كتاب عربي 21

العلاقات التركية الأمريكية في اختبار جديد

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
نشرت وكالة رويترز للأنباء خبرا قبل أيام حول رغبة أنقرة في شراء 40 من مقاتلات أف-16 من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى شراء معدات لصيانة عدد من الطائرات التي تملكها، بعد إبعاد تركيا من برنامج صناعة طائرات أف-35 وحرمانها من الحصول على تلك الطائرات، بسبب شراء أنقرة منظومة أس-400 للدفاع الجوي من روسيا.

الخبر المفاجئ الذي جاء في ظل استمرار التوتر في العلاقات التركية الأمريكية، يشير إلى أن أنقرة هي التي طلبت من الولايات المتحدة شراء مقاتلات أف-16 بدلا من مقاتلات أف-35، إلا أن هناك مراقبين يرون أن هذه الصفقة قد تكون من اقتراح واشنطن كـ"حل وسط" لتجاوز أزمة مقاتلات أف-35، وعدم تعريض الجناح الجنوبي لحلف شمالي الأطلسي "الناتو" للخطر، حتى وإن جاء الطلب الرسمي من أنقرة.

المبررات التي تقدمها واشنطن لرفض حصول تركيا على مقاتلات أف-35 لا تنطبق على مقاتلات أف-16، وبالتالي، ليس أمام الصفقة أي عائق غير موقف الكونغرس الأمريكي السلبي. ويرى مسؤولون أتراك أن موقف إدارة بايدن من طلب أنقرة "إيجابي"، وأن مهمة إقناع الكونغرس بضرورة إتمام هذه الصفقة تقع على عاتق الإدارة الأمريكية.
المبررات التي تقدمها واشنطن لرفض حصول تركيا على مقاتلات أف-35 لا تنطبق على مقاتلات أف-16، وبالتالي، ليس أمام الصفقة أي عائق غير موقف الكونغرس الأمريكي السلبي

طلب تركيا شراء مقاتلات أف-16 من الولايات المتحدة اختبار جديد للعلاقات التركية الأمريكية المتوترة، وكذلك لموقف واشنطن عموما من حليفها في الناتو. ومن المتوقع أن يؤدي تعاطي إدارة بايدن مع هذا الطلب إما إلى ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة أكثر، وإما إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وواشطن ولو بشكل محدود؛ لأن الولايات المتحدة لا تملك أي سبب يمكن أن يبرر به رفضها للطلب، إن لم تكن تعادي تركيا وتراها خطرا على مصالحها. وبعبارة أخرى، الكرة الآن في الملعب الأمريكي.

تركيا قد تتجه إلى دول أخرى لشراء مقاتلات بديلة لتعزيز قواتها الجوية، في حال رفضت واشنطن طلب أنقرة. ويرى كثير من المراقبين أن تركيا قد تشتري المقاتلات التي تحتاج إليها من روسيا، كما اشترت منظومة أس-400 للدفاع الجوي، لتقترب من موسكو أكثر. إلا أن آخرين يلفتون إلى أن المقاتلات الروسية ليست البديل الوحيد، وأن أنقرة قد تشتري مقاتلات من بريطانيا أو فرنسا. ومهما كان اختيار أنقرة فلن يبقى لدى أمريكا أي سبب للوم تركيا، بعد امتناعها عن بيع مقاتلات أف-16 إلى الأخيرة، علما أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد اعترف بأن الأزمة مع تركيا يعود سببها بالدرجة الأولى لامتناع إدارة أوباما عن بيع منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية، قائلا إنه لا يلوم تركيا على شراء منظومة "أس-400" الروسية.

هناك لقاء مرتقب سيجمع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي جو بايدن في أواخر الشهر الجاري في العاصمة الإيطالية روما على هامش قمة مجموعة العشرين. ومن المتوقع أن يكون هذا الملف على طاولة المباحثات في ذاك اللقاء، ليحدد مسار العلاقات التركية الأمريكية، بالإضافة إلى مصير الصفقة.

تركيا ما زالت ترغب في الحصول على مقاتلات أف-35 التي دفعت قيمتها إلى الولايات المتحدة، كما تأمل في العودة إلى برنامج صناعتها، وهو الخيار الأول، كما أشار إليه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالين. وإن لم يكن الخيار الأول ممكنا فإن الخيار الثاني هو شراء عدد من مقاتلات أف-16، واسترجاع 1.4 مليار دولار أمريكي من واشنطن بهذه الطريقة، بدلا من انتظار تحويل المبلغ المدفوع لمقاتلات أف-35 من الولايات المتحدة إلى تركيا.
الجيش التركي بحاجة إلى تحديث أسطوله الجوي كي لا تصاب قدراته الدفاعية بأي ضعف أو خلل حتى موعد استلامه للمقاتلات الوطنية

الهدف النهائي لتركيا أن تعتمد كليا على الصناعات الوطنية في سد احتياجات جيشها، وهناك عدد من المشاريع يجري العمل فيها على قدم وساق بهذا الاتجاه. ومن تلك المشاريع، إنتاج مقاتلة تركية من الجيل الخامس لتدخل الخدمة خلال سنوات. ولكن الجيش التركي بحاجة إلى تحديث أسطوله الجوي كي لا تصاب قدراته الدفاعية بأي ضعف أو خلل حتى موعد استلامه للمقاتلات الوطنية.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في جوابه على سؤال حول طلب تركيا شراء مقاتلات أف-16، امتنع عن التعليق، قائلا إنه لا يمكن التعليق على صفقات الأسلحة قبل عرضها على الكونغرس. ومن المعلوم أن هناك لوبيات في الولايات المتحدة، كاللوبي الأرمني واللوبي اليوناني، بالإضافة إلى جماعة غولن، التي تسعى إلى عرقلة الصفقة والحيلولة دون حصول تركيا على تلك الطائرات، من خلال الضغط على أعضاء الكونغرس، إلا أن الإدارة الأمريكية هي التي ستقرر في نهاية المطاف أين ستضع تركيا في حسابات الولايات المتحدة وأولوياتها وخارطة علاقاتها الخارجية.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (1)
محلل سياسي متواضع
الأربعاء، 13-10-2021 03:34 م
اعتقد أن من مستلزمات التحليل السياسي إدراك أن الرئيس في أمريكا لا يصنع السياسات و إنما تصنعها قوة غير معلنة تتمثل بالدولة العميقة التي تأتيها تقارير و دراسات مقتضبة من ما يسمى " Think Tank" التي معناها التقريبي خبراء مختصين . الرئيس ربما يعلن السياسات و لكن عليه تنفيذها - بعد تجهيزها من الدولة العميقة حتى و لو خالفت رأيه – من خلال الوزارات و الهيئات التي تخضع لأوامر الإدارة ، لذلك يمكن للمتابع المدقق أن لا يرى فوارق جوهرية بين رئيس جديد و رئيس سبقه إذ على الاثنين الالتزام بالتعليمات الواردة من خارج البيت الأبيض . لوحظت تغييرات إلى الأسوأ أو تدني في مستوى الدولة العميقة و الخبراء منذ الفترة الأولى لجورج بوش الابن منذ مطلع 2001 و حتى اليوم نتيجة عامل موت البشر و استبدالهم بأشخاص آخرين أضعف تفكيراً و أقل ذكاءً و قصر باع في الدهاء و الخبث ، و هذا انعكس على الإدارة التي امتلأت بحشد من التافهين. المعنى أن ألاعيب أمريكا السياسية باتت مكشوفة للكثيرين حول العالم لمدة عشرين سنة. بصفته من الأثرياء و لكونه انجليكاني و بالنظر إلى أنه من (WASP) أي أبيض انجلوساكسوني بروتستانتي ، كان الرئيس ترامب جزءاً من الدولة العميقة و لقد قام بمشاكسة بعض أعضاء هذه الدولة مما أطاح به بعد فترة رئاسية واحدة و كان مما أساء له عندها صراحته المتناهية (مثلاً حين قال عن أحدهم ديكتاتوري المفضل و حين قال عن آخر أنني قد حميت مؤخرته) . أتت الدولة العميقة بالرئيس بايدن المطواع الذي فيه بدايات أعراض الشيخوخة و من ضعفه أنه كاثوليكي و هذا فرق مهمَ في أمريكا . الدولة العميقة "التافهة حالياً" أدخلت أمريكا بمشاكل مع حلفائها و على رأسهم فرنسا "التي تلقت ضربات مؤلمة متعددة من خلال إلغاء صفقات و من خلال طرد من مناطق نفوذ " ، و محاولة إرضائها عن طريق منحها بترول و غاز تونس القليل و عن طريق منحها ثروة العميل الأمريكي الماسوني رفعت الأسد فهذه لا يمكن أن تعوَض خسائر فرنسا . الدولة العميقة في أمريكا ، التي أساءت لفرنسا ، من الطبيعي أن تسيء لتركيا حليفتها في الناتو لكن الحماقة الأمريكية أوصلتها إلى "شبه حالة عداء" . لا يمكن لعاقل أن يفهم وقوف أمريكا إلى جانب جماعات إرهابية تعمل ضد حليفتها الدولة التركية و لا يمكن لعاقل أن يستوعب نزول أمريكا المفاجئ في اليونان تحت ادعاء مواجهة قاعدة حميميم الروسية في سوريا الموجودة منذ سنوات و لا يمكن لعاقل إلا أن يهزأ بسعي أمريكا لتشكيل ما يسمى "ناتو عربي" من أشباه جيوش لا تتقن سوى الهروب من ساحات المعارك . الأخطر من ذلك هو بدء تواجد خمسة من الضباط الأمريكيين جنباً إلى جنب مع ضباط بشار في الساعات القليلة الماضية مع العلم أن مليشيا بشار هي عنوان كبير للفشل و الهزائم في كل ما خاضته من معارك . صرت أميل إلى الاعتقاد بأن أي حرب قد تندلع بين الصين و أمريكا ستتلقى فيها أمريكا هزيمة نكراء قاصمة تزيح من الذاكرة انتصاراتها في الحربين العالميتين الأولى و الثانية . حين قال ماوتسي تونغ عن أمريكا بأنها "نمر من ورق" لم يكن ذلك عبثاً فأداء تلك الدولة في كل حرب خاضتها بعد الحرب العالمية الثانية كان مخزياً لها إلى أبعد الحدود .