصوري نفذت هجمات انتحارية
ضد القوات الأمريكية في أفغانستان. وقال: "هؤلاء أناس ليس لديهم خوف فعلا".
قال بوتين، 68 عاما، الشهر الماضي، إن الانسحاب المفاجئ
للجيش الأمريكي من أفغانستان خلق "تحديات ومخاطر جديدة وحادة حقا" لروسيا
وحلفائها الإقليميين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي منظمة أمنية جماعية تقودها
موسكو، وتضم أيضا أرمينيا وبيلاروسي وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، جميعها جمهوريات
سوفيتية سابقة. كما حذر الزعيم الروسي من أن مسلحين متنكرين كلاجئين قد يتسللون إلى
الدول المجاورة.
طاجيكستان هي العضو الوحيد في منظمة معاهدة الأمن الجماعي
الذي يقع على حدود أفغانستان مباشرة: دوشانبي، عاصمتها الصاخبة، تقع على بعد 110 أميال
فقط شمال الحدود الأفغانية.
يقول المحللون إن الخطر الذي يواجه الكرملين هو أن المسلحين
الذين يعبرون الحدود إلى طاجيكستان من أفغانستان سيجدون أنه من السهل نسبيا شق طريقهم
إلى موسكو ومدن روسية أخرى. شهدت روسيا سلسلة من الأعمال الإرهابية المميتة التي قام
بها متطرفون إسلاميون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها لم تتعرض لهجوم
كبير منذ عدة سنوات.
ازداد شبح العنف عبر الحدود في الآونة الأخيرة، عندما
قال مسؤول في دوشانبي إن الطاجيك من أفغانستان الذين قاتلوا مع طالبان يخططون للعبور
إلى طاجيكستان.
وقال مسؤول في الخدمات الحدودية، تحدث شريطة عدم الكشف
عن هويته، لموقع RFE
/ RL: "نرى تهديدات أمنية معينة من الجانب الآخر
من الحدود، ونحن مستعدون للتعامل معها". وأكد متحدث باسم السلطات الطاجيكية أنه
كانت هناك "شائعات" عن هجوم وشيك.
جاء التحذير وسط خلاف متصاعد بين طاجيكستان وطالبان.
قال الرئيس رحمون، الزعيم الطاجيكي، إنه لن يعترف بحكومة طالبان التي لا تعكس التركيبة
العرقية لأفغانستان. يشكل الطاجيك العرقيون ما لا يقل عن ربع سكان أفغانستان، البالغ
عددهم 38 مليون نسمة، لكنهم يشغلون منصبين فقط من بين 33 منصبا وزاريا في حكومة طالبان
الجديدة المكونة من ذكور.
كما اتهم رحمون، وهو مستبد يبلغ من العمر 68 عاما وكان
في السلطة لما يقرب من ثلاثة عقود، حركة طالبان بارتكاب "عنف رهيب" ضد الشعب
الأفغاني.
لم يتقبل حكام أفغانستان الجدد مثل هذه الانتقادات، وحذر
سلام حنفي، نائب رئيس الوزراء في حركة طالبان، طاجيكستان من التدخل في الشؤون الداخلية
للبلاد. وقالت طالبان في أحد مواقع التواصل الاجتماعي: "لكل فعل رد فعل".
اقرأ أيضا: طالبان تعيّن مسؤولين حكوميين جددا.. ولجنة أمنية لملاحقة داعش
في الوقت الذي تتطلع فيه إلى تعزيز الأمن الإقليمي، تنشر
روسيا عشرات الدبابات والأسلحة الثقيلة الأخرى لتعزيز قاعدتها العسكرية في دوشانبي،
التي تضم حوالي 7000 جندي.
أجرى الجيش الروسي مناورات حربية مشتركة مع القوات الطاجيكية،
فضلا عن تدريبات في قيرغيزستان، حيث توجد قاعدة له أيضا، وفي أوزبكستان المتحالفة مع
موسكو، ولكنها ليست عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وقالت موسكو أيضا إنها ستمنح
طاجيكستان 1.1 مليون دولار لبناء موقع أمامي جديد على حدودها مع أفغانستان.
وعلى الرغم من أن روسيا قد حظرت رسميا حركة طالبان كمنظمة
إرهابية، إلا أن الكرملين اتخذ نهجا براغماتيا في تعامله معها.
وزار مسؤولو طالبان موسكو بانتظام لإجراء محادثات رفيعة
المستوى، وقالت روسيا إنها تأمل في إقامة علاقات جيدة مع حكام أفغانستان الجدد. وفي
تموز/ يوليو، وصف سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قادة طالبان بأنهم "عقلانيون".
من جانبها، أكدت حركة طالبان، المسلحة حديثا بأسلحة أمريكية
مهجورة، لروسيا أنه ليس لديها خطط لمهاجمة جيرانها أو محاولة توسيع أيديولوجيتها الإسلامية
الأصولية عبر آسيا الوسطى.
كما وعدت بمنع الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وتنظيم
الدولة، من استخدام أفغانستان كقاعدة للتخطيط وتنفيذ هجمات في الخارج. يُعتقد أن تنظيم
الدولة في خراسان يجتذب مقاتلي طالبان الساخطين على وعود قيادتهم بتعديل سياساتها الخاصة
بالنساء اللائي يدرسن ويعملن.
غير أن المنتقدين يحذرون من تصديق كلام طالبان. قال محمد
ظاهر أغبر، السفير الأفغاني في طاجيكستان، الذي لا يزال مخلصا للحكومة المخلوعة، خلال
مقابلة في سفارة بلاده في دوشانبي: "طالبان ليسوا أناسا يريدون السلام، وعقولهم
وأفكارهم تميل للحرب، يريدون السيطرة على كل شيء ببندقية".
وشكك أغبر (57 عاما) أيضا في قدرة طالبان على منع القاعدة
والمسلحين الآخرين من شن هجمات خارج حدود أفغانستان، بما في ذلك طاجيكستان. وقال:
"إن الحدود مع طاجيكستان طويلة جدا وغير محمية.. و طالبان نفسها ليست موحدة".
قال كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الشهر
الماضي، إن أفغانستان تحت حكم طالبان يمكن أن تصبح مرة أخرى ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية
التي تهدد أمريكا.
وبحسب التقارير، فقد عرض بوتين أن يسمح لواشنطن باستخدام
القواعد الروسية في قرغيزستان وطاجيكستان؛ للحصول على معلومات أمنية من أفغانستان، لكنه
حذر من أنه سيعتبر نشر القوات الأمريكية في دول الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى
تهديدا للأمن القومي الروسي.
تمت مناقشة اقتراح بوتين في محادثات الشهر الماضي في
هلسنكي بين الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، والجنرال فاليري
جيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وخوفا من احتمال وقوع هجمات إرهابية من أفغانستان، قالت
روسيا أيضا إنها ستقدم مساعدة غير محددة لجهود طالبان التي تعهدت بها لقمع القاعدة
وتنظيم الدولة. المفارقة الكئيبة المتمثلة في إجبار بوتين على الاعتماد، جزئيا على
الأقل، على طالبان لم تغب عن بعض الصحفيين الروس. وكتب موقع آر بي سي الإخباري أن
"روسيا تتعهد بدعم الإرهابيين في محاربة الإرهاب". ولكن تم سحب العنوان في
غضون ساعات.
يجادل المحللون بأنه في حين أن طالبان ستسعى على الأرجح
إلى منع التوغلات عبر الحدود خوفا من الإضرار بعلاقاتها الناشئة مع روسيا والصين، وكذلك
دول آسيا الوسطى الأخرى، فإن الحركة تفتقر إلى القدرة على مراقبة الحدود مع طاجيكستان
بشكل فعال، وهي منطقة لم تسيطر عليها بشكل كامل خلال فترة حكمها الأولى لأفغانستان
من عام 1996 إلى عام 2001.
قال إبراهيم باهيس، الخبير في شؤون أفغانستان في مجموعة
الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية مقرها بروكسل: "من غير المرجح أن تخصص طالبان
موارد أكبر لهذه الحدود؛ نظرا للعدد الكبير من القضايا التي تواجهها". كما حذر
من أنه إذا استمرت العلاقات في التدهور بين طاجيكستان وطالبان، فقد ينتقمون.
وقال باهيس: "إذا اقتنعت طالبان بأن طاجيكستان تلعب
دورا مزعزعا للاستقرار في أفغانستان، فقد تميل إلى السماح للجماعات الطاجيكية المسلحة
باستخدام التوغلات عبر الحدود للعب دور متبادل في طاجيكستان".
هرب أكثر من 1000 جندي من الجيش الوطني الأفغاني عبر
الحدود الطاجيكية في تموز/ يوليو، بما في ذلك 173 جنديا عبروا جسر الصداقة الذي يربط
بين البلدين في منطقة دارفاز. قال أحد حرس الحدود الطاجيكيين الذي شهد وصولهم:
"لقد كانوا مرعوبين". سُمح لهم بدخول طاجيكستان، لكنهم نُقلوا في النهاية
إلى العاصمة الأفغانية كابول قبل دخول طالبان المدينة، وبقيت مصائرهم مجهولة.
أحمد مسعود، زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، وأمر
الله صالح، نائب الرئيس السابق، تم إيواؤهم مؤخرا في دوشانبي. لكن لا أحد يعرف بالضبط
عدد اللاجئين الأفغان الذين فروا إلى طاجيكستان منذ أن بدأت أمريكا انسحابها من أفغانستان.
تم احتجاز عدد من الطيارين الأفغان الذين تدربوا في أمريكا
وأفراد عائلاتهم الذين سافروا إلى طاجيكستان، في آب/ أغسطس، في مصحة في منطقة ريفية جبلية
بالقرب من دوشانبي. تم إرسال لاجئين آخرين إلى مخيم بالقرب من كولوب، وهي مدينة طاجيكية
بالقرب من الحدود الأفغانية، حيث يخضعون للعين الساهرة لأجهزة الأمن؛ حتى يتم إجلاؤهم
إلى دول ثالثة. قالت طاجيكستان إنها غير قادرة على قبول أعداد كبيرة من اللاجئين بشكل
دائم.
تشعر السلطات الطاجيكية بالقلق من أن صعود طالبان يمكن
أن يثير موجة من العنف الإسلامي داخل بلادهم؛ سبق لتنظيم الدولة أن أعلن مسؤوليته عن
الهجمات في طاجيكستان، بما في ذلك مقتل أربعة سياح غربيين في عام 2018. وكان غولمورود
خليموف، قائد الشرطة السابق في طاجيكستان، قد انشق وانضم إلى تنظيم الدولة في عام
2015، وأصبح وزيرا للحرب في التنظيم.
ومع ذلك، في القرى والبلدات الطاجيكية الواقعة على طول
الحدود، لم تكن هناك مؤشرات تذكر على أن الناس كانوا مذعورين من وجود طالبان كجيران
لهم.
قالت امرأة في إيشكاشم، وهي بلدة صغيرة كانت -حتى وقت قريب- موطنا لسوق مزدحم عبر الحدود: "أنا قلقة بعض الشيء بالطبع.. ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ علينا أن ننتظر ونرى".