هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قدم محللون قراءة في استقالة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ومصير الأزمة الراهنة في البلاد، على ضوء استمرار الاحتجاجات، وتعنت العسكر وتشبثه في حكم البلاد.
وقدم حمدوك استقالته من منصبه، مساء الأحد، وقال في خطاب وجهه للشعب السوداني: "خلال العامين اللذين نلت فيهما شرف تولي السلطة، أصبت أحيانا، وأخفقت أحيانا أخرى، والحكومة حققت نجاحات، لكنها بالطبع أخفقت في بعض المجالات".
وأضاف: "قبولي التكليف بمنصبي سابقا، جاء نتيجة التوافق السياسي".
وجاءت استقالته على وقع احتجاجات تعم الشارع السوداني، رفضا للانقلاب الذي نفذه الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
خطوة ضرورية
من جهته، أكد الباحث الفرنسي في مركز الدراسات الدولية بباريس، رولاند مارشال، أن "استقالة حمدوك كانت متوقعة منذ شهر تقريبا".
وتابع مارشال في حديث لـ"عربي21"، أن "الاتفاق الذي وقعه مع البرهان في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يكن متوازنا، وانتقده بسببه العديد من الدائرة المقربة له، لأنه استسلم تحت ضغط الجيش وممثل الأمم المتحدة، ولكنه سرعان ما أدرك أنه لم يسترد أيّا من الصلاحيات التي كان يتمتع بها كرئيس للوزراء قبل انقلاب الجيش عليه".
اقرأ أيضا: حمدوك يستقيل من رئاسة الحكومة في السودان (شاهد)
من جهته اعتبر الباحث البريطاني في سياسات النخبة الأفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أليكس دي وال، أن "استقالة حمدوك كانت من الأشياء المشرفة له".
وأكد دي وال خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "كان يجب على حمدوك تقديم استقالته في وقت مبكر، لأن الجنرالات لم يعطوه أي خيار حقيقي، ولو كان البرهان قد منحه مزيدا من السلطة، ربما كان بإمكانه الصمود".
بدورها ترى خلود خير، الشريك الإداري في مركز "إنسايت ستراتيجي بارتنرز"، بأن "استقالة حمدوك كانت خطوة ضرورية، على الرغم من أنها جاءت في وقت مشحون بالأزمة والتوتر".
وأضافت: "بالطبع الوضع في السودان الآن غير واضح وغير مؤكد، ولكن لو بقي حمدوك في منصبه، لكان يمكن للجيش الاستمرار في الادعاء بأن الحكومة يقودها مدنيون".
وتابعت خير في حديث لـ"عربي21": "ولكن بعد الانقلاب، أصبح ادعاء العسكر بأن الحكومة مدنية كذبة يصعب على الشعب السوداني قبولها أو تصديقها، ومن أجل حمدوك والوطن على حد سواء، فإن الاستقالة تخفف من عبء ادعاء العسكر بأن الحكومة مدنية".
ولفتت إلى أن "الصعوبة الآن تكمن في أن لا أحد يرى مخرجا واضحا للخروج من الأزمة، التي أصبحت الآن أعمق من ذي قبل".
مدخل لإنفراجة سياسية
من جهته توقع المحلل السياسي السوداني، محمود جحا، أن "تفتح استقالة حمدوك بابا ومدخلا واسعا لمعالجة الشأن السياسي، على اعتبار أن هناك احتقانا وضغطا عاليا، وهذه الاستقالة ستكون بمنزلة تنفيس لحالة الضغط في الساحة السياسية".
اقرأ أيضا: توقعات باستقالة حمدوك.. واعتقالات متواصلة في السودان
وأكد جحا خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "كان يجب أن يتقدم حمدوك بالاستقالة منذ وقت مبكر، لأن المعادلات السياسية المطروحة لم تكن ستفضي إلى أي نتائج عملية أو إيجابية تولد قوة دفع، أو تفسح المجال لانطلاق البلد في مسارها الطبيعي".
رد الشارع
وكان الشارع السوداني قد عبر عن رفضه للتحرك الذي قام به البرهان في 25 تشرين الأول/نوفمبر 2021، وطالب في البداية بعودة رئيس الوزراء آنذاك حمدوك لمنصبه، وعلى الرغم من عودته إلا أن الاحتجاجات تواصلت.
وشهد الشارع السوداني مظاهرات مطالبة بتنحي العسكر عن السلطة، وعبرت في الوقت ذاته عن إدانتها للعنف الدموي الذي تعرضت له الاحتجاجات منذ بدايتها حتى اليوم الذي استقال فيه حمدوك، حيث قُتل متظاهران اثنان خلال ما سماها المتظاهرين "مليونية" الشهداء.
ومع استقالة حمدوك، يبقى السؤال الأهم: هل سينفض الشارع وتتوقف المظاهرات أم ستستمر؟
وأكد جحا أن "الشارع كانت تحركه قوى سياسية معلومة تريد أن تظل البلاد رهينة لهذا الموقف المتأزم"، مضيفا: "وهم أولئك الذين يدعون للصراع الطبقي ويدعون للثورة الدائمة، والذين يعملون باستمرار للحفاظ على هذا الوضع المتوتر؛ اعتقادا منهم أن هذا الوضع سيفضي لإفراز قيادات ثورية جديدة".
وأوضح بأن "هذه القوى السياسية تؤمن بهذا المنطق إيمانا راسخا، وتعمل عليه ولديها تجارب في بلدان كثيرة".
وأشار إلى أن حراك الشارع سيستمر، ولكنه سينخفض تدريجيا مع الوقت، وإذا وفقت القوى السياسية في اختيار رئيس وزراء جديد سينخفض أكثر".
ولفت إلى أن "الشارع السوداني لم يكن يتحرك ضد مجلس السيادة، بل ضد الأوضاع الغامضة والمتردية والخدمات المنعدمة والخدمة المدنية المتبطلة والغلاء الفاحش وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وأنه تحرك بسبب الضجر والإهانة التي يتعرض لها منذ سنين على مدى كل العهود بسبب فشل الأنظمة السياسية".
وأضاف: "تغيير وجه الحكم في السودان لم يكن هو المشكلة، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، فالمشكلة الحقيقية أن هذه الحكومة والحكومات التي قبلها لم تعالج جذور القضية، التي "خلقت غطاء حكوميا ممسكا ومحتكرا للاقتصاد، ولم تتح الفرصة لأبناء الشعب العامل أن يتحركوا لبناء قدراتهم الاقتصادية".
من ناحيته أوضح مارشال، أن "الشارع لم يقبل اتفاق حمدوك مع الجيش أبدا، لذلك فقد حمدوك بين عشية وضحاها معظم هيبته، واستقالته دليل على أنهم كانوا على حق وأنه كان على خطأ".
الاحتجاجات ليست ضد شخص
وفي معرض ردها على حديث جحا بأن حراك الشارع سيبدأ بالتناقص تدريجيا، نفت خير ذلك وقالت: "لا، هذا لا يبدو صحيحا، حيث لم تعد الاحتجاجات تدور حول حمدوك، إضافة إلى ذلك، فإن وجود حمدوك في موقعه، أدى في الواقع إلى تقسيم الكتلة المدنية مع من يدعمونه ويحثون الآخرين على منحه الفرصة".
وعبرت عن اعتقادها بأن "السودان عاد لوضع مشابه لما كان عليه في كانون الثاني/ يناير 2019، حيث تميزت تلك الفترة التي سبقت الإطاحة بالبشير بنفس التوتر ونفس الاحتجاجات".
اقرأ أيضا: قتيلان من متظاهري "مليونية الشهداء" في السودان
وأوضحت أن "التحركات في الشارع لم تكن تتعلق أبدا بشخص واحد، ومن ثم لم تكن أبدا تتعلق بحمدوك أيضا، فحركة الشارع سبقت تسلمه منصبه وستبقى من بعد رحيله"، بحسب قولها.
وتابعت: "ما رأيناه خلال الأسابيع القليلة الأولى من الانقلاب، هو أن حمدوك استعاد مرة أخرى الشعبية التي كان يتمتع بها من قبل لكنه فقدها، منذ توقيع اتفاقية 21/11 مع البرهان، حيث خسر الكثير من التأييد، كذلك ساهمت الاتفاقية بتعزيز عزيمة الشارع".
وأشارت إلى أنه "من العدل القول إن ما فعله حمدوك في توقيعه للاتفاقية أثر على سياسة الشارع، لكنه لم يكن هو وحده ما حركه، وعليه فمن المرجح أن نشهد عودة إلى الجو الثوري الذي كان في أيلول/ سبتمبر 2018، وسنشهد استمرار الاحتجاجات حتى يصبح الحكم الديمقراطي حقيقة وممكنا".
وأضافت: "وهذا يعني أن على البرهان الرحيل، وأن تلتزم القوات المسلحة السودانية بعزل نفسها ومصالحها خارج السياسة، وبالطبع لن يكون ذلك سهلا، وسيتطلب جهودا دولية متضافرة لإنجازه".
واتفق دي وال مع توقعات خير باستمرار تحرك الشارع، مؤكدا أن "المتظاهرين سوف تزداد جرأتهم أكثر، بعد استقالة حمدوك".
البديل غامض
ولم يذكر حمدوك خلال خطاب الاستقالة الذي ألقاه مساء الأحد، إذا ما كان اتفق مع مجلس السيادة على تحديد من سيخلفه في منصب رئاسة الوزراء أم لا، وتواصلت "عربي21" مع مكتب حمدوك للحصول على تعليق، لكنها لم تحصل على جواب حتى اللحظة.
وعلى الرغم من أن الحديث عن استقالة حمدوك ونيته تقديمها قد بدأ منذ أسابيع، إلا أنه لم يرشح أي معلومات حول من قد يستلم مكانه، مما زاد المشهد السوداني ضبابية أكثر، وجعل الناس تتساءل عن من هو البديل.
ويعتبر الباحث البريطاني أليكس دي وال أن "أحد التحديات التي يواجهها الشارع، هو أنهم لم يبلوروا بعد برنامجا سياسيا يتجاوز رفض الجيش، وقد منح ذلك حمدوك مصداقية كافية مع اللاعبين الدوليين ليتمسكوا به، بحجة أنه لا يوجد بديل".
وأضاف: "لكن البرهان لن يتخلى عن شبر واحد، كما أوضحت، وأرى أنه لا يوجد شخص موثوق به يمكنه أن يؤدي دور حمدوك الآن، وإذا كان هناك شخص كحل وسط - وهو ما أشك - فقد اختفى".
بدوره يرى الباحث الفرنسي رولاند مارشال أنه "في هذه المرحلة، يمكن للمرء أن يفترض أن الجنرال البرهان وزملاءه سيعينون رئيس وزراء جديد غير معروف، ولكنه جيد بملف التكنوقراط، ولكنه بنفس الوقت مرتبط إلى حد ما بحزب المؤتمر الوطني، وإن لم يكن من أعضاء الحزب".
وخلص بالقول: "لذلك أعتقد أن المواجهة مع القوى السياسية المدنية ستستمر لبعض الوقت".
من ناحيتها عبرت الباحثة خلود خير، عن اعتقادها بأنه "سيكون من الصعب على أي شخص مهتم بتغيير ديمقراطي حقيقي القبول بأن يصبح رئيسا للوزراء في ظل هذه الظروف الحالية".
وأضافت: "لكن ربما يكون لدى العسكريين والجماعات المسلحة التي وقعت معهم اتفاقا العام الماضي، شخص يفكرون بتسليمه المنصب، لكن برأيي سيواجه هذا الشخص مقاومة شديدة، خاصة أن الغموض حول دعمه للانقلاب سيقل كون من اختاره هم العسكر".
وخلصت بالقول: "هناك حاجة إلى اتفاق سياسي جديد، يمكن أن يفضي إلى نظام سياسي جديد، وليس مثل النظام الذي كان موجودا خلال العامين الماضيين".
بدوره أكد المحلل السياسي محمود جحا "ضرورة أن تقوم القوات المسلحة بعمل استطلاع واسع في الأوساط المدنية، لاختيار رئيس وزراء مقتدر لديه الخبرة ويجد القبول لدى القوى السياسية".
وأضاف: "حاليا لا توجد أسماء بعينها، وإن وجدت هذه الأسماء ينبغي أن تلقى القبول من قبل الأوساط السياسية والشعبية".
وأوضح بأن "هناك بعض الأسماء التي طرحت في المرة الماضية حينما قام السيد البرهان في إجراء التغيير في 25 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن التحدي ميداني وليس أكاديميا أو نظريا، بمعنى من هو الشخص الذي لديه القدرة على تهدئة الشارع ومعرفة الواقع ومعايشته، وإقناع القوى المختلفة بأن المسؤولية تقع على الجميع وعلى أن يتعاون الكل في تحمل المسؤولية؟".
الحوار مع "الحرية والتغيير"
وحول إمكانية حدوث حوار بين مجلس السيادة والمكون المدني الرئيسي خلال العامين الماضيين، قوى الحرية والتغيير قال جحا: "قوى الحرية والتغيير منقسمة على نفسها، ومجلس السيادة لديه تفاهم مع قسم منهم، وأما القسم الآخر المؤسس فله خلافات مع مجلس السيادة، بينما المجموعة الثانية المنشقة عنها لها علاقات مع المجلس، ولكن هذا لا يكفي".
وأكد أنه "يجب أن تتسع دائرة المشاورات؛ لأن هناك قوى سياسية وجماهير وقضايا متعلقة بمعاش الناس".