قضايا وآراء

هل يكون 14 نوفمبر يوما فاصلا بوجه الانقلاب في تونس؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
1- الشارع يقض مضجع الانقلاب

شهد شارع بورقيبة في العاصمة التونسية منذ إجراءات 25 تموز/ يوليو الاستثنائية؛ العديد من التحركات الاحتجاجية ضد انقلاب قيس سعيد على المسار الديمقراطي الذي دخلته تونس بعد هروب الرئيس السابق ابن علي يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011. وقد كانت الوقفة الاحتجاجية يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أكثر حضورا شعبيا وحماسة وتصميما على مواجهة الانقلاب بكل الأساليب المتاحة والمشروعة. وقد كانت تلك الوقفة رسالة للداخل والخارج مفادها أن ما يقال من كون التونسيين مع الانقلاب ليس صحيحا، فمسيرة 10 تشرين الأول/ أكتوبر المعارضة للانقلاب كانت أكبر من مسيرة يوم الثالث من نفس الشهر والتي كانت مساندة لقيس سعيد.

معركة الشوارع - رغم مخاطرها - مهمة في صناعة أمر واقع وحسم مقولتي الأغلبية والأقلية، ومهمة أيضا في تنبيه غرفة عمليات الانقلاب إلى كون الشارع لم يقبل بالأمر الواقع ولم يسلم رقبته للانقلابيين.

قيس سعيد الذي لا يصغي إلا لنفسه ولا يقبل بنصيحة أو نقد، لم يتعامل مع المحتجين باعتبارهم مواطنين تونسيين، بل تعامل معهم كـ"مرتزقة" أخرجتهم الأموال والمنافع الآنية. وتلك إهانة لعشرات آلاف التونسيين، وهو ما لا يليق صدوره عن رئيس دولة يُنتظَرُ منه ألا يُقسّم أبناء شعبه بين ملائكة و"شياطين" كما فعل في كل مرة.
مواطنين تونسيين، بل تعامل معهم كـ"مرتزقة" أخرجتهم الأموال والمنافع الآنية. وتلك إهانة لعشرات آلاف التونسيين

ولمزيد إحكام قبضته على الدولة يحاول قيس سعيد إخضاع السلطة القضائية عن طريق التهديد والاتهامات بالرشوة والفساد، يريد استعمال القضاء أداة لـ"تأديب" معارضيه من خلال فبركة الملفات وتكييف التهم واستعجال الإجراءات والأحكام، ولعل أسوأ مثال على ذلك هو استصدار بطاقة جلب دولية بحق الرئيس التونسي السابق، الدكتور الحقوقي المنصف المرزوقي.

2- يقظة المجتمع المدني

"بطاقة الجلب" تلك جلبت على سعيد ردود فعل داخلية وخارجية كثيفة وقوية أيضا، وقد صدرت بيانات وعرائض إدانة من أحزاب ومن شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية وثقافية لها وزنها وطنيا ودوليا، مثل:

- عياض بن عاشور، استاذ القانون الدستوري، نائب لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

- سهير بلحسن، الرئيسة الشرفية للفدرالية الدّولية لحقوق الإنسان.

- كمال الجندوبي، الوزير الأسبق والرئيس الشرفي للشبكة الأورومتوسطية للحقوق.

- خديجة الشريف، الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.

- محي الدّين شربيب، رئيس اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس.

- سناء بن عاشور، رئيسة جمعية بيتي.

- رامي الصّالحي، مدير مكتب البلدان المغاربية للشبكة الأورومتوسطية للحقوق.

- بشرى بلحاج حميدة، ناشطة حقوقية وعضوة سابقة بمجلس نواب الشعب.

- مسعود الرمضاني، ممثل اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس.

- بسام الطريفي، محامي ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

- خميس الشماري، سفير تونس السّابق لدى اليونسكو.

- منية بن جميع، الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.

- وحيد الفرشيشي، أستاذ القانون الدستوري ومدير قسم القانون العام والعلوم السياسية في كلية العلوم القانونية بتونس.

- خليل الزاوية، رئيس حزب التكتل الديمقراطي.

- فرج فنيش، موظف سامٍ سابق بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
معارضو انقلاب قيس سعيد ليسوا فقط حركة النهضة وحلفاءها، وإنما هم كل أنصار الديمقراطية والحرية ومدنية الدولة؛ من علمانيين ويساريين ونقابيين ومثقفين وحقوقيين وقادة أحزاب وصناع رأي عام. وهذه الحقيقة هي التي أربكت قادة غرفة عمليات الانقلاب، إذ كانوا يراهنون على خروج الإسلاميين للشوارع لمواجهة الأمن والعسكر فيتم طحنهم

إيراد قائمة في هذه الأسماء مهم جدا لتأكيد أن معارضي انقلاب قيس سعيد ليسوا فقط حركة النهضة وحلفاءها، وإنما هم كل أنصار الديمقراطية والحرية ومدنية الدولة؛ من علمانيين ويساريين ونقابيين ومثقفين وحقوقيين وقادة أحزاب وصناع رأي عام. وهذه الحقيقة هي التي أربكت قادة غرفة عمليات الانقلاب، إذ كانوا يراهنون على خروج الإسلاميين للشوارع لمواجهة الأمن والعسكر فيتم طحنهم، كما حدث مع الإخوان في ساحة رابعة.

ومما ورد في بيان هذه الشخصيات: "تذكيرهم رئيس الدولة الحالي بان الزيغ عن أهداف الثورة من منهج تشاركي في الإصلاح والتفريق بين السلطات و من حماية للحريات العامة و الفردية والصراعات السياسية العقيمة، إضافة إلى الإجراءات التي اتخذها هو نفسه منذ 25 تموز/ يوليو 2021، مع ما صاحبها من محاكمات عسكرية للمدنيين ومنع مواطنين من السفر ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية دون أذون قضائية أو حتى أسباب معلنة، وكذلك الاعتداءات على الدستور والهيمنة على كل مفاصل الدولة؛ هي التي ستؤدي إلى مزيد تشويه سمعة تونس في الخارج وتعمّق عزلتها".

3- غرفة عمليات الانقلاب تتحسس طريق الخلاص

يبدو أن غرفة عمليات الانقلاب قد بدأت تستشعر اتساع دارة الرفض داخليا وخارجيا، وخاصة انسداد منافذ الدعم المالي بعد خيبة رئيسة الحكومة إثر زيارتها للمملكة العربية السعودية واستنجادها بالدول "المُناحة" دون جدوى.

لقد كانت كلمة قيس سعيد في اجتماع مجلس وزرائه يوم 4 من الشهر الحالي مفاجئة للمراقبين، حيث لأول مرة لم يوجه اتهامات ولم يطلق شتائم وسبابا، بل بدا منشرحا باشّا، ولأول مرة يخاطب "كل التونسيين والتونسيات في الداخل والخارج"، ولكن للأسف لم تكن المناسبة دعوة لحوار وطني أو لتقييم المرحلة، ولكن كانت لطلب الإسهام في إنقاذ المالية العمومية بالتبرعات.

من يشتم الناس وينعتهم بأبشع النعوت لا ينتظر منهم دعما واستجابة، فقد كانت الصفحات الاجتماعية طافحة بسخرية أصحابها من طلب الرئيس وهم يذكرونه بمفردات قاموسه الجارحة.
سعيد الذي وعد التونسيين مرارا بأن الأموال موجودة وبأنه سيستعيد الأموال المنهوبة ولن يفرط في مليم واحد؛ ها هو يعلن عجزه ويستنجد بعموم المواطنين يطلب منهم تعبئة الخزينة، وحين لم يجد استجابة ها هو يلجأ إلى طباعة أوراق نقدية لتوفير السيولة وتسديد أجور الموظفين

قيس سعيد الذي وعد التونسيين مرارا بأن الأموال موجودة وبأنه سيستعيد الأموال المنهوبة ولن يفرط في مليم واحد؛ ها هو يعلن عجزه ويستنجد بعموم المواطنين يطلب منهم تعبئة الخزينة، وحين لم يجد استجابة ها هو يلجأ إلى طباعة أوراق نقدية لتوفير السيولة وتسديد أجور الموظفين.

فقد لاحظ متابعون أن مبالغ كبيرة الحجم دخلت للحساب الجاري للخزينة وفي زمن قياسي، إذ بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 كانت الموجودات في حدود 197 مليون دينار، لتقفز يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 إلى 1978 مليون دينار، أي بزيادة تناهز 1780 مليون دينار.

والسؤال: ما هو مصدر هذه الأموال؟ موقع البنك المركزي لا يقدم إجابة عن هذا السؤل، فلم يدخل قرض داخلي أو خارجي جديد للخزينة العامة، ولم تبق إلا إجابة واحدة ممكنة: طباعة أوراق مالية دون قيمة حقيقية.

وقد حذر رجال اقتصاد من مخاطر اللجوء إلى ضخ أوراق نقدية في السوق دون قيمة اقتصادية حقيقية، ولعل هذا ما سيجعل غرفة عمليات الانقلاب تستشعر عجزا حقيقيا عن "الصمود" أكثر أمام الصعوبات المالية الخانقة، وغياب أي أمل في مساعدة أصدقاء ممن وعدوا أو ممن علق عليهم الانقلاب أحلاما.

فقد نشر البنك المركزي في السادس من هذا الشهر أن رئاسة الحكومة تُجري مفاوضات مع بنك النقد الدولي للحصول على قروض، وهو ما يؤكد أن قيس سعيد يشعر باختناق وحصار لن يقدر على مواجهته بشعاراته التي ظل يواجه بها حتى مؤسسات التصنيف المالي حين وصفها بـ"أمك صنافة"، وراهن على سياسة "التقشف" التي دعا الحكومة والشعب إلى اعتمادها.

4- هل يحسم التونسيون مع الانقلاب يوم 14 نوفمبر؟
قيس سعيد الذي وقف على نفق المرسى موجها طمأنة للعالم بكونه يمسك بزمام الأمور؛ قد يكون في نفس اللحظة أرسل صورة لا تليق بدولة بعراقة تونس وبذكاء شعبها

بدأت دعوات التحشيد منذ يومين لوقفة شعبية حاسمة في محيط البرلمان التونسي رمز الشرعية والمسار الديمقراطي، وقفة سيحضرها نواب قام قيس سعيد بتجميد مهامهم، ويُنتظر أيضا حضور الأستاذ راشد الغنوشي باعتباره رئيسا للبرلمان لا بما هو رئيس حركة النهضة، وهو حضور له دلالته السياسية ورمزيته النضالية بالنظر إلى مكانة الرجل وعلاقاته إقليميا ودوليا.. هذه الوقفة يُنتظر أن تكون الأكثر جمهورا والأوسع تنوعا، خاصة إذا أحسن معارضو الانقلاب تنظيم صفوفهم وترتيب أولوياتهم.

وقفة 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري هي بالتحديد رسالة إلى الخارج لتكشف زيف شعبية قيس سعيد، ورسالة إلى التونسيين حتى لا تنطلي عليهم دعايات الشعبوية التي تحاول تقديم قيس سعيد زعيما ملهما وقائدا مخلصا.

دائما التحولات الكبرى تسبقها تسويات في الخفاء، فهل استعد معارضو الانقلاب إلى ما بعد قيس سعيد؟

قيس سعيد الذي وقف على نفق المرسى موجها طمأنة للعالم بكونه يمسك بزمام الأمور؛ قد يكون في نفس اللحظة أرسل صورة لا تليق بدولة بعراقة تونس وبذكاء شعبها، ورواية "الأنفاق" في وعي التونسيين مرتبطة بشخوص زافة خاوية.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)