هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع دخول عام 2021، شهد العراق تطورا كبيرا على مستوى السياسة الخارجية، حيث استطاع عقد قمم إقليمية ودولية عدة، إضافة إلى أداء دور الوسيط بين السعودية وإيران الخصمين الأبرز بالمنطقة وجمعهما على طاولة واحدة في بغداد، بعد قطيعة بينهما دامت سنوات.
العراق حقق على مستوى العلاقات الخارجية انسجاما مع محيطه العربي والإقليمي، في مسعى منه لاستعادة دوره الإقليمي والدولي بحكم موقعه الجغرافي، وسياسة تصفير المشاكل التي انتهجتها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع دول المنطقة.
جمع الخصمين
أدى العراق دور الوسيط بين أبرز خصمين في المنطقة هما السعودية وإيران، واستطاع الجمع بينهما على طاولة واحدة في بغداد، حيث أعلن في نيسان/ أبريل الماضي، عن أول جولة محادثات بينهما منذ قطع الرياض علاقاتها مع طهران في كانون الثاني/يناير 2016.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح في أيار/ مايو 2021؛ إن بلاده استضافت محادثات بين الطرفين "أكثر من مرة"، حيث كان آخرها في أيلول/ سبتمبر الماضي، فيما يستعد الطرفان لعقد جولة جديدة هي الخامسة من نوعها في العاصمة بغداد.
وعلى إثر ذلك، شهد الخطاب السعودي تجاه إيران تغيرا في الفترة الأخيرة، إذ قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية في نيسان/أبريل من هذا العام: "إيران دولة جارة، ونطمح في أن تكون لدينا علاقات مميزة معها.. نريد إيران دولة مزدهرة".
وكان العاهل السعودي الملك سلمان قد أعرب في كلمة عبر الفيديو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول/ سبتمبر، عن أمله في أن تؤدي المحادثات مع إيران إلى "نتائج ملموسة لبناء الثقة" وإعادة إطلاق "التعاون" الثنائي. ودعا في كلمته طهران إلى وقف "جميع أنواع الدعم" للمليشيات بالمنطقة.
اقرأ أيضا: هل يجني العراق مكاسب من وساطته بين السعودية وإيران؟
وعقب كلمة العاهل السعودي، نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، تأكيده أن المباحثات بين طهران والرياض قبل أشهر، حققت "تقدما جادا" بشأن أمن الخليج.
وفي 24 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن سفير إيران في العراق إيرج مسجدي إحراز تقدم في المحادثات الإيرانية السعودية، مشيرا إلى اهتمام الجانبين بالحوار، وإتمام هذه المحادثات.
وقال مسجدي؛ إن الجولة الرابعة من المباحثات مع السعودية ستعقد في بغداد، معربا عن أمله في أن تتقدم بشكل بناء. وأضاف أن المباحثات مع السعودية تسير على قدم وساق، آملا في التوصل لنتائج مؤكدة سيتم الإعلان عنها، مشيدا بالدور العراقي الناجح على مستوى المنطقة.
قمة ثلاثية
وفي 27 حزيران/ يونيو 2021 استضافت بغداد، قمة ثلاثية بين العراق ومصر والأردن، هي الرابعة خلال عامين، جمعت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وملك الأردن الملك عبدالله الثاني، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
القمة التي شملت زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ 30 عاما، لمسؤول مصري بهذا الحجم؛ تأتي ضمن الجولة الرابعة للتعاون بين الدول الثلاث، التي انطلقت بالقاهرة في آذار/ مارس 2019، بمسمى "الشام الجديد"، الذي يشمل مشروعات اقتصادية واستثمارية كبيرة.
الجانب الاقتصادي للمشروع يقوم على تصدير العراق النفط بأسعار تفضيلية للأردن عبر خط النفط العراقي الأردني المقترح، وإلى مصر عبر ميناء العقبة الأردني، مقابل تزويد العراق والأردن بالطاقة الكهربائية والغاز المصري.
وأيضا مساهمة مصر في إعمار العراق وفتح سوق العمل العراقي أمام ملايين الحرفيين المصريين، الذين شاركوا سابقا في إعمار بلاد الرافدين إثر حربها مع إيران، في ثمانينيات القرن الماضي.
ومشروع الشام الجديد تعود جذوره لدراسة أعدها البنك الدولي في آذار/ مارس 2014، ليشمل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق ومصر وتركيا.
البداية كانت من القاهرة في آذار/ مارس 2019، عندما أطلقت الدول الثلاث آلية للتعاون، تلتها قمة ثانية في أيلول/ سبتمبر 2019، في نيويورك، ثم قمة ثالثة بعمان أيلول/ سبتمبر 2020، لتستضيف بغداد القمة الرابعة.
مؤتمر بغداد
وفي 28 أب/ أغسطس 2021، عُقد في العاصمة العراقية مؤتمر "بغداد التعاون والشراكة" الذي يهدف إلى تخفيف التوترات في الشرق الأوسط وتأكيد دور العراق كوسيط.
وحضر القمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأمير قطر تميم بن حمد، حيث كانت أول زيارة رسمية يجريها الأخير إلى العراق.
اقرأ أيضا: إيران تبدي استعدادها لاستئناف المفاوضات مع السعودية
وترأس محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات وفد بلاده، فيما مثل الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الكويت. كما يمثل السعودية وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، ومثل إيران وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، إضافة إلى وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو.
وفي البيان الختامي لمؤتمر الذي تلاه، وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، عقب انتهاء أعمال القمة بمشاركة 9 دول من المنطقة والعالم، على ضرورة دعم العراق في المجالات كافة واستقرار المنطقة.
وقال البيان؛ إن احتضان بغداد لهذا المؤتمر دليل واضح على اعتماد العراق سياسة التوازن والتعاون الإيجابي في علاقاته الخارجية، حيث جدد المشاركون دعمهم لجهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة، كما جددوا دعمهم لجهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة.
وتابع البيان "أن المشاركين أقروا بأن المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي التعامل معها على أساس الأمن المشترك والمصالح المتبادلة". وأكد المشاركون "دعم جهود جمهورية العراق في إعادة الإعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية".
وأثنوا على جهود العراق وتضحياته الكبيرة في حربه على الإرهاب، مجددين رفضهم لكل أشكال الإرهاب.
وفي المؤتمر الصحفي الختامي، اعتبر وزير الخارجية العراقي أن "قمة بغداد اجتماع مهم وتاريخي، لأنه عقد في العاصمة العراقية، وهذا حدث كبير، فعندما نعود إلى العقود الماضية نرى أن بغداد كانت منعزلة عن العالم وبعيدة عنه".
وقال فؤاد حسين؛ إن "بغداد استطاعت أن تجمع قوى مختلفة ودولا مختلفة كانت بينها مشاكل، وربما لم تكن هذه الدول تجتمع مع الدول الأخرى، لكن بغداد استطاعت أن تجمع هذه الدول".
وأضاف أن "بغداد خلقت حالة حوارية بدلا من حالة الصراعات، إذ صار هناك عمل مشترك بين هذه الدول في المحيط الإقليمي، وحل المشاكل بينها عن طريق الحوار".
واعتبر الوزير العراقي أن القمة ستؤثر على الوضع العراقي والإقليمي؛ "فحالة التوتر والتشنج الموجودة في المنطقة ستتغير إلى حالة أخرى والوضع الداخلي العراقي مرتبط بالمنطقة.
"تغيّر السياسات"
وبخصوص مدى استمرار سياسة العراق الخارجية، رأى المحلل السياسي العراقي مناف الموسوي في حديث لـ"عربي21"، أن "نجاح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في ملف العلاقات الخارجية، اعتمد على عدم دخول العراق في محور معين ربما مكن البلد في أن يعود لاعبا رئيسا بالمنطقة".
وأوضح الموسوي أن "العراق استطاع بذلك حلحلة الإشكاليات الموجودة بالمنطقة سواء الصراع السعودي الإيراني والأمريكي الإيراني وحتى التركي الإيراني؛ لأن العراق هو البلد الوحيد الذي يمتلك علاقات مع جميع هؤلاء الخصوم".
واستدرك الخبير العراقي، قائلا: "لكن هذه السياسة ليست متبناة بشكل رئيسي من مؤسسة حكومية مثل وزارة الخارجية، وحتى وإن كانت كذلك، فإنه في أكبر الديمقراطيات في العالم تحصل تغيرات في العلاقات الخارجية إذا تغيرت الحكومة".
وأوضح الموسوي أنه "عندما جاء دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، خرج من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، رغم أن الولايات المتحدة تعتمد العمل المؤسساتي ولا سيما القرارات الخارجية تتخذ عبر قنوات وفلاتر مؤسساتية إلى أن تصل إلى صاحب القرار".
اقرأ أيضا: قمة إقليمية بالعراق نهاية الشهر الجاري بحضور ماكرون
وأكد المحلل السياسي أن حكومة الكاظمي استطاعت أن تعقد مؤتمرا دوليا حضره كبار قادة العالم والمتخاصمين منهم أيضا، واستطاع كذلك أن يبني علاقات جيدة مبنية على أساس احترام السيادة، وتبادل المنفعة الاقتصادية والمصالح المشتركة، ونجح في هذا الموضوع نجاحا كبيرا".
وأعرب عن اعتقاده بأن "تغيير شكل الحكومة يعتمد على شخصية رئيس الحكومة المقبلة وكيفية استيعابه، فرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي استطاع أن يعيد العراق إلى الحاضنة العربية وبناء علاقات جيدة مع الجميع، بينما سلفه عادل عبد المهدي لم ينفذ المشاريع التي وقعت مع السعودية، وغيّر أسلوب الاستثمار وذهب إلى الصين وعقد اتفاقات إستراتيجية معهم".
وخلص الموسوي إلى أنه "في أغلب ديمقراطيات العالم تكون العلاقات الخارجية مرتبطة بشخصية رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية وحكومته، والكتل السياسية الساندة له، وربما في العراق بشكل أكبر؛ لأن فيه تعددية وأقطابا سياسية كثيرة".
"مزاج الرئيس"
وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي، في حديث لـ"عربي21"، أن "في العراق هناك نهج حكومة وليس نهج دولة، وتحديدا الأمر مرتبط بمزاج رئيس الوزراء، فقد كان عبد المهدي توجهه نحو إيران فقط، أما العبادي والكاظمي فكان مزاجهما نحو تحقيق توازن في العلاقات الدولية، وهذا يستند على بناء دولة حقيقية".
ورأى الدعمي أن "رئيس الوزراء المقبل إذا جاء عن طريق التيار الصدري وتحالف تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن مساره في العلاقات سيكون شبيها بالعبادي والكاظمي، لكن إذا جاء عن طريق الإطار التنسيقي، فسينزوي ويبتعد عن العلاقات الخارجية ويصطف مع محور ضد محاور أخرى، ويتبنى سياسات دول أخرى".
وتابع: "لذلك، الأمر صعب جدا في العراق- ولا سيما في ظل الفوضى الحالية-. القول إن هناك سياسة متزنة واستراتيجية ثابتة تسير عليها الدولة، وإنما تتغير بتغير رئيس الوزراء ومزاجيته، والقرارات في الغالب ارتجالية ولا تستند إلى قواعد وأصول التعامل الدبلوماسي كما يجري في باقي دول العالم".
وأشار الدعمي إلى أن "سياسة العبادي والكاظمي أوجدت للعراق فضاء من الدعم والتأييد الدولي للحكومة العراقية، ولو جرى ضبط الوضع في الداخل لكان البلد انتقل إلى وضع أفضل بكثير، ولا سيما في وضع الاستثمار وتشغيل الأيادي العاملة".
ولفت إلى أن "ما يمنع الاستثمار هو رغبة بعض الأطراف السياسية بوقوفها ضد أي عمل تقوم به هذه الحكومة نحو تطوير العلاقات مع دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، بل وتحاول عرقلة أي قرار تتخذه هذه الحكومة، ومثال على ذلك عرقلة ميناء الفاو الكبير بالبصرة ومحاولة إيقافه؛ لأنه لا ينسجم مع سياسة هذه الأطراف التي تعارض توجهات الحكومة العراقية".