تقارير

وادي عارة.. ممر عسكري وتجاري استراتيجي عبر العصور

مشهد ساحر لوادي عارة
مشهد ساحر لوادي عارة

لم يفقد أهميته الإستراتيجية منذ الفترة الكنعانية العربية وحتى اليوم، حيث كان يشكل ممرا تجاريا وعسكريا هاما عبر العصور ولا يزال طريقا يمر منه جيش الاحتلال في جميع حروبه.

كان يشكل وادي عارة ومنذ ما قبل النكبة، محورا رئيسيا للمواصلات، خصوصا أنه كان موازيا لطريق الساحل الذي يبدأ من عكا ويمتد حتى يافا. وعلى مر السنوات كان طريقا رئيسيا يربط شمال البلاد بجنوبها، إذ يبدأ من مفترق مجيدو في مرج بن عامر وينتهي جنوبي باقة الغربية، ليواصل المسافر طريقه عندها عبر شبكة طرق أخرى.

يقع وادي عارة في شمال فلسطين المحتلة عام 1948 ويمر به طريق يربط بين السهل الساحلي والجليل الأسفل. ويقع على امتداد شارع وادي عارة بلدات عربية عديدة أشهرها مدينة أم الفحم.

سمي باسم "تل عارة" الكنعاني الذي تقع عليه قرية عارة اليوم، وقد ذكر اسمه في رسائل العمارنة الفرعونية بكونه الممر الذي عبر فيه تحوتمس الثاني خلال الحروب التي قام بها في بلاد الشام.

وهذا يدل على أن الوادي كان منذ القدم يستخدم كممر عبور رئيسي بين السهل الساحلي والجليل، حيث كان متصلا بطريق البحر إلى داخل فلسطين، نحو سوريا وبلاد ما بين النهرين.

 

                            الشارع الرئيسي الذي يمر بوادي عربة

 
وتتسم منطقة وادي عارة بجغرافية مميزة، فهي عبارة عن سلسلة من الجبال والهضاب تمتد على الجانبين على طول ما يقارب 10 كيلومترات، وعادة ما يمتلئ هذا الوادي بالمياه لكثرة الأمطار الغزيرة وعيون الماء الجارية من الينابيع التي تحول جانبي الوادي إلى منطقة خصبة بالأشجار والخضار، كما أن هذه المنطقة تحوي العشرات من عيون الماء والآبار التي تتوزع على جانبي الوادي، كما تنتشر الكثير من المغر والكهوف في هذه الجبال المحاذية، والتي حفرها الإنسان منذ عصور قديمة .

وبالقرب من الوادي كانت تقع قرية عارة جنوبي حيفا وشمالي شرق الخضيرة. وكانت القرية تربض على كتف أحد جبال القسم الشمالي الغربي من جبال نابلس وتتحكم بالمدخل الغربي لوادي عارة.
وكان فيها عام 1931 نحو 28 مسكنا بنيت من الحجارة، وبلغت مساحة أراضيها 9,795 دونما ملك اليهود منها 919، أي 9.38%.

كان عدد سكان القرية 68 نسمة من العرب عام 1922، وارتفع عام 1945 إلى 230 نسمة، وكانوا يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي.

وتشير سجلات قائد جيش الإنقاذ العربي فوزي القاوقجي، إلى أن قوة يهودية من مستعمرة "معانيت" هاجمت القرويين الفلسطينيين في منطقة وادي عارة ليل 27-28 شباط / فبراير عام 1948، ونفذت مذبحة في وادي عارة ذهب ضحيتها أكثر من 21 عربيا.

وسارع جيش الإنقاذ إلى إرسال سرية لحمايتهم، فاشتبكت مع قوات الهاغاناه عند الفجر وكادت تصل إلى المستعمرة اليهودية لو لم تتدخل القوات البريطانية. 

وشرد اليهود سكان القرية ودمروها عام 1948، وفي العام التالي أسسوا على أنقاضها كيبوتس "برقاي".

في الثمانينيات من القرن الماضي أقيمت العديد من المستوطنات اليهودية على امتداد الوادي من أجل منع التتابع الجغرافي لسكان عرب وادي عارة مع السكان العرب بالضفة الغربية والتي أطلق عليها اسم "خطة النجوم السبع" التي وضعها وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي آنذاك ارئيل شارون. 

وشهد وادي عارة احتجاجات منذ أحداث "يوم الأرض" عام 1976، ثم "هبة القدس والأقصى" عام 2000 وأخيرا في "هبة الكرامة" التي اندلعت في الداخل الفلسطيني ردا على العدوان الإسرائيلي في أيار/ مايو الأخير على قطاع غزة، ورافقتها هبة شعبية في الداخل الفلسطيني، في مدن عكا ويافا واللد والرملة. 

وانتهز وقتها الوزيران في حكومة الاحتلال، أفيغدور ليبرمان وزير الحرب، ووزير المعارف نفتالي بينيت، احتجاج الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 على إعلان ترامب بشأن القدس، للتحريض عليهم والدعوة إلى مقاطعتهم، والتهديد بقمعهم بقوة.

وركز الوزيران في تحريضهما على أهالي واد عارة، إذ قال ليبرمان: "هؤلاء الناس لا ينتمون لدولة إسرائيل، لا توجد لهم أي صلة بالدولة ويجب مقاطعتهم اقتصاديا لكي يفهموا أنه غير مرغوب بهم هنا، إنهم ليسوا جزءا من".

 

                          مسيرة فلسطينية باتجاه وادي عربة

ومع أن دولة الاحتلال شقت طرقا بديلة كثيرة، وأطولها ما يسمى بـ"عابر إسرائيل" الذي يربط بين جنوب فلسطين المحتلة في النقب والمخطط له أن ينتهي عند الحدود اللبنانية، فإن كل الطرق البديلة، وحتى زرع مستوطنات في وادي عارة، لم تعوض عن استخدام طريق وادي عارة التاريخي.

وقد صرح رئيس شعبة التكنولوجييا واللوجستيك في الجيش الإسرائيلي يتسحاق ترجمان لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قائلا "في الحرب المقبلة لن تمر المركبات العسكرية التي تنقل الجنود والدبابات والعتاد العسكري من شارع وادي عارة في المثلث الشمالي وذلك تحسبا من اندلاع مواجهات تؤدي إلى تأخير وصول التعزيزات إلى جبهة أو جبهات القتال".

المراجع والمصادر:

ـ وليد الخالدي، كي لا ننسى، 1990.
ـ أنيس صايغ، بلدانية فلسطين المحتلة (1948 ـ 1967)، 1968.
ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج1، وج7، 1973 و1974.
ـ صحيفة الدستور الأردنية، وادي عارة ما زالت تحتفظ بمنزلين فلسطينيين في ركنها الشـرقي، 6/4/2017.
ـ نضال محمد وتد، جنرال إسرائيلي: لن نمر عبر طريق وادي عارة خلال حروبنا القادمة، العربي الجديد، 12/11/2021.
ـ أحمد عيسى، الأمن القومي الإسرائيلي بين وادي عارة وأبو ظبي، وكالة معا الإخبارية، 20/11/2021.
ـ تحريض إسرائيلي رسمي على وادي عارة وتهديد بالقمع، ألترا فلسطين، 11/12/2017.


التعليقات (0)