هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نحن والمَرارة على وفاق، كأسها الدهاق ينسكب في الحلق وينساب في أرجاء القلب انسياب ريق الأراقم، وتتجدد انسكاباً دونما انقطاع، وتشيع في الخلايا تعباً لا يُخلف ميعاده، على غير المعهود في طبع "الحسان"، فهي معنا كل صباح، تنتظرنا مع رغيف الخبز عند شرائه، وفنجان القهوة عند احتسائه، وتتلطى لنا في انقطاع الماء والكهرباء والغاز والنفط ومشتقاته، وفي زحمة المرور، وتفاصيل العمل، وفي الأسعار التي يعبث بها التجار، ومشكلات الاستقرار وإعادة الإعمار، وفي أشكال الخراب والدمار التي يتقنها الأمَّار.. وتلاحقنا دون كلل حين نقرأ أو نفكر أو نكتب أو نتابع نزيف الدم وعبث العابثين بحياتنا ممن يتأكَّلهم الحقد أو يستولي عليهم الوهم.
والبحث عن صبر وسلوى في ظل قرب انسكاب تلك المرارة في الحلق عسير بل مستحيل، وقد صرنا معها لا نجد حتى في قلب أيوب الزمان قطرة صبر تخفف عنا وطأة زماننا. وهذه التي عَلِقتنا هي ابنة شرعية لوقتنا الذي أمرعت فيه الفوضى وتكاثرت الدِّمن، وتعاظمت فيه شمرخة الاخضرار بلا خُضار، وازدهت رؤوس الشر والإجرام وتراقصت طرباً معتزة بما عملت وحملت وحلمت، مصعِّرة خدودها للخلق والخالق.
وأرانا في هذا المناخ نذوي كالنعناع في الصحراء، ونحس دبيب الفساد في أحشاء كينونتنا والسكون من حولنا، وفي تفاصيل السلوك ومفاهيم الأخلاق والقيم وأصلاب الناس. فالمعايير تختل وتسقط وتخلِّف بسقوطها فراغاً يسمح لكل حاطب في ليل الفساد وقتل العباد بأن يملأه، ويُعْمِل أدواته في الدولة والمجتمع كيفما شاء، ويستنفد طاقاته في التخريب والترهيب والترغيب تنكيلاً بالناس وعلى الصعد كافة.
والحاطبون في ليل شعوب وأوطان يوغلون في الغِي والطغيان والبغي، ويلِغون في "دم" من المفتَرَض أن يصان، ويفتكون بالأمل في كل نفس تتطلع للحياة بأمل، ويفسدون القيم والثقافة والحضارة. وأولئك الحاطبون بليل يفعلون كل ما بوسعهم ليفسدوا الحياة ويستنزفوا الأحياء، وليحيلوا كل عدل وحق وقيمة، وكل بناء وحيوية ونهضة إلى أثر بعد عين. ويعملون بكل الجد والحرص والثبات على استمرار المناخ الفاسد، وعلى أن يدْلَهمَّ ليل الفساد وينتشر الرعب وتعم الفوضى، لأن في ذلك حياتهم ومكاسبهم والحمى الذي يلوذون بظلاله، لأنهم يُكشفون تماماً إذا ما أسفر صبح، وأشرق وعي، وجد جد، ورسخ معيار صحيح، وارتفعت حكمة حاكمة، وسادت قيمة سليمة، وتراتب الناس على أسس من صلاح أمرٍ ورأي ودقة مقياس للكفاءة والإخلاص، وتقويم سليم للخُلق والفعل والموقف والإنتاج والإبداع.
وإذا استمر هذا التخبط أكثر مما استمر وأنتج من معاناة، وعمَّ خطبه وطم، وتفاقم اختلال المعايير وسقوطها في مجالات السياسة والإعلام والاقتصاد والاجتماع عموماً، وفي الفكر والثقافة والإبداع خصوصاً.. فإن كل ثقة معرضة للاهتزاز، وكل أمل في الإصلاح إلى اضمحلال، وكل بناء يؤول إلى سقوط.. إذ كيف يُحكم في ظل غياب المِعيار أو فساده وإفساده؟!
وكيف يطمئن الناس إلى قول أو فعل أو قيمة أو حُكم وهم يرون الفِصام الفاضح بين الحكمة والحكم، بين المعيار والقيمة، بين القول المعلن والفعل المَعايَن، بين المصرح به والمبطَن بكتمان.. وهم يقفون صباح مساء على اختلال واضح في رسم صورة ما هم فيه وما هم عليه، وما يُقدم أحلاماً وأؤهاماً وما يعيشونه حقيقة ويستقر في الوعي ويرسخ في أرض الواقع؟! وكيف لا يداخِلهم الشك وهم يرون المواقف والأحكام والآراء تتغير مائة وثمانين درجة، حسب هوية الشخص وتبعيته الخارجية أو الداخلية، وموالاته "للعشيرة الحديثة، ومنطق الفتنة المقيتة"، ومدى قربه أو بعده من الشخص "المعيار"، صاحب الأمر والنهي والقرار.؟!
ومتى بحق الله كان هوى أي شخص "معياراً" سليماً مطلقاً آبداً؟! أليس الأشخاص والأفعال والسلوك هي التي تُعرَض على المِعيار الذي رسخ بجهد جمعي، عبر تجارب وتضحيات واستخلاص عصارات فكر نير، وأصبح قوانين وأنظمة وقواعد عمل، وأخذ مصداقية وقيمة ومرجعاً تصدر بموجبه أحكامُ قيمة؟! أليس الأشخاص، لاسيما في فترة فساد الزمان وفقدان الأمان، عرضة لأقصى ما يمليه الهوى وما تجر إليه المَصلحة من زيغ في الرأي وزوغان في الرؤية وزلزلة في الحكم، إذا لم تكن هناك معايير واضحة وسليمة ومحترمة ومستقرة وحاكمة، يلتزمون بها ويستندون إليها فتعصمهم من الزلل وتعصم غيرهم من الظلم والخَطَل؟!
إن كل شخص عرضة للتغير وفق أهوائه أو أهواء آخرين، أياً كان الشخص، إذ لا عصمة مطلقة.. بينما المِعيار المحروس بالوعي، والمُطور بحوار منطقي وبرأيٍ علمي ـ معرفي ـ جمعي، لا يتغير إلا بتغير معطيات موضوعية، ووفق أصول يتفق عليها أولو القدرة والحكمة والخبرة والمكانة من الناس، فيأتي التعديل والتغيير والتطوير حسب أصول.
ويكون ذلك لمصلحة المجتمع، ولتحقيق مزيد من العدل والحرية والكرامة والنعمة، ومزيد من الدقة والسلامة والصلاح والشمول والفاعلية للمعيار الذي يستند دائماً إلى قيم وقواعد وأصول وقوانين ثبت صلاحُها للحياة وصلاحُ أمر الحياة والناس وشؤونهم وإبداعهم بها.
لقد كان قول أرسطو وما زال، سليماً وصحيحاً، حيث قال: "خير للناس أن تحكمهم شرائعُ جيدة جداً من أن يحكمهم شخص جيد جداً". وإذا كنا نعاني الأمرين من خلل المعايير والقيم أو غيابها في شتى مناحي حياتنا وعملنا وتعاملنا، ونعلق أهمية على دور الكلمة والثقافة والأدب والفن في إشاعة المعرفة وترسيخ الوعي بأهمية المعايير والقيم وسلامتها، وبمركزية الوعي المعرفي وضرورته ليقوم به التجديد والتطوير على أسس معيارية ومعرفية سليمة.. فإن غياب تلك المعايير والقيم والأحكام السليمة في مجالات الثقافة عموماً والأدب والفن خصوصاً، يغدو أشد شيء خطراً على الإبداع والإنسان، على الحاكم و "المحكوم"، على المجتمع والدولة، وعلى العتماد الإنساني المُتبادَل.. لأن قيمة المعيار وسلامته وحسن تطبيقه واحترامه خلال الفعاليات البشرية التي تؤثِّر في تكوين الفرد والجماعة والدولة والحضارة، يوازي سلامة القضاء وصلاح الحكم من حيث الضرورة والأهمية لمجالات الحياة العامة وللناس كافة في دولة تستحق هذا الاسم ومجتمع بشري متعاون.
كان قول أرسطو وما زال، سليماً وصحيحاً، حيث قال: "خير للناس أن تحكمهم شرائعُ جيدة جداً من أن يحكمهم شخص جيد جداً".
وحين نجد داء فساد المعيار مستشرياً وامتهانه قائماً ومستفحلاً في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وأدبية وفنية، ونجده مجال لغو وعبث ولهو في مجالات سياسية وإعلامية وثقافية تصدر أحكام قيمة وآراء منحازة، وتقويما على أرضية مريضة بأمراض معروفة موصوفة، وتقيم تراتبية مزاجية ـ ميليشاوية للإنتاج وقيمته وأهميته ومن ثم للأشخاص المنتجين ودورهم وفعاليتهم ومكانتهم، وتسيء فهمَ المضامين والأهداف والغايات، وتقدم مسوِّغات للرأي ومستندات للحُكم مشوهة تماماً.. فإننا نشعر كم هي مشوهة صورتنا بنظرنا ونظر الآخرين، وكم هي الحاجة إلى إعادة صوغ المفاهيم والأحكام والتارتبيات على أسس سليمة لكي يقوم لدينا بناء متين متكامل، بناء: "معرفي، منهجي، أخلاقي.. فكري وإبداعي، قومي ووطني واجتماعي وإنساني".
إننا حيثما وأينما توجهنا نجد أولئك الذين يهمهم أن تسود الفوضى ويعمَّ الضياع ويدْلَهم ليل الحطابين بليل.. نجدهم أحرص ما يكونون على استمرار الفوضى والفساد وإفساد الذوق، وعلى التشتت والهزال، والقتل في الظلام والظلال، والإفقار والتجويع والتركيع.. لأنهم أعجز من أن يجدوا مكاناً لهم حين يسفر الصبح، وتسطع الشمس، وتصحّ الرؤية، ويشعر المواطن ـ الإنسان بقيمته وكرامته ودوره وحقيقة ما له وما عليه. وأولئك المحتطبون بليل شعوب ودول يمارسون التقويم والنقد والتقدير منطلقين في ذلك من زاوية رؤية غاية في القصور والضيق، ومن أرضية "حُكم" فئوي قاصر ومنحاز، يمليه الهوى والولاء "للعشيرة الحديثة" والفتنوية المميتة، ويحمل هشاشة معارف وقيم ومعايير وسوء أداء ومخاطر ترويج وترسيخ..
وهم يمارسون طقوس التعظيم والتقزيم والإنارة والتعتيم والتشويه والتشويش وكل ما يرون أنه يفيدهم في فرض من/ وما يمت "لعشيرتهم الحديثة" بصلة من الأقربين والمقربين والفتنوين والمفتونين في ساحات كثيرة وميادين، دونما تفريق بين وسيلة ووسيلة، فالغاية لديهم تبرر الوسيلة، وخير الأداء ما نجح حتى لو دمر وذبح؟!. وعندما يكتفي الآخرون المؤهلون الأَكْفاء القادرون بالتفرج على هؤلاء "البُناة؟!" على فساد بجهل وغطرسة وإفساد، ويقبعون في زوايا الصمت فإننا عندها لا نقف على أعتاب الكارثة بل نزحف إليها زحفاً، ولا نلج مداخلها بل نتهاوى إلى قيعانها، ولا نكون أمام عبث ضائعين بل أمام أخبث صنف من المُخربين والجاهلين والمجرمين والمافيويين العابثين بأمن الناس وحياتهم وعقوله وأذواقهم ومصائرهم..
أمام صنف من الناس يخلط الأوراق لتضيع الحقائق، ويرفع المُحسن والمسيء من أبناء "عشيرته الحديثة وفتنويته المقيتة" إلى مرتبة الاعتبار القصوى، ويهبط بالمُحسن وبالمسيء من غير أولئك إلى "الحضيض" الأقصى، ويروج نظرته وتقويمه وحكمه على أنه النهائي وما لاىتيه الباطل من أي جانب. وموقفه هذا قد يجر أبناء "عشائر العصر الحديث الأخرى، وفتنويه ـ وما أكثرها وأكثرهم ـ إلى زوايا الظلام، أو إلى مواقف وآراء وأحكام مماثلة.. وكل هذا ينعكس سلبياً على الحقائق والوقائع والأجيال، وعلى المعايير والقيم والإنتاج والأشخاص، فتضيع الأمور، وتضطرب الأحكام، ويصعب الإصلاح لأن المفسد يحتل موقع المصلح؟!.. فكيف يصلح شأن الناس من يفسده؟! عن قصد أو عن غير قصد، وكيف تغدو الكلمة منقذة وبانية وهي تُستنبَت في دِمَن أنفس، وتُشوِّه مواقعَها ومواقفَها ومفاهيمها ومراتبَها نفوسٌ دِمَن؟!
إن الفاسد لا يُصلح نفسه ويحتاج إلى من يصلحه، وهذا ينطبق على الأحكام والآراء والأشخاص والأعمال على المعايير والتيارات والمعلومات والمؤسسات و..إلخ
لقد أثر فساد المعايير، بل غيابها عن حياتنا الثقافية، في فعالية العقل والعلم والكلمة والرأي وفي مستوى الإبداع، تأثيراً سلبياً، وأصبحت الدعاوى "الإعلامية ـ الإعلانية" التي تمارس نوعاً من أحكام القيمة، دون موضوعية ومستند من معرفة أو أهلية أو قيمة، أو حتى اطلاع في حالات.. أصبحت "تُعلي" شأناً و"تحط" شأناً، تحجب "شمسَاً أو تجعلها تشرق.. وكل ذلك على أساس من هوى ومصلحة وولاء وانتماءات لعشائريات حديثة وقديمة معاً، وعلى أسس أكثر ضيقاً وأشد بؤساً من ذلك أحياناً..
وأصبحت هناك سياسات وشخصيات وأجهزة ومؤسسات لا تتهيَّب من الافتراء والاختلاق والتشويه بل تراه شطارة ومهارة، ويصل الأمر ببعضها / بعضهم، بكل بساطة، إلى حد حذف أقوال وأشخاص أو تحويرها ورسم صورة لأشخاص ومجتمعات ومقاومات ودول وأمم لتغدو ما يريدون منها ولها أن تكون.. وكل ذلك يتم في وضح النهار، وتحت سمع الناس وبصرهم، وبعلانية وحماية.
إن الوجه (الإعلامي ـ الإعلاني ـ الحزبي ـ العشائري ـ الطائفي ـ المذهبي ـ الفئوي.. إلخ) الذي يقدم لساستنا ومجتمعنا، لأدبنا وفننا وثقافتنا، بل لحياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، أصبح زائفاً بمقدار، ومضحكاً ومدمراً بشكل لا يحتمل.. وهذا حال يستدعي مواجهة ومواقف أخلاقية ووطنية مسؤولة، والنظر إليه بوصفه ضرورة تتطلب ظروفاً استثنائية للإنقاذ والاستنقاذ.
ولا يكتفي بعض أبناء "العشائر الحديثة والفتنويات المقيتة" بذلك بل يمارسون رقابة من نوع تبدو معها الديكتاتوريات الفكرية غاية في الديمقراطية والحرية، فهم يتسلحون بسلاح غيرهم ويقتلون في الظلام. في محميات وحِمى تعود السيادة فيه شكلاً إلى "رقابة" تنسب إلى الدولة بينما هم من يقومون بالفعل الناجز ويمسحون أفعالهم بالوجهات التي يعملون من خلفها، وينفذون في أحيان كثيرة ما هو ضار بمصلحة الثقافة الوطنية والقومية، وبمفاهيم الحرية والهوية والانتماء لأمة في تربة تاريخها وجغرافيتها ومقومات شخصيتها الثقافية المتمايزة عن غيرها من الأمم.. إنهم يمارسون المحو والقتل ويقبعون تحت ستار من الأمن والأمان والاطمئنان.. ومنهم مَن يتربعون في حضن السلطة، ويضربون بسيفها، ويأكلون خيرها، وينتفون ذقنها، ويصفون سواهم بأنه من "أزلامها".. وفوق ذلك يدّعون أنهم ضدها، وأنهم يضحكون عليها؟! وذلك نوع من أداء أحزاب وأشخاص وتنظيمات تنتشر في أوساط ضحلة، تسبح في الزيف الرَّائن، وتتعلق بالمزيَّف وتقرِّبُ المزيِّف.. وهكذا يرتفع المخادعون ويرتعون ويعبثون ويوجهون خطاباً ظاهراً لؤلئك المستميتين عليه ويمثلون أمامهم أدواراً يستطيبونها ويغسون خناجرهم في الخواصر؟!.
ومن عجب أو رَهب أو "رَغَبة" أن يسير جميع مهول في هذه "الزفة" المزيَّفة التي انعكست وتنعكس على مصداقية القول والعمل والإنسان، على مصداقية الفكر والأدب والفن والثقافة والإعلام، ومن ثم على تربية أنتجت أجيالاً تكتسحها المرارة، وأصبحت وطأتها ثقيلة ونتائجها وبيلة على حياتنا وحيويتنا ومعاني الصحة والسلامة والنقاء في كل ما نريده وما نحققه وما نكونه وما نتطلع إليه.
إن الوجه (الإعلامي ـ الإعلاني ـ الحزبي ـ العشائري ـ الطائفي ـ المذهبي ـ الفئوي.. إلخ) الذي يقدم لساستنا ومجتمعنا، لأدبنا وفننا وثقافتنا، بل لحياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، أصبح زائفاً بمقدار، ومضحكاً ومدمراً بشكل لا يحتمل.. وهذا حال يستدعي مواجهة ومواقف أخلاقية ووطنية مسؤولة، والنظر إليه بوصفه ضرورة تتطلب ظروفاً استثنائية للإنقاذ والاستنقاذ.
وفي مواجهة ذلك نحتاج إلى جبهة واسعة، داخلية وخارجية، أخلاقية واعية ومنتمية ومسؤولة تعمل على إعادة النقاء والوضوح لكل شيء.. جبهة تحترم الإنسان وحقوقه وحرياته وقيمه وعقيدته، تكشف الزيف وتطلب من كل أن يلبَس الثوب الذي يريد لكي تسقط الأقنعة وتتضح الوجوه، ويَصْلُح المناخُ الرأيوي.. ويعمل كل من يريد أن يعمل بوضوح وعلنية تحت ظل المعيار السليم والانتماء الوطني الصريح والقيم الوطنية والشرف.. حتى يأخذ الرأي والموقف ومن ثم المعيار مكانته ودوره واحترامه، ويعرض عليه القولُ والعمل والموقف والإنتاج والإبداع برضا وثقة، في ظل استقرار القيمة واحترامها والإخلاص لها والاطمئنان في الاحتكام إليها.. وذلك في ضوء الانتماء السليم للأمة وقيمها وثوابتها وقضاياها ونضالها ومعاناة جماهيرها، ولثقافتها وهويتها في مقوماتها الرئيسة وعلى رأسها الدين واللغة والخصوصيات التي تمايزها ـ ولا أقول تميزها ـ عن غيرها من الأمم.. وفي ظل احترام تام للإنسان على أرضية مُواطَنة صحيحة وسليمة في أطر وطنية تحتكم للحقيقة الثابتة عبر التاريخ ألا وهي "لا وطنية خارج حدود التاريخ والجغرافية والانتماء لأمة".