في مطلع عام ٢٠٢٠م، سيطرت جماعة الحوثي على مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، ثم استولت على كامل محافظة الجوف عدا المناطق الصحراوية فيها، وبعدها انتقلت لمهاجمة محافظة
مأرب من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية الغربية. واستمرت المعارك تراوح مكانها في مناطق عدة في المحافظة، إلى أن تمكنت الجماعة من إسقاط كامل محافظة البيضاء وعدة مناطق في محافظة
شبوة في أيلول/ سبتمبر ٢٠٢١م، مما سهل عليها فتح جبهة جديدة على مأرب من الجهة الجنوبية الشرقية هذه المرة، وبذلك أصبحت المحافظة في فكي كماشة وشبه محاصرة.
وبعيدا عن مأرب، سيطرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على أجزاء واسعة من محافظة الحديدة، بعد الانسحاب الغامض للقوات التابعة الحكومة منها.
وبالتزامن مع ذلك، تعرضت السعودية لمئات الهجمات بالصواربخ الباليستية والمجنّحة والطائرات المسيرة طيلة العام الماضي تقدر بضعف عدد الهجمات مقارنة بالعام الذي قبله؛ بعضها استهدف الرياض والمنطقة الشرقية الغنية بالنفط، هذا بجانب عدة هجمات بحرية بالزوارق المفخخة وغيرها، وكلها علامات كانت تدل وما تزال على أن
الحوثيين صاروا يمتلكون ترسانة ضخمة من الأسلحة، بما فيها صواريخ مضادة للدبابات وألغام بحرية وقوارب مسيرة، ولديهم مهارة في استخدم التكنولوجيات العسكرية الحديثة تعاظمت مع سنين الحرب.
وبذلك باتوا هم الطرف الأقوى الذي يسيطر على المشهد العسكري والسياسي على حد سواء، فهم من يحددون زمن انطلاق المعارك وتوقفها، ويضعون شروطا لبدء المفاوضات، ويرفضون الوساطات ما لم تحقق لهم أهدافهم. وكثير من التحليلات كانت تتوقع أن ترضخ السعودية في النهاية وتقبل بشروطهم مقابل ضمانات بإيقاف الهجمات عليها؛ حتى يصبح الطريق سالكا أمامهم لهضم بقية المناطق.
وكان هذا هو المشهد على الأرض، إلى أن غيّر
التحالف من استراتيجيته وبدأ باستهداف كثير من المواقع في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بعد توقف امتد لشهور طويلة. وفي نهاية العام الفائت، تعهد بإطلاق عملية عسكرية كبيرة تعيد له الاعتبار وترجح الموازين لصالح القوات الحكومية من جديد.
وفعلا ترجم التحالف تهديداته بإرسال "ألوية العمالقة" إلى محافظة شبوة، التي بدورها شنت هجوما كبيرا على مديريات بيحان واستعادتها من الحوثيين بعد عشرة أيام فقط من المعارك العنيفة. ويوم الأربعاء (١١ كانون الثاني/ يناير الجاري)، بدأت بالتوغل في مديرية حريب التابعة لمحافظة مأرب.
وفي تلك الأثناء، وصل ناطق التحالف "تركي المالكي" إلى مدينة عتق مركز محافظة شبوة وعقد فيها مؤتمرا صحفيا قال فيه: "نعلن عن انطلاق العملية (حرية
اليمن السعيد) اعتبارا من صباح اليوم في المحاور كافة، وهي عملية ليست عسكرية بالمصطلح العسكري، ولكنها لنقل اليمن إلى النماء والازدهار، ليصبح اليمن في المصفوفة الخليجية في مجالات التطور والنماء والازدهار".
ما وراء العملية الجديدة؟
ليس واضحا بعد ما المقصود بهذه العملية، وكيف ستنطلق، وما معنى القول بأنها "عملية ليست عسكرية بالمصطلح العسكري"، وهل ستكون شاملة كما جاء في التصريح أم إنها فقط ستشمل بعض الجبهات؟
والشيء الوحيد الواضح، هو أن السعودية على ما يبدو أدركت أنها ستقع في مأزق كبير في حال سقوط مأرب خط الدفاع الأهم والأكبر لها في وجه التمدد الإيراني، فقررت تدارك الموقف قبل خروجه عن السيطرة تماما، وهذا ما يفسر إرسالها لقائد عملياتها "يوسف الشهراني" إليها في الفترة الأخيرة.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلا، سنكتشف أنها ليست المرة الأولى التي يدشن فيها التحالف عملية عسكرية؛ ففي البداية أطلق عملية عاصفة الحزم التي غيرت خريطة السيطرة في الميدان لا سيما في جنوب البلاد، ثم أعلن عن عملية جديدة باسم "الرمح الذهبي" عام 2016م؛ تكللت بالسيطرة على الشريط الساحلي من باب المندب إلى المخا.
ومن الصعب التنبؤ بمآل العملية الجديدة ومقارنتها بسابقاتها، فقد تكون عملية واسعة تشمل جميع الجبهات بهدف القضاء على الحوثيين نهائيا، وهذا مستبعد لاعتبارات إقليمية ودولية متعددة، وقد يكون الهدف هو إضعافهم وإلحاق الهزيمة بهم في جبهات محددة لإجبارهم على وقف إطلاق النار، وهذا هو المرجح.
وبعيدا عن المسميات الفضفاضة، لن يقوم التحالف الآن بما عجز أو تلكأ في إنجازه خلال سبع سنوات؛ أكان في الجانب العسكري أو التنموي، فالجميع يتذكرون عملية "إعادة الأمل" وكيف أنها لم تُعد الأمل لليمن بعد، لكن المؤكد هو أن موازين القوى بدأت تتغير، وربما فصل جديد من فصول الصراع سيفتح بابه قريبا.