قضايا وآراء

المساجد تحترق؟!

وليد الهودلي
1300x600
1300x600
أين ذهب دور المساجد في ظلّ احتلال يريد إزهاق روحها وتجفيف ينابيعها وتعطيل دورها وتحويلها الى جثّة هامدة لا نبض فيها ولا حياة؟ لنا أن نتساءل كيف كانت على مرّ كل الانتفاضات الفلسطينية؟ ولماذا أصبحت مجرّد مكان لطقوس شعائرية منزوعة الروح والحركة وإنتاج الفعل؟ وكلّ الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين رأوا بأمّ أعينهم كيف كانت حركيّة بامتياز، وكيف كانت تصدّر الثورة، وفيها يجري البناء الثوري للشباب والفتيان، وكيف كانت ثقافة التحدّي لهذا الاحتلال وزرع روح الانتصار هي السائدة والمهيمنة على ثقافة الخور والدعة والعجز والكسل.

لقد تم الاشتغال على المساجد بمنهجية تراكميّة أوصلتها الى هذا الحال، مكان للتنويم الديني وحتى أن خطبة الجمعة لم تعد إلا للقيلولة وأخذ قسط من الاسترخاء إلا بعض الاستثناءات والتي أُبقي عليها لغاية في نفس يعقوب. وكي أضع يدي على الجرح أقول إن هناك من اعتقد أن الحالة التنافسية السلبية بين أكبر تنظيمين جعلت ساحة المساجد مكانا للصراع وبسط النفوذ، وأن من تكون له السيطرة فإنه يكسب ميدانا كبيرا لصالحه ولم ندر جميعا أنه كما قيل: "بين عبوسة الذئب وابتسامة الثعلب يفنى القطيع".

لقد ضُربت القيم التربوية التي حملها المسجد للناس، وأهمها قيمة الحرية ورفع الجاهزية للتضحية ومقارعة المحتلّ، ولقد استبدلت بالخوف والرهبة وأصبحت المساجد للشباب مكانا لاستجلاب المتاعب والسين والجيم وإلصاق التهم والتعرّض للمهالك. لذلك فإننا أصبحنا نرى المساجد تعجّ بالكهول والشيوخ ويكاد يتلاشى فيها الفتيان والشباب، ولم نعد نرى الأنشطة وبرامج التوعية الدينية وما يعلّق قلوب شبابنا بالمساجد.

والآن ومع انسداد الأفق السياسي أمام غطرسة وعنجهية المحتلّ وتنكّره لأدنى سقف يمكن أن يقبل به الفلسطيني المفاوض، وأمام هذه الحالة التي تحتاج إلى ما كانت تقوم به المساجد من تثوير وتصدير للطاقات الشابّة، ما العمل؟ هل نستطيع تحريك ما نودّ تحريكه بكبسة زر أو بخطبة عصماء لشيخ ثوري؟

ولا ينبغي للمساجد الآن إذا أردنا إعادة دورها أن تكون حكرا لأحد، بل ينبغي تحريرها أولا لتعود قادرة على القيام بدورها، وهذا يتطلّب أن تكون المساجد لله بمعنى:

- أن تعود لدورها الحقيقي كاملا غير منقوص بإدراكنا لمهام المسجد ودوره في حياة الناس، وبشكل خاص في ظل وجود احتلال بغيض يحاول فرض إرادته على كل تفاصيل الحياة الفلسطينية. وهنا تعود القضية المركزية للمسجد هي تحرير الإنسان، وأن التوحيد والحرية هما صنوان لا يفترقان. فمن منطوق كلمة التوحيد التي بُني على أساسها المسجد يجب أن تنبعث وتبنى وتزرع في الصدور قيمة الحرية كقضية مركزية لشعب محتلّ يريد أن يتحرّر من الاحتلال.

- وأن تكون لله تعني أن رسالة المسجد فوق الجميع، ولا يجوز أبدا المساس بها على الإطلاق أو تجييرها لصالح فئة أو حزب أو جهة.

- أن تكون لله تعني أن تفتح للناس مساحة حرّة تمارس فيها قيم الحريّة التي تحرر الإنسان من كل أشكال الخوف والقهر والعجز والكسل والذوبان والضياع الفكري والنفسي والروحي.

- وأن تكون المساجد لله تعني أن رسالة المسجد موحّدة وجامعة للناس وتعبّر عن الروح الجمعية، وأن يجد الكلّ الفلسطيني نفسه في الخطاب العام لرسالة المسجد.

- وقبل كلّ شي أن تكون المساجد لله أن نعمل معا موحّدين وجهتنا هي اعلاء كلمة الله فنخلع ونترك كلّ دعوة جاهلية أو فئوية أو حزبية، واقعيا لا ننكر التعدّد نحترمه خاصة كلّ من قدم الأسرى والشهداء، ولكن الرسالة عامة ولا تدعو مع الله أحدا إلا ما كان في تحقيق مرضاة الله، مخلصين له الدين قولا وعملا وخطابا.

في النهاية، أعلم أن الأمر يبدو صعبا وقد أتهم بأن هذا الكلام نظريّ، وأن المشكلة أعقد من هذا بكثير، ولكن ما العمل؟ المساجد خاوية على عروشها من كلّ ما يجعلها تقوم بدورها، منزوعة الفعل، مغلولة الروح. والخطر القادم كبير، خاصة بعد أن أنذر الرئيس الاحتلال سنة لقيام دولة فلسطين والانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 67 بما فيها القدس الشريف، فلا أقلّ من أن نطلق العنان للمساجد لتفعل فعلها أم ننتظر بعد انتهاء مهلة السنة؟ لا بدّ من إعادة ذاك الخطاب وإعادة الممنوعين من الخطابة لأسباب سياسية، وتشجيع كلّ من يملك القدرة على التعبير عن رسالة المسجد وكل من يريد تقديم نشاط يعزّز القيم الدينية للكبار أو الصغار أو النساء.

المساجد تحترق فلنعد لها نورها في حياة الناس، ونارها على هذا المحتلّ البغيض.
التعليقات (0)