سياسة عربية

حكومة بودن في تونس.. تحديات كبرى ومصير مجهول

ضمت حكومة بودن أسماء مقربة من الرئيس التونسي قيس سعيد- الرئاسة التونسية
ضمت حكومة بودن أسماء مقربة من الرئيس التونسي قيس سعيد- الرئاسة التونسية

بشخصيات مقربة من الرئيس وعائلته، وبأسماء برزت في حملته الانتخابية، وأخرى من اختصاصات القانون، تكونت حكومة الرئيس قيس سعيد برئاسة نجلاء بودن، لتنطلق في تسيير مرحلة جديدة بتونس، ودون سقف زمني، بالنظر إلى أنها حكومة استثنائية بعد قرارات الخامس والعشرين من تموز/ يوليو.


واختار سعيد الاعتماد على مقربين منه مثل وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي أدار حملته الرئاسية عام 2019 في ولاية سوسة، وأساتذة قانون مقربين منه، مثل وزير الدفاع عماد مميش.


ولم تعلن بودن في كلمة التكليف الرسمي منذ يومين برنامجا واضحا لحكومتها، فاكتفت بإعلان نوايا متكرر في كل الحكومات المتعاقبة على غرار مكافحة الفساد، واسترجاع هيبة الدولة وثقة المواطن في بلده وحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.


وبعيدا عن النوايا تواجه حكومة بودن تحديات اقتصادية كبرى لم يتم الحديث عنها، إذ تعاني البلاد من أزمة مالية حادة حتى إن شبح الإفلاس يهددها وفق الخبراء، فتعترض أولويات قصوى الحكومة وهي أساسا قانون الموازنة التكميلي للسنة الحالية وقانون الموازنة للسنة القادمة وتوفير 9 مليارات دينار، أي ما يعادل 3.2 مليار دولار، للأشهر المتبقية من السنة الجارية، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في علاقة بقرض رقاعي تعول عليه تونس لتعبئة مواردها وتسديد ديونها الداخلية والخارجية.


وتشرع حكومة بودن في مهامها في ظل وضع اقتصادي دقيق وسياسي مشحون تعارضه أغلب القوى السياسية وكبرى الأحزاب، وتعتبرها غير شرعية، إذ لم تتحصل الحكومة على ثقة البرلمان المجمدة اختصاصاته، ما يجعل مستقبلها محفوفا بالمخاطر، وينذر بفشلها أو حتى سقوطها.


كلام عام


يقول الوزير السابق والقيادي في حزب "نداء تونس" خالد شوكات في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21" بخصوص الأولويات التي تحدثت عنها نجلاء بودن في خطاب التكليف: "في واقع الأمر لم تقم بودن بتحديد أولويات بالمعنى البرامجي للكلمة، إنما عرضت نوايا تبدو طيبة، عبارات عامة، من قبيل استعادة الثقة في الدولة، ومكافحة الفساد والاستجابة لانتظارات المواطنين".


واعتبر خالد شوكات أن حديث بودن "جميعه شعارات كبرى، عادة ما يرفعها جميع من يشتغل في الحقل العام، وتونس بحاجة إلى برنامج حكومي ذي طبيعة انقاذية، محدد في أولويات ونقاط معينة تنفيذها قابل للقياس".

 

اقرأ أيضا: حكومة بودن.. شرعية مفقودة وولادة تحت الضغط (شاهد)

وقال: "إن جرى تبني شعارات سياسية فالأجدر حينها الانتباه إلى أن نقطة ضعف هذه الحكومة بالدرجة الأولى وأحد معوّقاتها الأساسية، هي الجانب السياسي والدستوري والقانوني الذي جعلها حكومة متأزمة ومقعدة منذ ولادتها، جراء أزمة الشرعية التي تعاني منها، والتي ستجعلها حكومة ضعيفة في مواجهة الداخل والخارج معا، بصرف النظر عن الجالسين على مقاعدها، ومن بينهم أكفاء بلا شك".


بينما يرى الناشط السياسي والباحث في التاريخ محمد يعقوب، في حديث خاص لـ"عربي21"، أنه "يبدو أن حكومة الانقلاب ارتكزت على الصورة والشكل أكثر منها حكومة إنجازات وتحقيق أهداف واضحة، ففي مصافحتها الأولى للشعب التونسي نجدها تنساق وراء الخطاب الشعبوي والشعارات التي يكررها قيس سعيد".


وأشار الباحث إلى أن "النقاط المذكورة لم تكن مرفقة بسقف زمني لتحقيقها، ولا بأهداف رقمية لتقييمها؛ فهي ذكرت بخطاب إنشائي ستبقى مجرد شعارات ونوايا إصلاح لا غير".

 

حكومة غير شرعية


من جهته، يقول عدنان الكرايني باحث الدكتوراه في القانون في تحليل خاص لـ"عربي21"، إن "هذه الحكومة هي حكومة غير شرعية، ولا وزن لها دستوريا، ولا يمكن اعتبارها مؤسسة من مؤسسات الدولة، بل هي هيئة تنفيذية للانقلاب وسيكون مصيرها مصير الانقلاب".


وتابع: "لئن كانت بودن قد أعلنت أن حكومتها ستعمل على جملة أولويات، فإن هذا الكلام لا يعدو أن يكون إلا مادة للاستهلاك الإعلامي، والمواصلة في تضليل الناس، بأن الانقلاب سيولي الاهتمام اللازم لمحاربة الفساد، فأنى لهذه الحكومة أن تحارب الفساد وهي أقسمت على احترام دستور هي تعلم علم اليقين أنها انبثقت في ظل انقلاب عليه ومخالفة له".


وتساءل: "أين هو الدستور الذي ستفي بقسمها في احترامه؟ أفلا يعلم هؤلاء الوزراء أن الدستور الذي أقسموا على احترامه كان قد ألغاه سعيد بأمر غريب عجيب، هد فيه كل أبجديات المبادئ الأصولية للقانون؟ ألا يعلمون أن أمر 117 الذي سيبقى في غرائب التاريخ هو الذي ينظم السلطة الآن في تونس وليس الدستور الملغي؟ بأي نزاهة ستقاوم الفساد وهي لم تقدم تصريحا على المكاسب؟ بأي نجاعة ستحارب الفساد وهي بدون أي جهاز يراقبها ويسائلها؟".


وخلص الباحث إلى أن "على الحكومة أن تدرك أنها ولدت ميتة، ولا تقدر إلا على أن تقمع الشعب التونسي وكل صوت حر، وتزيد في تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".


تحديات كبرى


من جهة أخرى، أشار الوزير السابق خالد شوكات، إلى أن تحديات كثيرة تواجه حكومة نجلاء بودن حيث قال: "هناك تحدي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتحدي المديونية التي بلغت سقفا لم تبلغه منذ الاستقلال تقريبا، وتحدي المطلبية فجماهير الرئيس أساسا هي جماهير ذات مطلبية عالية، وتحدي المصداقية في مواجهة الخارج وخصوصا الأطراف المانحة، ذلك أن مصداقية هذه الحكومة مشكوك فيها جراء انبثاقها عن سياق غير سوي".


فيما يذهب الدكتور عدنان الكرايني إلى أن "ظرفية الانقلاب تجعل هذه الحكومة في وجه المدفع. وكأن قائد الانقلاب قيس سعيد أراد أن يجعل من مجموعة أشخاص أكباش فداء لكل الفشل الذي ستخلفه سياسات الانقلاب، وكل ما سيكون في الفترة المقبلة سيضيق الخناق عليها".


واعتبر الباحث أن "الحكومة ولدت في ظل رفض دولي للانقلاب وضغوط اقتصادية وسياسية على سعيد، وكلها تصب في خانة عدم مساندة ما أقدم عليه ليلة 25 يوليو، وهي ليست في محل اختبار حتى تكون لها تحديات".

 

وأضاف أن حكومة بودن "لم يأت بها سعيد للإصلاح، وهذا اعترف به بعظمة لسانه أثناء تنصيبها، فقد قال إن العديد من الدول ليس لها حكومات، بل كتاب دولة، ولكن الدستور فرض حكومة، لذلك كنت قد شكلت حكومة".

 

وتابع الكرايني: "عن أي دستور يتحدث وهو ألغاه وعوضه بنص لا يمكن تصنيف طبيعته؟ التحدي الوحيد لهذه الحكومة هو مزيد تضليل الرأي العام، وتغذية الموجة الشعبوية وخاصة الاستخفاف بعقول الناس"، بحسب قوله.


وأشار إلى أن "قرار تأجيل القمة الفرنكوفونية، دليل على نظرة العالم لهذه الحكومة بعين الريبة والشك، والاقتناع التام بأنها فاقدة للشرعية الدستورية، ولا يمكن التعامل معها باسم الشعب التونسي".

 

اقرأ أيضا: المرزوقي عن اتهامه بإحباط قمة "الفرنكوفونية" بتونس: "أفتخر"

بدوره، قال الباحث محمد يعقوب عن تحديات الحكومة: "عليها سد شغورات في ميزانية الدولة والإيفاء بالتعهدات المتخلدة مع المنظمات الاجتماعية، وأمام غياب برنامج واضح إلى الآن وتطمينات للمستثمرين ستلاقي تعنتا من رموز الاقتصاد الريعي واللوبيات الماسكة بالسوق وهو تحد ليس بالهين".


وأكد محمد يعقوب أن "رهان قرطاج هو استمرار رئيسة الحكومة إلى نهاية العهدة، وهو أمر يبدو صعبا جدا من خلال ما عايشناه خلال السنوات العشر الماضية، فسعيد يعتمد منهج التطبيع مع الأمر الواقع الذي يفرضه تباعا مستفيدا من تشتت جبهة مقاومة الانقلاب، وتفكيك السلط التي تنازعه السلطة أو الضغط عليها للانسياق إلى ما يطلبه".


وتوقع الباحث أنه ومن خلال تركيبة الحكومة وغياب السند السياسي والاجتماعي، "لا يبدو أن لها الإمكانيات للمضي بعيدا، ولا لإخراج البلاد من أزمتها، إلا بالخروج عن خط الرئيس المتعنت وفتح باب الحوار مع كل الديمقراطيين في البلاد لتخفيف الأضرار".


استمرار أم سقوط؟


وعن مستقبل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، وصمودها في المستقبل، وتحقيق نجاحات، قال الوزير السابق شوكات: "بالنسبة لتوقعاتي بخصوص استمرارها، علينا أن نتذكر أن الحكومتين السابقتين (الفخفاخ والمشيشي)، كانتا حكومتين رئاسيتين بالدرجة الأولى، ذلك أن رئيسيها كانا من اختيار سعيّد، ولكنهما لم تتمكنا من الاستمرار أكثر من أشهر معدودة".


وقال: "أظن أن منطق المغالبة ورفض الحوار والاستهتار بالمنظومة الحزبية والسياسية الذي يتبناه الرئيس لا يمكن أن يؤمن مسارا حكوميا طبيعيا، وأن معارك الرئيس التي لا تنتهي تجعل مهمة أي حكومة شبه مستحيلة، حتى وإن تحولت إلى مجرد جهاز شكلي في يد الرئيس كما هو عليه الحال الآن، فالناس ستطالب الحكومة بتحقيق مطالبهم بصرف النظر عن قوتها وشرعيتها، وسيدينونها ويطالبون بإسقاطها بمجرد شعورهم بأنها لم تقم بمهامها على الوجه الذي ينتظرون".


من جانبه، أشار الباحث عدنان الكرايني إلى أن "قيس سعيد هو من أتى بها وهو الذي يقيلها متى أراد ذلك بلا حسيب ولا رقيب، فلا يجب أن نستغرب إذا استفقنا ذات صباح على قرار إقالة الحكومة هكذا بدون أي سبب، فهي ضعيفة جدا من جهة فقدان الشرعية وهي رهينة عند قائد الانقلاب".

 

وتابع: "يمكن لسعيد إقالة الحكومة عند أول أزمة مهما كانت، فيضحي بها ويجعلها مضادا للصدمات، ليخرج كالعادة قيس سعيد بطلا منقذا. فلا يمكن لهذه الحكومة أن تستمر خارج أهواء الرئيس الآن".

التعليقات (0)