هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مجلة "فورين بوليسي" إن الأمور تبدو جيدة بالنسبة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، فقد تحدث معه الملك عبد الله الثاني وزاره وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد والتقى مدير المخابرات السعودي خالد بن علي الحميدان مع نظيره السوري حسام لوقا في القاهرة.
وأشارت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أنه وبعد 10
أعوام على قمع الأسد للتظاهرات السلمية بالقوة، يبدو أن التيار يسير لصالحه، لافتة
إلى أن الطريقة التي استعاد فيها رضى العالم من جديد تثير التساؤلات.
وشددت على أن الحرب التي جرت في سوريا، هي
الأكثر توثيقا في التاريخ وبوجود إثباتات عن استخدامه الأسلحة الكيماوية. إضافة
إلى الدعم الدبلوماسي الذي قدمته الصين وروسيا لنظام الأسد في مجلس الأمن بالأمم المتحدة
والدعم العسكري الروسي والإيراني، وبدونه كان الجيش السوري الذي فقد نصف قواته عام
2013، سينهار.
واستفاد النظام من فشل التدخل العسكري في
أفغانستان والعراق وليبيا، مع أن هذه الحروب حدثت في ظل ظروف مختلفة. لكنها سوابق
تم استحضارها لرفض خيار التدخل وحتى قبل مطالبة المعارضة السورية به.
وقالت المجلة: "بناء على هذه السوابق يمكن
فهم عدم التحرك العسكري ضد الأسد، لكن العملية الدبلوماسية الزاحفة، من الصعب
تفسيرها أو تبريرها".
ورغم التوقعات أن يسير بشار على خطى والده حافظ
الأسد، في انتظار تغيير الآخرين لمواقفهم، إلا أن هناك استثناءات لهذه السياسة،
والتي حدثت في عام 1990 عند انهيار الاتحاد السوفيتي ومواجهة تهديد وجودي، وكذلك
عام 1990 عندما هددت تركيا بتدخل عسكري بعد عدم قدرتها على تحمل دعمه لحزب العمال
الكردستاني المصنف لديها تنظيما إرهابيا ومنحه الملجأ الآمن على أراضيها.
وأضافت المجلة: "إلا أن النظام بالغ في
القمع خلال العقد الأخير من الحرب، فهجومه الكيماوي عام 2013 والذي قتل فيه أكثر
من 1400 شخص كان خرقا للخط الأحمر وانتهاكا للمعايير الدولية وترك تداعيات أبعد من
سوريا. وكانت هذه الأزمة كافية لأن تجبر الأسد على التنحي عن السلطة، لكنه انتظر
مرورها وتجاهل الالتزامات المفروضة عليه من كيري- لافروف عام 2016 والتي طالبته
بالتخلي عن برامجه الكيماوية، وخلافا لهذا صعد من الحرب واستمر في استخدام السلاح
الكيماوي".
وأشارت إلى أن لعبة الانتظار التي مارسها الأسد
يمكن فهمهما عبر نظرة أنصاره إليه باعتباره "أقل الضررين"، وهي نظرة ظلت
قائمة ما بين 2013 وحتى هزيمة تنظيم الدولة، وهو التنظيم الذي جعل الناس ينسون
مذابح الأسد والتعذيب في السجون وإن كان على قاعدة أوسع. وعندما يقدم النظام نفسه
على أنه لاعب عقلاني مستعد للدخول في حوار استراتيجي، فإنه يستطيع الانتظار حتى
تنجلي موجة التركيز السلبية.
ونبع نجاح النظام من إقناعه اللاعبين الدوليين
بأنه مهتم بإدارة البلاد فقط وأن العنف ضروري ولو كان مفرطا من أجل الحفاظ على
البلد. ونجح النظام بسبب تمسك اللاعبين الدوليين بالأماني واستعدادهم لتصديقه. فقد
افترضوا أن الأسد سيتعامل بشكل بناء عند نقطة ما وبدون ضغط خارجي. والخيار بالنسبة
لهم هو بين الأسد والفوضى أو بين الأسد وتنظيم الدولة وأن عملية الانتقال السياسي
ستحصل بتعاون الأسد فقط.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات عام 2011، ركز النظام
جهوده الدبلوماسية، وبشكل رئيسي على الأمم المتحدة، إما لأنه لا يثق برجاله أو
بسبب القيود المفروضة عليهم للسفر. وطالما اتسمت السياسة السورية الخارجية
بالتشعب. ومن أجل التعامل معها بجدية، استخدمت عائلة الأسد عددا من الأساليب، فقد
أقام حافظ الأسد، وعلى مدى سنين علاقات مع لاعبين من غير الدول، من فلسطين، لبنان،
تركيا، العراق والأردن والذين يمكن تفعيلهم لتعزيز فرصه الدبلوماسية واستمر هذا مع
ابنه بشار، فنقل الجهاديين إلى العراق عام 2003 والسنوات اللاحقة والاغتيال
السياسي لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري أهم مثالين موثقين حتى الآن.
ولأن
النظام يريد أن يتم التعامل معه كقوة مهمة للاستقرار في المنطقة، فإنه وبطريقة
متناقضة ظاهريا يعمل على زعزعة الاستقرار، ويحصل على نتائج. ونجحت الإستراتيجية في
لبنان، وعبرت عدة إدارات أمريكية عن استعداد لغض النظر عن اختراق النظام للجهاديين
ونقلهم للعراق من أجل استهداف القوات العراقية. ومن بين جيران سوريا، استطاعت
إسرائيل ولمدى محدود وتركيا الدفاع عن نفسيهما.
ومثل بقية الأنظمة الديكتاتورية، كان الأسد
مستعدا للتساهل مع المعارضة الداخلية، طالما ظلت صغيرة ومنقسمة وعملت ضمن معايير
مقبولة. لكنها تصبح تهديدا له عندما تتحول إلى حركة ثورية سلمية بمطالب حقيقية
للتغيير السياسي وتقدم بديلا سلميا، وعليه فقد تحرك بقسوة لقمعها. ففي عامي 2011
و2012 اغتال النظام ممثلين جذابين للحركة السلمية مثل إبراهيم قشوش وغيث مطر،
متجاهلا عن قصد الجهاديين الذين استطاعوا استخدام الإفراج عنهم من السجون وتوسيع
شبكتهم. فمهما كانت البدائل عن الأسد، ديمقراطية الرؤية وناشطين بنوايا حسنة فإنهم
واجهوا المحو أو تشويه سمعتهم على الأقل. ونجحت هذه الإستراتيجية جيدا مع
"الدفاع المدني" أو "الخوذ البيضاء".
وكان القصد من هذا هو خلق التشويش وزرع الرعب
بين المراقبين، من أنه لا يوجد رجال طيبون بين المعارضة، بحيث يتساءل الدبلوماسيون
والساسة والبقية فيما بينهم بأنهم ربما يضحون بالاستقرار من أجل بدائل سيئة. وتم
استخدام حوادث إرهابية غامضة في سوريا ولبنان وتركيا لتخويف المراقبين من البديل
القادم.
وقالت المجلة "ففي سلسلة من الهجمات
الإرهابية بمدينة ريحانلي التركية، كان لدى المدانين فيها علاقات مع النظام
السوري. وكان من السهل على الأسد استخدام شبكة الظل لتخويف لبنان الذي احتله حتى
عام 2005. وفي 2012 اعتقل الوزير السابق ميشيل سماحة بتهمة محاولة وضع 20 قنبلة
أثناء زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى شمال لبنان. وكان الغرض تصوير
الهجوم على أنه محاولة مسلمين ضد مسيحيين، ونقل عن سماحة قوله هذا ما طلبه
بشار".
وأضافت: "وقف خلف هذه المؤامرة علي مملوك
المنسق لعدد من أجهزة الأمن السورية والمستشار الأمني للأسد. ولو نجحت لحرضت على
اللاجئين السوريين في لبنان ولأدت إلى حرب طائفية. وكان خلفها رسالة إلى الحكومة
اللبنانية: لو ذهبنا فستذهبون أيضا. وبدأ النظام بالتعويل على القوة العسكرية من
حزب الله، فالجيش كان في حالة يرثى لها بدون معدات وقوى بشرية بسبب الانشقاقات،
ولهذا اعتمد على الشبيحة وقوات النمر لتنفيذ المذابح وعلى حزب الله المنظم في
ميادين المعارك".
ورفض الأسد تخفيف الضغوط على حزب الله الذي بنى
صورته بأنه حركة مقاومة لإسرائيل، وبات يواجه سخطا في قواعده حول قراره القتال في
سوريا. ولم ير الكثيرون أي معنى للقتال والموت من أجل الأسد، هذا إذا أضفنا السخط
العام من وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان.
ولم تكن محادثات جنيف واللجان الفرعية سوى
مسرحا للمسؤولين السوريين كي يتسوقوا في أوروبا. وعبر المبعوث الدولي الصبور غير
بيدرسون عن خيبة أمله من نتائج الاجتماعات.
ومن جانب آخر، استخدم النظام المساعدات
الإنسانية كسلاح، في حلب الشرقية حتى عام 2016 والغوطة الشرقية حتى عام 2018 حيث
رفض تلبية مطالب الأمم المتحدة بوصول المواد الغذائية للمحاصرين، وسمح بوصول عدد
محدود من الشاحنات وقام بقصف المواطنين الذين كانوا ينتظرون في أماكن التوزيع. وهو
ما يدعو إلى الخوف: فالدبلوماسية التي تتكيف مع نزعة الأسد القتالية هي رخصة
لتوسيع انتهاكات حقوق الإنسان.
ومما يدعو للقلق الشديد أن اللاعبين الذين
يدعمون حملة التقارب مع الأسد لا تهمهم حقوق الإنسان. وهناك سبب وراء إصلاح
العلاقات وبخاصة الدول الجارة، وهو أنها تحاول خلق ذريعة لدفع اللاجئين لديها للعودة إلى بلادهم. وهي بالضرورة لا تهتم بأمنهم وتفترض خطأ أن النظام مستعد
لاستقبالهم.
وأخبر سياسي لبناني كان يحاول في عام 2017
التفاوض مع السوريين على عودة اللاجئين المثيرين للمشاكل من بلاده: وما الذي يدعوك
للافتراض أننا نريد عودتهم؟ وأكدت السلطات اللبنانية أن نسبة 20% من السوريين
المسجلين كلاجئين حصلوا على تصريح من النظام للعودة. وهناك سبب آخر للتقارب، وهو
أنه بخلق هذه الدول موجة تطبيع مع النظام فإنها ستستفيد من مال الإعمار الغربي
لسوريا.
مع أنه ليس من الواضح إن كان الغرب مستعدا
للاستثمار، فقد التزم الاتحاد الأوروبي بشرطه وهو أنه لا مال للإعمار بدون تحركات
جدية للتسوية. وحتى الصين التي لم تقيد نفسها بشروط لم تظهر بعد استعداد للاستثمار
الواسع مع أنها دخلت في مفاوضات مع النظام.
وبالنسبة للدول التي طبعت العلاقات لم تلتزم
بعد بما تعهدت به ماليا وهو دعم الاقتصاد والتعاون التجاري. وكل الدول المطبعة هي
ديكتاتورية تتعاطف مع ديكتاتور مثلها يواجه ثورة. ولكونها مستبدة فهي تفهم الأسد
ولهذا تتردد في تقديم معونات مادية له. والديكتاتور الذي يواجه أزمة يطمح للحصول
على دعم من يعتقد أنهم سيخسرون لو سقط وسيكسبون لو بقي، مثل إيران التي ستخسر
تأثيرها الإقليمي وروسيا التي تقدم سوريا لها فرصة استعادة موقعها بالمنطقة.
وقالت المجلة: "والآن وقد عاد الأسد للوقوف
على قدميه، فقد رجعت قوى الوضع الراهن، فالإمارات وبقية الدول المستبدة معجبة
بالأسد لأنه أضاف فصلا إلى كتاب نجاة المستبدين: كيف تنجو من كل شيء. ويتعلم
الآخرون دروس الإفلات من العقاب كما أشارت قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وبالنسبة للدول الديمقراطية التي تريد نظاما دوليا قائما على حكم القانون فسوريا
هي مثال يدعو للقلق".
وختمت بالقول: "فالمحاسبة على جرائم ضد
الإنسانية أو البحث عن الاستقرار يجب ألا تكون خيارا. كما أن توقع النظام لكي يغير
سلوكه من نفسه، مع أنه لم يستجب لأي مبادرة، ليس تفكيرا واقعيا أوبراغماتيا، بل هو
تعلل بالأماني. ولعبة انتظار الأسد لم تعد دفاعية. فهو يقضي وقته ويداه ملطختان
بالدماء لكي يراها الجميع، أما بقية الديكتاتوريين فيتعلمون منه كيفية الإفلات من
العقاب، وهذا أمر غير مبشر بالخير".
https://foreignpolicy.com/2021/12/15/syria-bashar-assad-pariah-unlikely-comeback/