هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت شبكة "رووداو" الإعلامية العراقية، تفاصيل آخر لقاء جمع الدبلوماسي الراحل عدنان الباجه جي، بالرئيس الراحل صدام حسين.
وذكرت "رووداو" أن الباجه جي كشف في كتاب "عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين"، عن اللقاء، مضيفة أن "هذا الكتاب ليس مذكرات بالمعنى التقليدي، لم يكتبها الباجه جي بنفسه، بل هو صفحات بارزة من حياته، وتطلّب إنجازه المرور بمراحل عدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، وعبر محطات بدأت في لندن عام 2010 وانتهت في أبو ظبي عام 2017".
وأوضح الكاتب أن الباجه جي أدرك بعد حديثه مع صدام حسين، خلال لقائه معه في أبو ظبي، عن الوحدة بين العراق وسوريا، ومن ثم حديثه مع وزير خارجة سوريا عبد الحليم خدام، بأن هذه الوحدة لن تتحقق؛ بسبب محاولة كل من صدام والرئيس السوري حافظ الأسد السيطرة على الأوضاع، سواء في حزب البعث أو على العراق وسوريا،
وحول الخلاف بين الأسد وصدام حسين، وما تبعه من دعم دمشق لطهران في حربها ضد العراق، يقول الباجه جي: "أنا لا أغفر لحافظ الأسد أبدا، لأنه كان يزود طهران بالسلاح ويدعمها، في الوقت الذي كان العراق في حرب مع إيران من أجل الدفاع عن العراق وعن الأراضي العربية. ولهذا فأنا أنفر من كل الجماعات العراقية التي ذهبت إلى إيران، وكانت هناك خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وساندت ودعمت العدوان على بلدها، مهما كان كرهها وموقفها من صدام حسين، فهذا لا يبرر وقوفها مع إيران ضد قوات بلدها التي كانت تقاتل من أجل بقاء العراق والدفاع عنه".
ويضيف الباجه جي: "شاءت الصدف أن ألتقي صدام حسين للمرة الثانية عام 1975 في الجزائر، خلال ترؤسه وفد العراق في مؤتمر قمة للدول المصدرة للنفط (أوبك)، وكنت هناك مع الشيخ زايد الذي ترأس وفد الإمارات، وخلال هذا المؤتمر تصالح صدام مع شاه إيران، حيث جمعهم الرئيس الجزائري هوار بو مدين، وسط تصفيق بقية الوفود، ووقع اتفاقية الجزائر الشهيرة".
وتابع: "ثم جاء لزيارة الشيخ زايد في مقر إقامته، وكنت حاضرا، فسأله الشيخ زايد عن الاتفاقية التي وقعها مع الشاه، وقال له: (أريد أن أعرف ما هي هذه الاتفاقية، وماذا تضمنت)، فأجابه صدام حسين قائلا، وهذا سمعته بنفسي: (أنا عندي مشكلتين مع إيران، الأولى تتعلق بشط العرب، فهم لا يعترفون بالاتفاقية السابقة الموقعة بينهم وبين العراق، والثانية هي مساعدة إيران للأكراد، ثورة الأكراد مستمرة، وتكلفنا كثيرا من الضحايا والأموال). ثم أضاف صدام قائلا: (أنا لا أملك القوة لأجعل إيران تعترف بالاتفاقية السابقة حول شط العرب، وهذا الموضوع صار واقعا لا نستطيع تغييره، لهذا أنا وافقت على أمر واقع، وكسبت إيقاف الدعم الإيراني للأكراد، وهذا سيوفر علينا الأرواح والأموال)".
وتوفي الباجه جي في أبو ظبي نهاية العام 2019.
اللقاء الأخير
وعن اللقاء الأخير، قال الباجه جي: "المرة الثالثة التي التقيت فيها مع صدام حسين كانت في السجن بعد أن تم القبض عليه. كان ذلك في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2003، وكنت أنا رئيسا لمجلس الحكم، ذلك أن رئاسة المجلس كانت شهرية، وكان دوري في الرئاسة في شهر يناير (كانون الثاني)، ولكن بسبب سفر رئيس المجلس وقتذاك، عبد العزيز الحكيم، إلى فرنسا، فأنا ترأست المجلس خلال غيابه".
وبتفصيل أكثر دقة، يقول: "يوم القبض على صدام حسين كنت مريضا، ودرجة حرارتي مرتفعة، اتصلوا بي من إذاعة الـ(بي بي سي) يسألونني عن رأيي في القبض على الرئيس العراقي السابق، وأنا لم أكن قد سمعت بالخبر؛ لأني كنت منقطعا عن الأخبار بسبب مرضي، فقلت أنا لا أعرف بالخبر، بعد ذلك بخمس دقائق اتصل بي هاتفيا بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي للعراق ما بين 2003 و2004، وقال: أحببت أن أبلغكم بأننا ألقينا القبض على صدام أمس، وأود مشاركتكم لي في مؤتمر صحافي حتى يصدق العراقيون وغيرهم ذلك، ووجودك مهم. قلت: هذا حدث كبير وتاريخي، ومع أني كنت مريضا، فقد ارتديت بدلتي، وحضرت المؤتمر، حيث كان هناك من يهتف ويصفق، وآخرون يبكون فرحا، ألقيت كلمة سريعة خلال المؤتمر الذي شاهده العالم كله".
يضيف: "بعدها اقترح بريمر أن أتصل بعدد من أعضاء مجلس الحكم للذهاب لمقابلة صدام حسين في السجن، ليتأكد العالم من الحدث، فاتصلت بالسياسي العراقي نصير الجادرجي، وشخص آخر نسيته الآن، للمجيء إلى مطار الهليكوبتر لهذا الغرض، وكلاهما اعتذر عن الحضور، لكننا أنا وبريمر فوجئنا بوجود أحمد الجلبي وعادل عبد المهدي وموفق الربيعي في المطار، من غير أن يدعوهم أحد، لم يكونوا مدعوين لهذا اللقاء، فسألت بريمر فيما إذا كان هو قد دعاهم، لكنه أجاب مستغربا حضورهم، وقال: لا، أنا لم أتصل بهم. لكنهم حشروا أنفسهم، ووضعونا أمام الأمر الواقع، فصعدنا أنا وبريمر في هليكوبتر، وهم ثلاثتهم في هليكوبتر أخرى، وصلنا إلى مكان بالقرب من مطار بغداد، بعد أن داروا بنا عدة مرات".
وتابع: "كان سانشيز قائد القوات الأمريكية في انتظارنا هناك، دخلنا إلى غرفة صغيرة وبسيطة للغاية، وشاهدت صدام حسين يجلس على سرير مخصص للجنود، ويرتدي دشداشة بيضاء، وفوقها جاكيت (سترة)، وكانوا قد حلقوا شعره وذقنه، فتطلع إلينا، وفوجئت بموفق الربيعي وهو يستهل اللقاء بتوجيه الشتائم والكلمات النابية له (أنت كذا وابن كذا وفعلك)، وما شابه من هذه الشتائم، وتابع (أنت الآن فيك خير، عندك شجاعة، وتطلع إلى الشارع)، فأجابه صدام حسين بهدوء وثقة قائلا: (نعم أنا أستطيع الآن الخروج إلى الشارع، لكن هل أنت فيك خير، عندك الشجاعة لتخرج إلى الناس في الشارع الآن)، ثم قال له الربيعي: (لماذا فعلت هذا بالصدر)، يعني محمد باقر الصدر، ثم جلسنا على الكراسي، وبقي بريمر واقفا إلى جانب سانشيز، فأجابه صدام ساخرا: ( أنا لا أعرف عما تتحدث، يا صدر، يا رجل) ويعني القدم، وبالطريقة نفسها شتمه عادل عبد المهدي، لكن بدرجة أقل من الربيعي".
اقرأ أيضا: عمرو موسى يحمل صدام حسين مسؤولية ما يشهده العراق
موقف الجلبي
يتابع الباجه جي: "الغريب في هذا اللقاء هو أنه خلال الفترة التي بقيناها هناك، لم ينبس أحمد الجلبي بكلمة واحدة، ولم يقل أي شيء، باستثناء أن صدام حسين عندما سأل عنا (من هم الجماعة)، فقفز الجلبي مسرعا من مكانه، وقال مشيرا إلي (هذا عدنان الباجه جي)، بدلا أن يقول له مثلا أنا أحمد الجلبي، أو يقدم له الآخرين، عبد المهدي والربيعي، بعد ذلك صمت الجلبي ولم يقل أي كلمة، يعني هذا كل ما تفوه به خلال فترة المقابلة التي استمرت ما يقرب من 45 دقيقة. تطلع صدام إلي وقال: إي احنا نعرفك، ولكن اشجابك على هذولة.. (نعم نحن نعرفك، ولكن ما الذي جمعك مع هؤلاء)، فقلت له: أنا لم آت معهم، فنحن جئنا إلى العراق لأننا نريد تحقيق حكم ديمقراطي. فقال: كان حكمنا ديمقراطيا، ونحن انتخبنا الشعب. قلت معترضا: لا لم يكن حكمكم ديمقراطيا، بل كان استبداديا.
يتابع الباجه جي: "ثم تابعت قائلا: أنا عندي سؤال يشغلني منذ سنوات، وأريد إجابتكم عليه، لماذا لم تنسحب من الكويت عندما كان بمقدوركم فعل ذلك؟ كنت ستجنب العراقيين والعراق كثيرا من الكوارث، فأجاب: أنا كنت على استعداد للانسحاب، لكنني اشترطت حل قضايا أخرى في المنطقة.. قلت: أنت تعرف أن ذلك كان يعد من المطالب التعجيزية.. فرد قائلا: التاريخ هو الذي سيحكم.. ثم سألته: لماذا كان حكمك ديكتاتوريا ومتعسفا.. فأجاب: العراق يحتاج إلى حاكم عادل وحازم.. فقلت: لم تكن حاكما عادلا بلا شك، وكان حكمكم مسؤولا عن قتل مئات الآلاف من العراقيين، فأنهى الحديث مكررا قوله السابق: على كل حال التاريخ هو الذي سيحكم ويقرر".
ويمضي الباجه جي قائلا: "في طريق عودتنا، جلس أحمد الجلبي بقربي، وكان منطفئا وصامتا، فسألته إن كان هناك أي شيء وقلت له: انت ليش مو على بعضك؟ فقد كان يبدو خائفا، وكأن هناك شيئا يخشى كشفه، على العموم أنا لا أستطيع أن أخمن ما سبب ذلك، فبعض الظنون تكون خاطئة".
يقول: "فكرت في هذا الرجل، صدام حسين، أي مكانة عالية كان فيها، وإلى أي مصير وصل، والإنسان يجب ألا يشمت بمصائر الآخرين، فأنا لم يكن بيني وبين صدام حسين أي موضوع شخصي، ولا أستطيع الادعاء بأن البعثيين ظلموني، كلا لم يظلموني، بل على العكس، كانوا دائما يتعاملون معي باحترام وتقدير. لكنني حزنت كثيرا لما حل بشعبي وبلدي بسبب موضوع الكويت".