هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن أسلوب القمع الجديد الذي تمارسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد منتقديها الذي يتمثل في تصنيف جماعات حقوق الإنسان منظمات إرهابية.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التصنيف الأخير لست منظمات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان ضمن قائمة الإرهاب من قبل وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، كان الخطوة الأحدث في حملة طويلة الأمد هدفها إسكات منتقدي انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وبالنظر إلى وجود نظام عالمي قوي لمكافحة تمويل الإرهاب، فإن من المرجح أن يؤثر هذا التصنيف على الدعم المالي الذي تتلقاه منظمات حقوق الإنسان في فلسطين، ما يجعلها غير قادرة على القيام بعملها.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، وفي ظل تواصل الاحتلال الإسرائيلي واستجابةً للتقارير الدؤوبة ودعوات مجموعات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، فقد بدأت المنظمات الدولية والمحاكم في اتخاذ خطوات غير مسبوقة نحو محاسبة المسؤولين الإسرائيليين.
وفي سنة 2004، مثلا، قضت محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار الإسرائيلي. ونظرت لجان تحقيق دولية مختلفة في جرائم الحرب خلال الحروب الإسرائيلية المتتالية في غزة. وبدأت المحكمة الجنائية الدولية النظر في تهم جرائم الحرب. وهذه السنة، أفادت هيومن رايتس ووتش بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري والاضطهاد، وكلاهما جرائم ضد الإنسانية. وتضامنت العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني العالمي مع الفلسطينيين من خلال حملات المقاطعة الاقتصادية غير العنيفة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات لمحاسبة إسرائيل.
اقرأ أيضا: الاحتلال يوقع أمرا عسكريا لملاحقة 6 مؤسسات حقوقية بالضفة
وذكرت المجلة أن الحكومة الإسرائيلية أدركت أن الانتقاد العالمي لانتهاكاتها سيجعل الحفاظ على الاحتلال أكثر صعوبة. وبدأت الجماعات اليمينية في إسرائيل بمهاجمة منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأصبحت أهدافًا لسياسة الحكومة مع وصول حكومة نتنياهو إلى السلطة في سنة 2009. وخضعت المنظمات المستهدفة للتدقيق ووقع استهداف مموليها وواجهت حملات تشويه لا هوادة فيها في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وفي سنة 2015، قررت الحكومة الإسرائيلية منح وزارة كاملة التفويض لتنسيق الجهود الدولية لقمع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني العالمي. هذه الوزارة، التي أطلق عليها اسم وزارة الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية العامة، ووقع دمجها منذ ذلك الحين في وزارة الخارجية، ركزت على قمع وإسكات منتقدي إسرائيل في جميع أنحاء العالم.
ولحمل الحكومات الأخرى على اتخاذ إجراءات صارمة ضد منظمات الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا الشمالية، فقد احتاجت الحكومة الإسرائيلية إلى شركاء. وتمثل أحد الأدوار الرئيسية لوزارة الشؤون الاستراتيجية في تنسيق وتمكين مختلف شبكات المنظمات في مختلف البلدان حول العالم.
وشمل ذلك شبكة من حوالي 170 منظمة يهودية ومؤيدة لإسرائيل في جميع أنحاء العالم، مع شبكات محددة مخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي والساحة القانونية. وتسعى هذه المنظمات المترابطة إلى إسكات المعارضة بطرق مختلفة، أولها إقناع الحكومات الأجنبية بتبني تشريعات تستهدف منتقدي إسرائيل.
وأكّدت المجلة أن التشريع ليس سوى إحدى الطرق التي تستخدمها شبكة القمع التابعة للحكومة الإسرائيلية، حيث يقع رفع دعوى قانونية ضد منظمات المناصرة في محاولة لاستنزاف مواردها أو تجريمها - طريقة أخرى. وقامت وزارة الشؤون الاستراتيجية بتمويل منظمة تسمى المنتدى القانوني الدولي تعمل على دعم جهود الحرب القانونية في جميع أنحاء العالم.
ولا يهم ما إذا كانت الادعاءات زائفة تماما، فالهدف هو وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في موقف دفاعي وتشويه سمعتهم ومهاجمة أو ترهيب الجهات المانحة لهم واستنزاف وقتهم ومواردهم في الدفاع القانوني.
اقرأ أيضا: TI: دول أوروبية رفضت ملفا سريا إسرائيليا لتجريم جميعات فلسطينية
ورُفعت دعاوى مضايقة ضد منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، بما في ذلك ضد مجموعات مثل مركز كارتر وأوكسفام والصندوق الجديد لإسرائيل، ويمكن ربطها مباشرة بشبكة القمع المنسقة للحكومة الإسرائيلية. وسيسعى أعضاء هذه الشبكات الآن إلى استخدام هذا التصنيف الإسرائيلي كأحدث أداة مناصرة في جهودهم لإقناع الحكومات الأوروبية بإقصاء المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان.
ويتمثل التكتيك الآخر في الاستعانة بالقوانين الحالية أو تعديلها. وتسعى هذه الاستراتيجية، مثل التشريعات المناهضة للمقاطعة الاقتصادية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، إلى استخدام القوة القسرية للدولة ضد المعارضين. ولكن على عكس التشريعات المناهضة للمقاطعة، فإن هذه الجهود تهدف إلى تجنب تحديات حرية التعبير.
وأشارت المجلة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين لا يخجلون من الاعتراف بشبكة الرقابة. ففي سنة 2019، تفاخر وزير الشؤون الاستراتيجية أمام تجمع من حلفاء الشبكة بأن القوانين القمعية في عشرات الولايات الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وأكثر من 50 دعوى قضائية قد وقع تحقيقها "بفضل التزامكم وتفانيكم وجهودكم الدؤوبة، مع وزارتي وجميع الهيئات ذات الصلة في الحكومة الإسرائيلية".
وأشارت المجلة إلى أن تصنيف إسرائيل لستّ منظمات مجتمع مدني فلسطينية منظماتٍ إرهابية مثل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة للقضاء على المعارضة من جماعات حقوق الإنسان. وكانت هذه المجموعات في طليعة المدافعين عن مطالب محاسبة القادة الإسرائيليين وراء انتهاكات حقوق الإنسان. وربما يكون غانتس قد فعل ذلك لأن دعواتها أمام المحكمة الجنائية الدولية قد تؤدي إلى محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب أثناء قصف غزة.
وفي أيار/ مايو من هذه السنة، وجهت الحكومة الإسرائيلية تهمة مؤامرة شائنة لمهاجمة جميع المجموعات الست، ودعت الأوروبيين إلى التوقف بشكل أساسي عن تمويل معظم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية الرئيسية. وقدمت الحكومة الإسرائيلية ما يسمى بالأدلة السرية على مزاعمها، لكن الأوروبيين رفضوها.
وأفادت المجلة بأنه بعد مراجعة الملف الذي قدمه الإسرائيليون، فقد أعلن وزير الخارجية الهولندي أنه لم تُقدم "أدلة ملموسة على الروابط" المزعومة. وبالمثل، في تموز/ يوليو، أجرى البلجيكيون مراجعة لنفس الادعاءات المقدمة من قبل الإسرائيليين وخلصوا إلى أن الملف لا يحتوي على "أي دليل مادي ملموس على وجود احتيال محتمل".
ويُظهر تحقيق كبير في الملفات الإسرائيلية المسربة المقدمة إلى الحكومات الأوروبية بالضبط سبب عدم تصديق هذه المزاعم. فقد وجد العديد من الصحفيين المقيمين في إسرائيل الذين اطلعوا على الوثائق التي قدمتها وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز المخابرات التابع لها إلى الأوروبيين أنهم "فشلوا في تقديم أي وثائق تربط بشكل مباشر أو غير مباشر المنظمات الست" وأن المزاعم استندت إلى إشاعات معدّلة.
ولطالما سعت إسرائيل إلى تصوير نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكن سياسات الفصل العنصري في الداخل تسخر من هذه الديمقراطية، كما أن جهودها القمعية التي تستهدف مجموعات المجتمع المدني ومموليها الأجانب تضعها في تحالف مع الأنظمة الاستبدادية، ما يوفر أسبابا كافية لواشنطن لتستبعدها من قمة بايدن القادمة من أجل الديمقراطية.
وفي الختام، نبهت المجلة إلى أن المستبدين في جميع أنحاء العالم يسعون إلى إسكات المعارضة خارج حدودهم بطرق مختلفة. وقد يختار البعض استعمال مناشير العظام أو وضع قطرات البولونيوم في الشاي، لكن شبكة القمع الإسرائيلية تسعى إلى تحقيق نتائج مماثلة بطرق أكثر تعقيدًا دون إلحاق ضرر كبير بسمعتها. ولا ينبغي للمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين السماح لأي حليف بتنفيذ مثل هذه السياسات القمعية دون عواقب.