هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "العالم من منظور غربي"
المؤلف: عبد الوهاب المسيري
الطبعة الرابعة
"التغريب"، أو "الغزو الثقافي الغربي"، هو إحدى صور"الغزو الثقافي الفكري"، أخطر أشكال الغزو على الإطلاق، لما يتسبب فيه من خسائر أعمق بكثير من الغزو العسكري، أو الاقتصادي.
أما "التحيُّز"، فهو الانضمام والموافقة في الرأي. وقضية التحيُّز في المنهج، والمصطلح، هي مشكلة كبيرة؛ تواجه أي دارس، في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، لكنها تواجهنا في العالم الثالث بِحِدَّة.
من خلال كتاب "العالم من منظور غربي "، تناول الدكتور عبد الوهاب المسيري، مناقشة قضية منهجية، وفكرية شديدة الأهمية، هي محاولة الإنسان الغربي فرض نماذجه على شعوب العالم. وإن كان لكل مجتمع تحيٌّزاته، لكن ما حدث هو أن كثيراً من شعوب العالم بدأت تتخلى عن تحيُّزاتها النابعة من واقعها التاريخي، والإنساني، والوجودي، وبدأت تتبنى التحيُّزات الغربية، فبدأت تنظر لنفسها من وجهة نظر الغرب.
يدق المسيري في كتابه هذا ناقوس الخطر؛ لأننا لم ننتبه لخطورة الغزوة الحضارية التي تقُوضُنا من الداخل، والخارج، وتقضي على هويتنا وعلى أشكالنا الحضارية، ومنظوماتنا المعرفية، والقيمية.
تناول المؤلف مفهوم التحيُّز الفكري، والمعرفي، وأصله الحضاري والثقافي، ساعياً لتقديم نموذج بديل لذلك النموذج الغربي؛ انطلاقاً من حتمية التحيُّز، وضرورة احترام خصوصية كل مجتمع ، وتفكيك الخطاب الغربي، المادي الذي يهدف لتحويل العالم إلى مجرد وسيلة تُوَّظف لخدمة غرض التطور التكنولوجي، وتنفي فكرة القيمة التي هي جوهر إنسانية الإنسان.
جاء الكتاب في 187 صفحة من القطع المتوسط، توزعت ما بين مقدمة، وبابين، قٌسم الباب الأول إلى أربعة فصول، والباب الثاني إلى فصلين.
بدأ المسيري مقدمة كتابه بإشارة مختصرة لمعنى التحيُّز بوجه عام، موضحاً أن دراسة هذا الكتاب تتصدى لإشكالية التحيُّز بمزيد من التفصيل وتحاول أن تتجاوز عملية التفكيك، وصولاً إلى الجانب التأسيسي؛ عن طريق تحديد بعض المنطلقات الأساسية للنموذج البديل، ثم أتى ببعض الأمثلة على محاولات تطبيقه.
يدق المسيري في كتابه هذا ناقوس الخطر؛ لأننا لم ننتبه لخطورة الغزوة الحضارية التي تقُوضُنا من الداخل، والخارج، وتقضي على هويتنا وعلى أشكالنا الحضارية، ومنظوماتنا المعرفية، والقيمية.
"النماذج والتحيُّز"، عنوان الفصل الأول من الباب الأول، عرف فيه الكاتب معنى "النموذج"، و"التحيُّز"، تعريفاً جذرياً، مع ضرب الأمثلة التوضيحية، التي تيسر على القارئ الوصول إلى المعنى المقصود، مثل نموذج " البطيخة الفلسطينية "، أحد النماذج المعرفية التي تحركت في إطاره الانتفاضة الفلسطينية، "... والنماذج (أو الخرائط ) الإدراكية والمعرفية تولد إدراكاً مختلفاً من شخص لآخر ومن حضارة لأخرى لنفس الظاهرة" (ص 15).
في تمهيد لما سوف يطرحه الكاتب من نموذج بديل، اقترح استحداث تخصص علمي جديد يسمى بـ "فقه التحيز"، بعدما لاحظ أن العلماء العرب المحدثين لم يضعوا أسس أي علم على الإطلاق، كاشفاً بهذا الاقتراح عن تحيزاته!، و ينهي هذا الفصل بسمات التحيُّز الأساسية، وأنواعه.
خصص المسيري الفصل الثاني للحديث عن أهم أشكال التحيُّز، وأكثرها شيوعاً، في العالم، وهو "التحيُّز للنموذج الحضاري الغربي"، وأمثلة هذا التحيُّز، التي توضح مدى هيمنة ذلك النموذج في أبسط الأشياء التي تحيط بنا، والأسباب التي أدت لذلك، ودور بعض التيارات السياسية، والمجتمعات العربية في هيمنة النموذج الحضاري الغربي الحديث، أو تراجعه.
عن التحيُّز للنموذج المعرفي المادي كأحد نماذج الحضارة الغربية، جاء الفصل الثالث، موضحاً أشكاله، وسماته؛ التي من أهمها النظر إلى العالم من خلال نموذج كمي رياضي، يضع الربح قبل الإنسان، ويسمي نفسه "موضوعياً، وحيادياً"! ويعتبر العالم مجرد مادة استعمالية.
"وتستمر خطايا الماضي تطارد الحاضر، فمن المعروف أن التجارب على البشر تشكل خطراً كبيراً، ومع هذا أُخضع ثمانية عشر شخصاً ـ من بينهم ربات بيوت وثلاثة أمريكيين أفارقة وشبان مراهقون ومتقاعدون كبار في السن، بل وصبي في الرابعة من عمره ـ لدراسة أُجريت على مستوى قومي في الفترة ما بين 1945 ـ 1947، لتحديد مدى السرعة التي ينتقل بها البلوتنيوم داخل الجسم. (هذا هو ما يفعلونه في بلادهم وعلى مواطنيهم، فما بالكم بما يفعلونه بنا؟!)" (ص 63).
من أكثر الأمثلة التوضيحية التي ساقها المؤلف عن هذا النوع من التحيُّز، والتي تبناها النظام النازي، هي التجارب العلمية على البشر، فأزاح بها المسيري الستار عن طبيعة هذا التحيُّز الماديه، النفعيه ، ورؤيتها المعرفية، والأخلاقية، وما أُثير مؤخراً، عن مدى أخلاقية الاستفادة من معلومات تم الحصول عليها في مثل هذه الظروف، وبهذه الطريقة الشيطانية، ليستخلص الكاتب صفات هذا النموذج وما نتج عنه من تحيُّزات، أهمها التحيُّز للطبيعي، والمادي؛ على حساب الإنساني، وغير المادي.
ألقى المؤلف في الفصل الرابع حزمة من الأضواء على بعض متحيزات النظام المادي المتعينة منها، "التقدم "، الذي تلهج به كل الألسنة، وأصبح هدفاً لكل الناس، وكيف يُعرَّف " التقدم " في المنظومة الغربية بطريقة مادية بالدرجة الأولى، وما يستند إليه من منطلقات محددة، وما يتسم به من سمات واضحة، ذكرها المسيري في عدة نقاط ، مختتمًا إياها بالنقد، ثم تناول بعض المتحيزات المتعينة الأخرى، ليكتشف القارئ، في نهاية هذا الفصل، أن المصطلحات التي ننقلها من الغرب؛ تحمل كل تحيُّزات النموذج المعرفي الغربي المادي الحديث.
حينما ننجز ذلك، أي إدراك الغرب كمتتالية حضارية نسبية، فنحن سننظر إليه بدون قلق، إذ ليس علينا قبوله بخيره وشره (كما يفعل بعض دعاة التغريب) أو رفضه بقضَّه وقضيضة (كما يفعل بعض السلفيين الجامدين)
"