نشرت
مجلة "
فورين أفيرز" مقالا لاختصاصي السياسة الخارجية في جامعة أوتوا، قمران
بخاري، قال فيه إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الصيف الماضي تسبب في إزعاج العديد
من الدول المجاورة التي اعتادت أن تتكفل أمريكا بالأعباء الثقيلة في المنطقة.
وأضاف
في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أنه مع سيطرة طالبان على كابول، من المرجح
أن تتوسع الشبكات المسلحة، وقد ينتشر انعدام الأمن عبر حدود أفغانستان. لا يزال هذا
الاحتمال مدعاة للقلق في ما يصل إلى اثنتي عشرة دولة. أكبر جيران أفغانستان،
إيران
وباكستان، هما الدولتان اللتان تتمتعان بأكبر قدر من النفوذ في البلاد والأكثر تعرضا
للخطر.
لقد
سمحت حدودهما الطويلة مع أفغانستان، إضافة إلى الروابط التاريخية العرقية واللغوية والثقافية،
بلعب أدوار مهمة في الشؤون الداخلية لأفغانستان. على النقيض من ذلك، لا تتمتع أي من
دول آسيا الوسطى الثلاث المجاورة أو الصين، والتي تشترك في حدود مع أفغانستان، بنفس
المستوى من النفوذ في البلاد. وتعتمد الصين على كل من إيران وباكستان لإدارة أفغانستان
التي تسيطر عليها حركة طالبان، وتعتمد دول الخليج العربي على
باكستان لضمان خدمة مصالحها
في البلاد.
في أعقاب
رحيل أمريكا، ستكون إيران وباكستان المتنافسين الرئيسيين في تشكيل مستقبل أفغانستان
التي تديرها طالبان. وعلى الرغم من خلافاتهما العديدة، تسعى كل من إيران وباكستان إلى
الاستقرار والأمن في بلد كان في حالة حرب منذ جيلين. وهو ما سيضطرهما للتعاون بطرق
لم يسبق لهما القيام به في الماضي.
تحتاج
إيران وباكستان أن تشكل طالبان حكومة يمكنها الحفاظ على قدر أدنى من الاستقرار تمنع
انتشار تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات الجهادية العابرة للحدود. فبعد تحييد تهديد
تنظيم الدولة على حدودها الغربية في العراق مؤخرا، لا تريد إيران أن ترى الجهاديين
يزدادون قوة على حدودها الشرقية. تخشى باكستان أن تحفز أنشطة تنظيم الدولة في أفغانستان
المسلحين داخل حدودها.
قد تهيمن
طالبان الآن على أفغانستان عسكريا، لكن الحركة بعيدة جدا عن إقامة حكم فعال في جميع
أنحاء البلاد، ناهيك عن اقتصاد قابل للحياة في غياب الاعتراف الدولي بنظامها. وفي ظل
هذه الظروف، يمكن لتنظيم الدولة أن يكسب الأرض. ستستفيد الجماعة المسلحة وغيرها من
القوات الجهادية العابرة للحدود من كفاح طالبان لتحقيق التوازن بين البراغماتية اللازمة
للحكم والتزاماتها الأيديولوجية الأساسية. إذا اعتدلت طالبان في سلوكها، فقد تفقد العديد
من أعضائها لجماعات أكثر تطرفا.
تأتي
سيطرة طالبان على أفغانستان في وقت صعب لكل من إيران وباكستان، حيث تواجه باكستان أعمق
مشاكلها الاقتصادية منذ الاستقلال، وتتفاوض بشأن قرض آخر مع صندوق النقد الدولي، ويزيد
الطين بلة التوترات غير المسبوقة بين المؤسسة العسكرية والقادة المدنيين. وبالمثل،
بعد أربعة عقود، يمر نظام الملالي في طهران بمرحلة انتقالية كبيرة من رئيس معتدل إلى
رئيس أكثر تشددا ويواجه السؤال الذي يلوح في الأفق حول من سيخلف المرشد الأعلى المريض
آية الله علي خامنئي. وتعاني إيران أيضا من قدر كبير من المعاناة المالية بسبب العقوبات
الدولية. وإذا بدأت أفغانستان في تصدير الاضطرابات واللاجئين والتشدد، فلن يؤدي ذلك
إلا إلى تفاقم المشكلات لكلا البلدين.
كما
تشكل أفغانستان بوابة رئيسية لإيران وباكستان إلى آسيا الوسطى، لا سيما من حيث طرق
الطاقة والتجارة. ويمر جزء كبير من مشروع مبادرة الحزام والطريق عبر مناطق بالقرب من
الحدود الأفغانية وهو عرضة لضربات متمردي طالبان الباكستانية وكذلك المسلحين البلوش
الانفصاليين. لذلك، فإن انعدام الأمن الذي ينبع من أفغانستان يهدد الخطط الصينية في
باكستان. وبالمثل، يأمل الإيرانيون أن اتفاقا نوويا جديدا سيسمح للصينيين بالمضي قدما
في خططهم لتوسيع مبادرة الحزام والطريق إلى بلادهم.
لقرون،
تنافست الدول التي نشأت في الهضبة الفارسية إلى الغرب من أفغانستان وتلك المتمركزة
في سهول البنجاب إلى الشرق على أراضيها. ولكن تتمتع باكستان بميزة جغرافية وثقافية
على إيران. يبلغ طول حدودها مع أفغانستان ما يقرب من ثلاثة أضعاف طول حدود إيران مع
أفغانستان، مما يتيح لباكستان مجالا أكبر للتأثير على الأحداث في الدولة الحبيسة. وحافظت
إيران تقليديا على روابطها مع الأقليات الأفغانية المختلفة (بما في ذلك الطاجيك والأوزبك
والهزارة والتركمان والإيماك والبلوش) واستفادت من حقيقة أن لغة البلد المشتركة هي
الداري (البديل الأفغاني للفارسية)، الأمر الذي يسمح لطهران بإقامة
علاقات عميقة ليس
فقط مع مجموعات الأقليات هذه ولكن أيضا مع البشتون. من ناحية أخرى، مارست إسلام أباد
نفوذها بشكل أساسي في جارتها الغربية عبر البشتون، الذين يمثلون أكبر مجموعة عرقية
في أفغانستان ويشكلون ما يصل إلى 45% من السكان. ويشكل البشتون ما يقرب من خمس سكان
باكستان.
في التسعينيات،
أظهر الدعم الباكستاني لطالبان، التي يغلب عليها البشتون، قوة هذا الارتباط. وساعد
الدعم الباكستاني حركة طالبان في تأسيس نظامها الأول في عام 1996. وحتى بعد أن أطاحت
أمريكا بحركة طالبان في عام 2001، استمرت إسلام أباد في دعم الجماعة.
في المقابل،
راهنت إيران على خيول خاسرة في أفغانستان. في التسعينيات، دعمت تحالفا من الجماعات
الأصغر والأضعف المعارضة لطالبان والتي تم تشكيلها إلى حد كبير من المجتمعات التي تميل
إلى التحالف مع طهران، مثل الطاجيك والهزارة الشيعة. لم يشكل هذا المعسكر المناهض لطالبان
طليعة سياسية يمكن أن تنافس طالبان وظل منقسما لأسباب عرقية.
قد يوحي
هذا التاريخ بأن أسياد كابول الجدد سيتحالفون بشكل وثيق مع إسلام أباد ويرفضون طهران.
لكن المشهد الجيوسياسي في البلاد قد تغير بشكل كبير في السنوات العشرين منذ أن أطاحت
أمريكا بأول إمارة لطالبان في عام 2001. ولا تتمتع باكستان بنفس النفوذ على طالبان
كما فعلت في التسعينيات. لم تعد حركة طالبان نفسها مجرد ظاهرة بشتونية؛ في الواقع،
لقد حققوا نجاحات كبيرة في مجتمعات الأقليات العرقية، وهو ما يفسر إلى حد كبير كيف
استولت الجماعة المسلحة بسرعة على مناطق في شمال البلاد في أوائل آب/ أغسطس 2021. في
السنوات الخمس عشرة الماضية، طورت إيران أيضا علاقات مع عناصر من طالبان لإدراكها بأن
الحركة أقوى وأهم من أن يتم إهمالها.
و قطعت
إيران شوطا طويلا منذ عام 2001، عندما قدمت دعما استخباراتيا لأمريكا وساعدت شركاءها
في التحالف الشمالي على الإطاحة بطالبان من السلطة. تدهورت العلاقات بين إيران وأمريكا
بشكل كبير بعد ذلك وسط الخلافات حول برنامج طهران النووي وتورط واشنطن في العراق. بدأ
الإيرانيون في تنمية العلاقات مع طالبان في وقت ما حوالي عام 2005. وبحلول عام
2009، كان فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية لقوة النخبة العسكرية الإيرانية، الحرس
الثوري الإسلامي يمد متمردي طالبان بالأسلحة. في الوقت نفسه، حافظت إيران على علاقات
مع الأقليات فضلا عن خطوط الدعم للنظام المدعوم من أمريكا في كابول، حيث أمدته بما
يصل إلى مليون دولار سنويا.
من جانبها،
حاولت باكستان أيضا بناء علاقات مع قوى أخرى في أفغانستان. وقد تواصلت لأول مرة مع
حكومة كابول والفصائل المناهضة لطالبان منذ حوالي 15 عاما. لم تكن هذه المبادرات موضع
ترحيب حار دائما؛ ظل معارضو طالبان القدامى غير واثقين بشدة من إسلام أباد. في غضون
ذلك، أدت محاولة باكستان التعاون مع المجهود الحربي الأمريكي إلى فقدان احتكارها للنفوذ
على طالبان.
بحلول
منتصف عام 2010، لم تكن طالبان قد أقامت علاقات مع إيران فحسب، بل بدأت أيضا مفاوضات
مع واشنطن، وأنشأت مكتبا سياسيا في قطر، وواصلت العلاقات مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا
وتركيا والدول الأوروبية وغيرها. لا تزال إسلام أباد تتمتع بأكبر صلات مع حركة التمرد
الأفغانية، لا سيما مع فصيل حقاني المتمركز في شرق أفغانستان ومجلس شورى كويتا القديم
الذي يمثل معقل حركة طالبان الأصلي في جنوب البلاد.
خلال
حقبة تمرد طالبان، حافظت إيران وباكستان على قنوات الاتصال والدعم مع كل من الحكومة
في كابول والمسلحين. ولكن الآن مع سيطرة طالبان على السلطة وسحق قوى المعارضة إلى حد
كبير، تواجه طهران وإسلام أباد وضعا لم تكونا مستعدتين له على الأرجح. فكيف تضمنان
أن من ساعدتا في شن تمرد سيحكمون الآن بطريقة لا تؤدي إلى انعدام الأمن على نطاق أوسع
وتهدد مصالحهم الوطنية؟
تدرك
إيران وباكستان أنه يجب التعاون في إدارة الوضع الأمني في أفغانستان. يشير تشكيل حكومة
طالبان المؤقتة إلى درجة من التنسيق بين البلدين. فقد هيمن قادة متشددون مقربون من
باكستان على الحكومة الأولية التي كشفت عنها حركة طالبان. لكن في غضون أيام قليلة،
وبعد بعض المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والباكستانيين على هامش اجتماع منظمة
شنغهاي للتعاون في دوشانبي في أيلول/ سبتمبر 2021، تمت تسمية شخصيات من الأقليات ذات
العلاقات الوثيقة بإيران لحقائب وزارية رئيسية.
وتأمل
طالبان من خلال ذلك في تحقيق هدفين هما: إقناع الأقليات بأنها ستكون ممثلة في السلطة
المؤقتة وفي حكومة مستقبلية، وإقناع المجتمع الدولي بأنها استجابت للدعوات لتشكيل حكومة
شاملة.
على
الرغم من محاولات التعاون هذه، لا يسع إيران وباكستان إلا أن يكونا حذرين من بعضهما
البعض. طهران قلقة من علاقات إسلام أباد الوثيقة مع السعودية والإمارات. ولا تزال باكستان
تشعر بقلق عميق بشأن تحالف الهند، عدوها اللدود، بشكل وثيق مع إيران.
سيكون
لإيران وباكستان التأثير الأكبر على أي نتيجة تظهر في أفغانستان التي تديرها طالبان.
ستعتمد القوى العظمى مثل الصين وروسيا على علاقاتها الثنائية مع طهران وإسلام أباد؛ لمحاولة التأكد من أن حالة عدم اليقين في أفغانستان لا تزعج خططها الاستراتيجية لوسط
وجنوب آسيا.
بافتراض
أن أفغانستان ستحقق في نهاية المطاف بعض مظاهر الاستقرار، سيسعى كل من الإيرانيين والباكستانيين
إلى الاستفادة من نفوذهم لتعزيز مصالحهم الاقتصادية في البلاد وفي المنطقة. لكن في
المستقبل المنظور، سيكافح كلاهما للتأكد من أن أفغانستان لا تقوض أمنهما القومي.