قضايا وآراء

الأزمة الليبية والبرلمان.. عندما تسلم رقبتك للجزار!

1300x600
1300x600
تخبط وانحدار في المستوى... هو أقل ما يمكن أن توصف به حال العملية السياسية في ليبيا إن صح وصفها بالسياسية أصلا...!!

منذ التصويت على رئيس الحكومة ورئاسة المجلس الرئاسي في جنيف من قبل أعضاء ملتقى الحوار السياسي في شباط/ فبراير 2021، بات الخاسر في التصويت يسعى بما أوتي من قوة للعودة إلى المشهد وإخراج القائمة الفائزة في هذا التصويت...

فوز قائمة عبد الحميد الدبيبة (رئيس الحكومة) ومحمد المنفي (رئيس المجلس الرئاسي) في جنيف أصاب متصدري المشهد السياسي بالصدمة، خصوصا أعضاء قائمة التحالفات المتناقضة: وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وهو تحالف جاء إلى الوجود رغم كل الخلافات السياسية وحتى الحروب التي كانت بين الأطراف التي يمثلانها.

تقارب باشاغا وعقيلة لم ينته بعد إخفاقهما في جنيف... بل تحول إلى استراتجية أخرى أكبر همها إزالة الحكومة الجديدة وتشكيل أخرى، وهو الأمر الذي أثر على شكل المرحلة الحالية رغم الإقرار بوجود مشاكل وأخطاء وحتى فساد في حكومة الوحدة التي يرأسها الدبيبة.

شكل هذا الصراع مرحلة لم تشهدها البلاد، وهي أقرب إلى مناكفات الطفولة أيام الدراسة، فصار البحث عن الزلات هو أبرز سمات هذه المرحلة في بدايتها... ثم التضييق على الحكومة ومنع الميزانية عنها، قبل أن يتم سحب الثقة منها من قبل البرلمان ورئيسه عقيلة صالح...!!

ماذا كنا نتوقع غير ذلك؟ فكيف يمكن أن يقوّم عملك من كنت سببا في خسارته؟

غير أن هذه المناكفات الصبيانية - واعذروني في الوصف - لم تتوقف عند هذا الحد... حيث صيغت قوانين الانتخابات من قبل البرلمان بشكل مفصل على شخصيات بعينها بحيث تقبل فلانا وترفض علانا... قوانين لست في صدد شرحها، لكن على الأقل يمكن الحديث عن قانون التوقف عن ممارسة العمل السياسي قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، وهو ما فعله عقيلة والجنرال خليفة حفتر، لكنهما فعلا ذلك قبل نشر واعتماد هذا القانون الذي اعتمد بالمناسبة قبل الانتخابات بشهرين تقريبا؛ بما يعني أن الدبيبة أو غيره من المسؤولين لن يستطيعوا الترشح للانتخابات... تخيل ذلك!

لست في صدد نشر باقي تفاصيل القانون المعيب كما سماه الكثير من النشطاء، إلا أنه يكفيني القول أن هذه القوانين سمحت لمجرمين مثل حفتر وسيف معمر القذافي وغيرهما من المتورطين في الجرائم؛ بالترشح للانتخابات.

عقب هذه المرحلة بدأت مهزلة الطعون وبات التركيز الأكبر على الطعن في ترشح الدبيبة، سواء بسبب عدم التوقف عن مهامه قبل الانتخابات أو لتعهده بعدم الترشح الموقع عليه في جنيف... إلا أن مفوضية الانتخابات رفضت كل هذه الطعون معلنة عودته للسباق الرئاسي؛ في الوقت الذي كان فيه بقية المترشحين والمتورطين منهم يتقدمون بترشيحاتهم بكل أريحية!!... وصارت هناك محاولات لدق آخر مسمار في نعش الحيادية في البلاد، عبر محاولة جر السلطات القضائية إلى مستنقع السياسة وتغيير بعض القوانين وتغيير المسميات والمناصب فيها، بما يخدم مترشحين بعينهم...

وحتى لا يفهم البعض أنني أدافع عن ترشح الدبيبة، فإن المهم هنا ليس في ترشحه من عدمه، إنما في الحال الذي وصلت إليه العملية السياسية في البلاد... كيف وصلنا إلى هنا ومن المتسبب في ذلك؟

استمرار وجود البرلمان منذ عام 2014 بالتأكيد هو أحد أسباب هذه الأزمة، ثم يأتي أيضا المجلس الأعلى للدولة - المؤتمر الوطني السابق - إلى أن نصل إلى تعاطي البعثة الأممية مع الأزمة، خصوصا منذ فترة برناندينو ليون وصولا إلى يان كوبيتش.

الناظر إلى الأزمة الليبية يشاهد بوضوح عدم خلق حلول، إنما العمل متركز دائما على ترحيلها، بالتالي استمرارها لأطول فترة ممكنة...

منذ المشكلة القانونية لانتخابات عام 2014 وعدم الامتثال لقرار المحكمة الدستورية بعدم شرعية الانتخابات وحل البرلمان؛ عالجت البعثة الأزمة بالإبقاء على البرلمان، وخلق جسم جديد هو المجلس الأعلى للدولة المكون من أعضاء المؤتمر السابق، وتشكيل مجلس رئاسي كما جاء في الاتفاق الذي يعرف دوليا باتفاق الصخيرات المغربية.

هذا الاتفاق لم يأت بالخير للبلاد، واتسعت هوة الانقسام حتى أوصلتنا إلى حرب نيسان/ أبريل 2019 التي قادها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، بتأييد رئيس البرلمان وعدد لا بأس به من أعضائه، وهي الحرب التي انتهت بتدخلات دولية وقوات أجنبية على الأرض للأسف... كان سببها الشغِف بالسلطة خليفة حفتر الذي جلب مرتزقة وواحدة من أشهر الشركات الأمنية سيئة السمعة، "فاغنر"، ما اضطر السلطات في طرابلس إلى طلب الدعم من تركيا.

اليوم بعد كل هذه الأحداث يبدو المشهد أكثر ضبابية... الانتخابات التي كان من المفترض أن تجرى في كانون الأول/ ديسمبر الماضي أُجلت دون تحديد موعد حتى الآن... ورئيس البرلمان عقيلة صالح يعود إلى مهامه ويمارس عادته لإسقاط الحكومة ويتحدث في جلسته عن انتهائها ووجوب تغييرها؛ وهو رئيس لبرلمان انتهت مدته منذ أكثر من ثلاث سنوات...! هذا على الأقل!

بل يذهب إلى أبعد من ذلك... يتحدث عن مسودة الدستور التي جهزتها هيئة صياغة دستور منتخبة - والتي لا يحق له قانونيا الخوض فيها - ويقول إنها مرفوضة من كافة الأطراف الليبية ويمنع عملية الاستفتاء عليها من قبل الشعب...! تصرف يصفه البعض بـ"بلطجة السياسية".

هذا الجسم المسمى البرلمان منذ وصوله لم تشهد البلاد خيرا، ولا أعتقد أن هناك شخصا لا يتفق معي في ذلك... حروب ومآس اقتصادية عاشتها البلاد في عهده لم تعشها من قبل... صادروا حق الشعب في الاستفتاء على الدستور ومددوا لأنفسهم دون الرجوع إلى أصحاب الحق "الناخبين"...

اليوم يرغبون في تأخير الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة لنذهب في مرحلة انتقالية أخرى لا يعلم إلا الله وحده مدتها... ليطيب لهم البقاء أكثر وأكثر في السلطة... كيف يمكن أن يساهم هؤلاء في حل المشكلة إذا كانوا هم المشكلة أصلا؟... أنت كالذي يعطي اللص مفتاح الخزنة لحمايتها من السرقة...!

ألم يحن الوقت لزوال كل هذه الأجسام عن وجوهنا؟...

البرلمان المجلس الأعلى وحفتر وحاشيته والدبيبة وحكومته... بل كل من تصدر المشهد وتولى أي منصب بارز منذ عام 2011...

باعتقادي أن أسباب الثورة على هؤلاء فاقت بكثير أسباب الثورة على القذافي نفسه...
التعليقات (0)