فلتات اللسان عند مناصري البرهان

كلما قرر أن يخطو نحو تحقيق حلم أبيه بأن يصير الرئيس الأوحد للسودان يلجأ عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة (الرئاسة الجماعية) إلى عضلاته العسكرية، مع ما يستلزمه ذلك من بطش مفرط بالقوى المدنية التي يدرك أنها تحول دون تحقيق طموحه الشخصي، ولقلة حيلته الفكرية والسياسية فإنه يطلق عددا من الجنرالات المتقاعدين في وسائل الإعلام كي يتولوا تسويقه كقائد منقذ، فيفضحون عيّهم المعرفي، وجهلهم حتى بمدلولات أبسط المصطلحات السياسية.

ومنذ انقلاب البرهان الأخير في 25 تشرين أول/ أكتوبر المنصرم، والأثير ينوء بتصريحات أولئك الجنرالات الذين يحرصون على الظهور على شاشات التلفزة، وكل واحد منهم يحمل مسمى خبير استراتيجي (أحدهم جعلها اصطراطيجي)، حتى لتحسب أن ترك الخدمة العسكرية في الجيش السوداني يعود على الإنسان بالفتح العلمي وتوسيع المدارك.

العصيان المدني هو أحد الطرق التي يثور بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استُخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة؛ كتلك التي شهدتها الهند بزعامة غاندي للمطالبة بالاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية في ستينيات القرن الماضي. 

أي أن العصيان المدني هو رفض الخضوع لقانون أو لائحة أو تنظيم أو سلطة تعد في عين من ينتقدونها ظالمة. وهو في جوهره "تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال دون اللجوء للعنف" ويكون عادة مقرونا بالإضراب عن العمل. وينسب هذا المصطلح للأمريكي هنري دافيد ثورو كان قد استخدمه في بحث له نشر عام 1849، في أعقاب رفضه دفع ضريبة مخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك، بعنوان "مقاومة الحكومة المدنية".
 
عندما حاول البرهان وجوقة الجنرالات التي اصطحبها إلى القصر الرئاسي الانفراد بالحكم بعد إشهار عزل الرئيس السابق عمر البشير، قوبلت المحاولة برفض شعبي عارم، وتم إعلان العصيان المدني بصيغته المتعارف عليها دوليا، والتزم الملايين بالعصيان، فما كان من أحد خبراء البرهان أولئك إلا أن هرع إلى عدد من القنوات التلفزيونية ليؤكد فشل العصيان، مستشهدا بأنه طاف شوارع الخرطوم حارة، حارة، زنقة، زنقة، ووجد حركة المرور عادية بل ربما كانت الشوارع أكثر ازدحاما بالسيارات والمارة مما هو معهود على حد قوله، ولما قال له من حاوروه إن العصيان المدني لا يعني الامتناع عن السير والحركة، عاند وكابر زاعما ان العصيان "السوداني" المعلن وقتها كان يعني لزوم البيوت، ونفس الرجل هو من قال انه من الخير للسودان ان تكون فيه حكومة من التنقو-قراد (يقصد التكنوقراط).

العصيان المدني هو أحد الطرق التي يثور بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استُخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة؛ كتلك التي شهدتها الهند بزعامة غاندي للمطالبة بالاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية في ستينات القرن الماضي.

أما القائد المليشياوي حميدتي، والذي جعل منه البرهان الرجل الثاني في الدولة بجعله نائبه في رئاسة مجلس السيادة، فالأسافير تعج وتضج كلما اعتلى منبرا بغرض تسويق نفسه كقائد سياسي محنك، لأنه يفتك باللغة حتى على مستوى الدراج منها، ويتكلم أحيانا لربع ساعة كاملة دون ان يرصد له مستمع جملة مفيدة، ومن أقواله الخالدة: نحن هدفنا.. ما عندنا هدف، وقوله أيضا: لازم نندهس الفرصة (يقصد ننتهز الفرصة)، ويعجب السودانيون من جرأته على الحق لأنه يردد تبريرات البرهان لتنفيذ الانقلاب بأن هناك ضرورة لتشكيل حكومة من الكفاءات، ولا يخطر بباله ان الناس تعرف أنه لم يكمل المرحلة المدرسية الابتدائية، وأنه لم يسبق له ان شغل وظيفة مدنية او عسكرية تجعله على دراية بكيفية إدارة أمور حكم قرية صغيرة، ويحرص حميدتي على الدوام على التشهير بالسياسيين، ويتهمهم بأنهم استبدلوا التمكين الذي كرسه نظام عمر البشير بإسناد الوظائف للموالين بتمكين شبيه، ولا يخطر ببال حميدتي هذا أن تمكينه وعائلته عسكريا وماديا وسياسيا في زمن قياسي ما زال يحير أولي الألباب.

ولاحقا انضم إلى تلك كتيبة خبراء البرهان "الاستراتيجيين" مدني من نفس طينتهم، وسئل في قناة الجزيرة بعد الانقلاب الأخير كيف يجوز لمدني مثله ان يوالي العسكر؟ فبرر انحيازه للانقلاب بأنه كان من المخصيين (قالها كذا ورب الكعبة) من المشهد، وكان يعني انه عانى من "الاقصاء"، ثم ختم الحوار بأنه يرفع يديه بالدعاء: اللهم سلِّط (نعم سلِّط) علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.

سئل الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في ذات لقاء تلفزيوني عن الطرف والنكات الرائجة حول حكمه فقال إنه ضحك كثيرا للطرفة التي تقول ان إمام المسجد دعا الله: اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا؛ فقاطعه أحد المصلين: هو سلط وخلص .. أسأله ان يرفع عنا.

وكلما طالعت ترهات محاميي البرهان استدعيت الشاعر الفاجومي أحمد فؤاد نجم: قالك ثم الجهل مصيبة/ مولِّف ويا العيا تركيبة/ تشرب منها تعطش تاني/ تشرب تعطش تشرب تاني/ تعطش تشرب خمسة ف ستة/ مِّية نار لو طالت جتة/ لازم تلحس أثمن حتة/ يعني العقل يا خلق الله.