في مقاله الذي نشره بعنوان "أقوالي" في جريدة التحرير بتاريخ 7 كانون الثاني (يناير) 2012، أشار الكاتب الثوري آنذاك إبراهيم عيسى إلى شهادته التي أدلى بها أمام النائب العام في آذار (مارس) 2011 حول تورط الشرطة
المصرية في قتل المتظاهرين إبان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير).
بعدها بعامين فقط وتحديدا في 14 كانون الثاني (يناير) 2014، كانت شهادة الزور التي أدلى بها الكاتب المؤيد للسيسي إبراهيم عيسى أمام محكمة جنايات القاهرة في القضية التي بُرِّئ فيها مبارك وأجهزته الأمنية من تهمة قتل المتظاهرين في أيام الثورة الأولى.
ما بين الشهادتين، كان التحول الكبير في مواقف إبراهيم عيسى من المجلس العسكري والإخوان وحركة شباب السادس من إبريل، بل تغير خطاب الرجل تجاه ثورة يناير التي كان من أوائل المشاركين فيها والداعمين لها إلى النقيض تماما والهجوم على الثورة واتهام بعض المشاركين فيها بارتكاب جرائم لم تحدث إلا في مخيلة الأجهزة الأمنية وإبراهيم عيسى.
في الأشهر الأولى من عام ألفين وأربعة عشر، كان الذراع الإعلامي إبراهيم عيسى يخوض غمار معركة من نوع آخر، فقد وقع عليه الاختيار برفقة آخرين ليكونوا متحدثين باسم السيسي وأشرف على التواصل معهم اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي آنذاك بتنفيذ مباشر من المقدم أحمد شعبان مدير مكتب عباس كامل في ذلك التوقيت. كان عيسى على موعد مع غسل سمعة السيسي العسكرية ومحاولة تبييض صورته الدموية وتقديمه بشكل مدني لطيف محبب إلى قلوب المصريين ولا ننسى اللقاء التلفزيوني الشهير الذي جلس فيه إبراهيم عيسى بجوار لميس الحديدي كتلاميذ أمام عبد الفتاح السيسي إبان ترشحه لرئاسة الجمهورية بعد الانقلاب العسكري، لا يسمح لهم بالسؤال إلا بإذن ولا يمكن لهم مقاطعة حديث السيسي إلا بموافقته.
مرت السنوات واستطاع شاهد الزور أن يكسب مساحة كبيرة لدى عباس كامل والسيسي، فتحول رويدا رويدا من صحفي كبير كنا ننتظر بشغف مقالاته في الدستور أيام حكم مبارك، إلى مسخ يردد ما يملى عليه من النظام، يحاول التقرب إلى الحاكم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالنفاق تارة، بالهجوم على المعارضين تارة، بالكذب في حق الآخرين تارة، ثم مؤخرا بالهجوم على أي شيء له علاقة بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد تحت غطاء أنه كاتب تنويري مثقف يقود توجه الدولة لتجديد الخطاب الديني.
" لماذا أدخل صيدلية لأجد الصيدلي يجلس على مكتبه وهو يقرأ القرآن؟".
كانت هذه آخر صيحات مجدد الخطاب الديني إبراهيم عيسى، فهذا الصيدلي سيكون عرضة للتطرف لأنه على حد زعم عيسى قد علموه في الكلية أهمية علم الحديث فخرج ممسكا بكتاب الله ولم يجلس ليقرأ في مرجع للأدوية.
في كل صيدلية مصرية كتاب صغير باللغة الإنجليزية اسمه Index أو دليل الأدوية وهو دليل استرشادي يتم استخدامه للتعرف على المادة الفعالة في الأدوية وهل يوجد لها بدائل أم لا، ولكني لم أرَ في حياتي أو أسمع عن صيدلي يجلس في أي دولة في العالم داخل الصيدلية ليقرأ مرجعا في علم الأدوية، وهل مشكلة إبراهيم عيسى أنه كان يقرأ القرآن فقط؟ وهل لو كان هذا الصيدلي مثلا ممسكا بهاتفه المحمول أو يقرأ مقالا من مقالات إبراهيم عيسى أو يتحدث مع زوجته، هل كان وقتها رجلا بريئا في نظر عيسى؟
في 31 من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2015، نشرت مواقع أجنبية تقارير تفيد بأن أحد أسباب سقوط الطائرة الروسية في سيناء كان إهمالا جسيما من الجنود المكلفين بفحص أمتعة المسافرين، حيث أوضحت بعض الصور أنهم كانوا مشغولين بلعب "كاندي كراش" على هواتفهم المحمولة، حاولت البحث كثيرا عن أي ردة فعل للكاتب المثقف جدا إبراهيم عيسى بخصوص هذه الجريمة فلم أجد ولن أجد، فالرجل لا يتحدث إلا في المساحة التي سمحوا له بها.
إبراهيم عيسى مع حذف خانة الديانة، مع تدريس النصوص المسيحية إلى جوار النصوص الإسلامية، لا يرى في الجهر بالإفطار في رمضان أزمة، ويؤمن بأن السلفيين هم أول من أدخل الذبح في الثقافة المصرية، يرى بأن الكليات العلمية هي بيئة خصبة للتطرف، ويؤكد على أن مهرجان الرياض للترفيه من أهم خطوات محاربة
التطرف في المنطقة.
شاهد الزور الذي أصبح ذراعا إعلاميا للسيسي يحاول أن يكون رأس حربة الخطاب الديني الجديد والذي لا أرى أي علاقة بينه وبين ديننا الحنيف لا في تعاليمه أو أخلاقه أو مقاصده.