هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على الرغم من أن الإسلاميين في السودان قد حكموا البلد نحو ثلاثة عقود كاملة، إلا أن تجربتهم كانت في أغلبها تعكس طبيعة المواجهة مع النظام الدولي، الذي تحفظ ولا يزال يتحفظ على إشراك الإسلام السياسي في الحكم.
أما الآن وقد انتهت تجربة الإسلاميين في السودان، فإن ذلك يسمح بإعادة قراءة التجربة وتأملها، وليس هنالك طريقة أكثر قربا من معرفة أسرار واتجاهات الحركة الإسلامية السودانية وأكثر صدقا من قراءة تجارب وأطروحات قياداتها.. وهذا ما فعله القيادي فيها الدكتور أمين حسن عمر، بسلسلة مقالات يسجل فيها سيرة قيادة الحركة الإسلامية في السودان، تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في سياق تعميق النقاش ليس فقط حول تجارب الإسلاميين في الحكم، وإنما أيضا في البحث عن علاقة الدين بالدولة.
علي الحاج النشأة والتكوين
ولد علي الحاج محمد عام 1939 في منطقة منواشي والتي تبعد حوالي (50) كيلو مترا من مدينة نيالا التي انتقل إليها والده ليعمل بالتجارة.
درس مراحله التعليمية الأولى والوسطى بمدينة نيالا، والتحق من بعد بمدرسة خور طقت الثانوية بمدينة الأبيض، وقد فصل من المدرسة هو وتسعة من زملائه الإسلاميين بسبب نشاطهم السياسي. لكن الحركة استقبلتهم في الخرطوم واستأجرت لهم منزلا ليواصلوا سنتهم الثانوية الأخيرة من منازل الخرطوم، حيث اجتازوا جميعا امتحان الشهادة السودانية بامتياز.
ودخل علي الحاج كلية الطب جامعة الخرطوم بتفوق، ثم كان عضواً باللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم قبل فصله عام 1963م بسبب نشاطه السياسي.
ويحفظ لعلي الحاج أنه كان أول من رفع النداء بالأذان في داخليات الجامعة وكانت الصلاة تقام صلاة جماعة بغير أذان. وعاد بعد فصله من الجامعة ليتخرج من كلية الطب في عام 1966م. وعمل طبيباً بعد التخرج بكل من مدن الجنينة، زالنجي، نيالا، سنار، حلفا الجديدة، وكركوج، ثم ابتعث للتخصص في أمراض النساء والولادة بلندن. وحدث انقلاب مايو في 1969 واعتقلت كل قيادة جبهة الميثاق فقرر علي الحاج البقاء في المنفى بلندن ليشارك في معارضة نظام الرئيس السابق جعفر نميري، لكنه عاد إلى البلاد بعد المصالحة الوطنية.
نشاطه النقابي والسياسي
وكان ممن أيد المشاركة بالاتحاد الاشتراكي فعمل عضواً باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي عام 1978، إضافة إلى نشاطه النقابي بنقابة الأطباء والجمعية الطبية الإسلامية، ومن ثم عينه نميري وزيراً للخدمات بإقليم دارفور في الفترة من 1980 ـ 1982 في حكومة أحمد إبراهيم دريج عندما صار واليا على الإقليم، وعلاقة علي الحاج ودريج قديمة تعود إلى الستينيات عندما أسسا معا جبهة نهضة دارفور فكان أحمد دريج رئيسها وعلي الحاج سكرتيرها العام.
وقد عاد علي الحاج لممارسة الطب وزاول العمل السياسي إبان المشاركة في الاتحاد الاشتراكي، وكان ممن شارك في تأسيس منظمة الدعوة الإسلامية سنة 1980، وعمل بالمنظمة عضواً بمجلس الأمناء وكذلك عمل بالوكالة الأفريقية للإغاثة (نائباً للمدير).
يحفظ لعلي الحاج أنه كان أول من رفع النداء بالأذان في داخليات الجامعة وكانت الصلاة تقام صلاة جماعة بغير أذان.
وبعد الانتفاضة في 1985 كان من ضمن المجموعة القيادية التي أسست الجبهة الإسلامية القومية والتي كلفته بملف الجنوب وبعدها صار أميناً للمكتب السياسي. وخاض التنافس الانتخابي في 1986 ممثلاً للجبهة الإسلامية في إحدى دوائر نيالا لكنه أخفق في دخول الجمعية التأسيسية، ورغماً عن ذلك اختارته الجبهة ممثلاً لها في حكومة السيد الصادق المهدي وزيراً للتجارة في عام 1988.
بعد قيام حكومة الإنقاذ أمسك علي الحاج بملف السلام والمفاوضات في الجنوب ثم عين وزيراً للصناعة والاستثمار ثم وزيرا لديوان الحكم الاتحادي عند تأسيس الحكم الاتحادي وظل وزيرا للحكم الاتحادي حتى جاءت الفاصلة في خواتيم العام 1999 واختياره الدكتور الترابي نائبا للأمين العام في المؤتمر الوطني.
وبعد الفاصلة خرج عام 2001 من السودان ليبقى علي الحاج في مهجره لاجئا سياسيا في ألمانيا حتى عام 2016. عاد للسودان في آذار (مارس) 2016 معزيا في وفاة الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ الدكتور حسن الترابي ثم عاد إلى ألمانيا لترتيب أوضاعه وللعلاج ومن ثم عاد إلى السودان بصورة نهائية للمشاركة في فعاليات المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي في آذار (مارس) 2017. وتم انتخابه أمينا عاماً للمؤتمر الشعبي.
والدكتور علي الحاج ظل كادرا قياديا نشطا منذ تخرجه من الجامعة وكان أبرز رموز وقيادات دارفور السياسية بعد الراحل دريج. وقد كان له دور كبير في تطورات العملية السلمية في السودان وتطور النظام الفيدرالي والذي أشرف على تأسيسه من موقعه وزيرا في ديوان الحكم الاتحادي. ثم كان من أنشط مساعدي الترابي قبل وبعد المفاصلة على صعيد العلاقات السياسية الداخلية والعلاقات الدولية.. ويحمد له موقفه المساند بقوة للدكتور الترابي في جهده لإنجاح الحوار الوطني.
ولئن بقي د. علي الحاج في معتقله بكوبر في القضية المسماة بانقلاب 1989 فهو يبقى بسبب إشفاق المنافسين المتنفذين في الساحة السياسية من قدرته على التحريك والتأثير السياسي وهو الأمر الذي يصدق كذلك على قيادات من أمثال نافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه وأحمد هارون فك الله أسرهم جميعا وجعل لهم من بعد عسر يسرا.