صدر عن الدار التونسيّة للكتاب هذا الأسبوع،
كتاب جديد بعنوان "بورقيبة والقضيّة
الفلسطينية وامتداداتها العربيّة (1938ـ 1978): واقعيّة رياديّة أو تنكّر للقضيّة"، للمؤرّخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي.
وقد قدّم للكتاب، الذي يتقصى بدقة المؤرخ
العلاقات التونسية-الفلسطينية، وتحديدا في مرحلة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة باعتباره الرئيس الأول لتونس بعد الاستقلال، والذي قاد البلاد من عام 1956 إلى عام 1987، المؤرخ الهادي التيمومي الأستاذ المتميّز بالجامعة التونسية.
يقول التيمومي في تقديمه لكتاب الحناشي: "يُنبئ هذا البحث عن جهد واستنباط، وهو بحث من الأبحاث التي تجلو صَدَأَ الأذهان، ورصفُه حسنٌ ومكسُوّ بأجزل عبارة. وما يُحسب لصاحبه، حرصه على الاعتدال في الأحكام، رغم حساسيّة الموضوع، إذ رغب عن أحكام لا تستَند إلى قرائن، وجنّب نفسه الشطط والغلوّ، مبدؤه في ذلك تقدير الأشياء حقّ قدرها وتنزيلها منزلتها التي هي بها جديرة".
وأشار إلى أن عنوان أي كتاب، يعتبر العتبة الأولى لدخول النص، ومنه نستشفّ وميضا خاطفا عن مضمون الكتاب، وإلا فلا أهمية له سوى أنه إسم باهت لمسمّى. وعنوان هذا الكتاب موفّق وشيّق وهو: "بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية (1938ـ 1978) واقعية ريادية ام تنكّر للقضية".
وقال: "يكشف هذا العنوان إشكالية موقف بورقيبة من قضية العرب الأولى، وهو الموقف الذي كان له منذ رواجه عام 1965 الكثير من الذيوع والدوران على الألسنة والأقلام، بين متحاملِ بعنف شديد، ومُؤيّد بِتستّر أو بصفة علنية".
وأضاف: "كان بورقيبة أول زعيم سياسي عربي، يطالب العرب بالاعتراف بإسرائيل، وذلك في تصريح يوم 7 شباط (فبراير) 1952 لجريدة LE FRANN TIREUR الفرنسية، كما كانت له اتصالات ببعض زعماء اليهود والصهاينة في العالم. وبعد حصول تونس على استقلالها عام 1956 تمسّك بورقيبة بنفس الموقف من القضية الفلسطينية، إذ كان مقتنعا بانه يستحيل على العرب هزم إسرائيل لأنها تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وكل العالم الغربي، وكذلك العالم الاشتراكي (سابقا)".
وتابع: "دعا بورقيبة الفلسطينيين يوم 3 آذار (مارس) 1965 باريحا، إلى التكفل بقضيتهم وعدم التعويل على العرب، وإلى تطبيق سياسة المراحل في مقاومة إسرائيل، والنظر إلى موازين القوى في العالم بكل واقعية، وقبول الحلول الوسطى، والشرعية الدولية التي بعثت اسرائيل للوجود رغم أنها شرعية ظالمة (القرار 181 الصادر في عام 1947 والقرار 194 الصادر عام 1948 حول تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، وحول حقّ اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى ديارهم التي طردتهم منها العصابات الصهيونية)".
ورأى التيمومي أنه وبعد عقود من هذا الخطاب الذي استفظعه كل العرب الذين كانوا آنذاك تحت سطوة مصر الناصرية عاد العرب وأغلب الفلسطينيين للإفصاح عن إعجابهم بحنكة بورقيبة السياسيّة السابقة لعصرها، وبالتحسّر على عدم قبولهم موقفه عام 1965.
ولذلك أكد التيمومي أنه "ليس صدفة أن يختار الفلسطينيون، الاستقرار مؤقّتا بتونس، بعد أن هجّرتهم اسرائيل بالقوة من لبنان (سبتمبر 1982)، كما أنه ليس صدفة كذلك أن يقبل العرب أن تكون تونس عاصمة لجامعة الدول العربية منذ نيسان (أبريل) 1979، وذلك بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات، الصلح المنفرد مع إسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد) وقد عيّن كذلك التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما لجامعة الدول العربية".
وأضاف: "على غرار الموقف الواقعي الريادي من القضية الفلسطينية، كان بورقيبة يؤمن أن الوحدة العربية التي رفع لواءها عَاليا، الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لا ينبغي أن تكون وحدة اندماجية منذ الوهلة الأولى، بل لا بدّ من مرور فترة طويلة من التعاون الاقتصادي والثقافي قبل قيام أية وحدة سياسية بين دولة عربية وأخرى، أما الوحدات الاندماجية المتسرّعة مثل تلك التي وقعت بين مصر الناصرية وسوريا، فلا يمكن أن يكون مصيرها إلا الفشل الذريع".
وأنهى التيمومي تقديمه قائلا: "جماع القول، إن الكثرة المتكاثرة مما كُتب، إنما هي شيء من الدوي الذي تركه هذا السياسي الفذ وراءه أو هي رجعه وصداه، وهي دوي مسترسل لا يهدأ إلى اليوم ولا أدلّ على هذا من كتاب عبد اللطيف الحنّاشي، المقاتل السابق في صفوف المقاومة الفلسطينية الذي جرّب ’السيف‘ وها هو يجرّب الآن بنجاح ’القلم‘".