هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد "داعش" جيمس جيفري في حديث لصحيفة (الشرق الأوسط) يوم أمس الأربعاء الموافق 22 كانون أول (ديسمبر) الحالي: "إن أمريكا في موقف أقوى حالياً للتفاوض مع روسيا حول سوريا، لأسباب كثيرة بينها أن جميع أدوات الضغط لا تزال موجودة في أيدي إدارة الرئيس جو بايدن، وأن روسيا غارقة في المستنقع السوري".
في مقابل تصريحات المسؤول السابق جيمس جيفري قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لقناة (روسيا اليوم): الأمريكيون سيخرجون من سوريا وعلى الأكراد اتخاذ موقف مبدئي بشأن الحوار مع دمشق؛ موضحا ذلك بالقول "يجب الإدراك أن الأمريكيين في نهاية المطاف سينسحبون، وهم يواجهون هناك حاليا مشاكل أكثر (من الفوائد)، بما في ذلك مخيم الركبان ومنطقة بعرض 55 كلم حول قاعدة التنف، حيث يحاولون فرض قواعدهم لكنهم عاجزون على أرض الواقع عن ضمان استمرارية عمل هذه الهياكل".
المساومات وسيولة التحالفات
باستعراض مضامين خطاب الوزير لافروف والمسؤول الأمريكي السابق جيمس جيفري يمكن القول إن عملية عض الأصابع بدأت تمهيدا لمفاوضات لم تحدد حدودها وسقوفها بعد؛ فالتحالفات تمتاز بسيولة عالية تسمح للأكراد والأتراك والعرب التنقل بين المعسكرات المتنافسة بسهولة ويسر؛ ويساعد على ذلك غياب الاستراتيجية الأمريكية وغموضها فضلا عن تقلبها وبعدها عن الاستدامة.
سيولة كشفها وزير الخارجية لافروف في لقائه مع قناة روسيا اليوم بإشارته إلى أن رهان القوى الكردية وعلى رأسها حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"مجلس سوريا الديمقراطية" على أمريكا خاسر؛ وهي أحزاب كردية انفصالية متحالفة مع الولايات المتحدة؛ تعول عليها الإدارة الأمريكية لفرض رؤيتها لمستقبل سوريا من خلال إدماجها في العملية السياسية.
قوى كردية عمدت بحسب لافروف التقرب من روسيا بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نيته الانسحاب؛ إلا أنهم تراجعوا في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي بايدن نيته إبقاء القوات الأمريكية شمال سوريا وشرق الفرات.
أمريكا تتجاذبها مصالح حلفائها في الكيان الإسرائيلي وتركيا وشركائها في السعودية والأردن والأكراد في الآن ذاته؛ فأمريكا ليست أفضل حالا من روسيا وترى في الغموض البناء استراتيجية ناجحة لتجاوز التضارب في مصالح شركائها وحلفائها.
سيولة سياسية وغموض في الأهداف الأمريكية أكد عليها جيمس جيفري إذ قال لصحيفة "الشرق الأوسط" في معرض إجابته على سؤال لإبراهيم حميدي عن سياسة بايدن في سوريا "لا أحد يعرف" مضيفا القول: تحدثت للجميع ولاحظت أن أي مسؤول رفيع في الكونغرس أو من حلفائنا في العالم العربي أو الأوروبيين والأمم المتحدة والأتراك والإسرائيليين و"قوات سوريا الديمقراطية"، لا يعرفون ما هي سياستنا الحقيقية.
ليعود بعد ذلك جيفري ليؤكد بأن كثيرين يطرحون هذه الأسئلة، لأنه ليس هناك وضوح في السياسة الأمريكية. نعرف العناوين، لكننا لا نعرف السياسة.
غموض أمريكي بناء ووضوح روسي محرج
في مقابل الغموض وانعدام اليقين الأمريكي ظهر لافروف أكثر ثقة ووضوحا من المسؤول الأمريكي السابق بل والحالي إيثان غولدريتش؛ إذ جاء متزامنا مع نشر البيان الختامي لاجتماع (أستانا 17) في العاصمة الكازاخية (نور سلطانوف) وبحضور الأردن ولبنان والعراق؛ إذ أكدت كل من إيران وتركيا وروسيا على وحدة الأراضي السورية وضرورة مواجهة النزعات الانفصالية للأكراد وإدانة الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية في الآن ذاته.
الدول الثلاث (روسيا وإيران وتركيا) أظهرت قدرا كبيرا من التفاهم والتقارب في الملف السوري في مقابل حالة من التيه والضياع تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وشركاؤها في المنطقة؛ بعد أن أدخلت كافة المبادرات والسياسات المعلنة في مأزق حقيقي حول النوايا الأمريكية وعلى رأسها المبادرة الأردنية الإعمار مقابل الاستقرار وإخراج القوى الأجنبية؛ ومبادرات الإمارات للتطبيع.
أمريكا تتجاذبها مصالح حلفائها في الكيان الإسرائيلي وتركيا وشركائها في السعودية والأردن والأكراد في الآن ذاته؛ فأمريكا ليست أفضل حالا من روسيا وترى في الغموض البناء استراتيجية ناجحة لتجاوز التضارب في مصالح شركائها وحلفائها.
الغموض الأمريكي يقابله وضوح روسي، فالبيان الختامي لاجتماع أستانا 17 أكد على أن روسيا تراعي مصالح تركيا وترفض الغارات الإسرائيلية باعتبارها تهديدا لوقف إطلاق النار واستدامة الهدن؛ وهو أحد الأهداف التي أعلن عنها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش إلى جانب هزيمة "داعش" وزيادة تدفق المساعدات إلى سوريا.
إن روسيا عملت على تجريد أمريكا من الورقة الكردية من خلال التأكيد على حتمية الانسحاب الأمريكي واستدامة الحضور العسكري الروسي في سوريا؛ فموسكو أقدر على توفير الضمانات للأطراف كافة ومن ضمنهم الأتراك والأردنيين؛
الحرج الأمريكي كبير ومحاولات تحسين وتجويد الأوراق التفاوضية مستمرة، ومنها إعادة الخارجية الأمريكية إلى تويتر، إذ أشار حساب السفارة الأمريكية في عمّان عبر تغريدة لاجتماع عُقد في 21 كانون الأول/ ديسمبر مع سوريين اعتقلهم نظام الأسد وعذبهم، شدد فيه (داس إيثان غولدريتش) على التزام الولايات المتحدة بالسعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن فظائع النظام. مضيفا؛ بدون المساءلة، لا يمكن أن يكون هناك سلام مستقر ودائم في سوريا؛ وهي تغريدة لا يمكن القول إنها قادرة على منافسة أستانا 17 .
ختاما.. من الواضح أن موسكو وواشنطن تعملان على ترتيب أوراقهما في سوريا؛ فبعد أن تعاملت الولايات المتحدة إيجابا مع المبادرة الأردنية للتطبيع مع النظام السوري؛ عادت لتكبح جماح الدول المندفعة لتطوير العلاقات الاقتصادية من بوابة إعادة الإعمار لعدم ثقتها بفاعلية الاستراتيجية المتبعة ومحدودية تأثيرها على النظام السوري والوجود الإيراني.
في المقابل فإن روسيا عملت على تجريد أمريكا من الورقة الكردية من خلال التأكيد على حتمية الانسحاب الأمريكي واستدامة الحضور العسكري الروسي في سوريا؛ فموسكو أقدر على توفير الضمانات للأطراف كافة ومن ضمنهم الأتراك والأردنيين؛ فلافروف طمأن زملاءه الأتراك بأن موسكو لا ترغب إطلاقا في تغذية أي نزاعات سلبية بالنسبة لأنقرة بل تسعى بالعكس إلى المساعدة في تطبيق طلب ضمان سيادة الأراضي السورية؛ مساومات تميل الكفة فيها يوما بعد الآخر لصالح روسيا ومسارها السياسي والأمني؛ فهل يؤدي النجاح الروسي إلى مقايضة أكبر تشمل أوكرانيا؟ إنه السؤال المحرج الذي لا ترغب ولا تتمنى الإدارة الأمريكية مواجهته والإجابة عنه مستقبلا.
hazem ayyad
@hma36