قضايا وآراء

هل يفلح السيسي حيث أتى؟!

محمود النجار
1300x600
1300x600
الخوف والقلق سمتان طبيعيتان من سمات كل دكتاتور في هذا العالم، خصوصا في ظل وجود الفضاء الرقمي المفتوح الذي لا تستطيع سلطات أي بلد كبح جماحه؛ إلا بإجراءات مخالفة للقوانين الدولية كما في الصين وكوريا الشمالية اللتين لا تحترمان قوانين حقوق الإنسان. فالدكتاتور لا يعرف راحة بال ولا هدوء نفس ولا يعيش لحظة فرح حقيقية؛ لأنه يعرف أن ثمة حقدا عليه وكراهة له، وتربصا به من قبل جهات وأفراد تضرروا بسبب إجراءاته التعسفية، وينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض عليه، فهو يراهم في أحلامه وأحلام يقظته يطبقون الحبل على عنقه، لذلك تجده متخبطا في أقواله وأفعاله، ولا تفهم طريقة تفكيره، فجنون السلطة يهيمن على كل تصرفاته.

إن أكثر ما يخيف السيسي ويزعجه شبكات التواصل الاجتماعي التي تغسله كل يوم وتنشره ألف مرة، بعد كل خطاب له أو تصريح أو إجراء رئاسي، فهو قلق طوال الوقت، ولا ينعم بالراحة التي يحاول أحيانا أن يظهر بها. وليس أدل على ذلك من الحالة المتخبطة التي يعيشها هذه الأيام، قبيل 25 كانون الثاني/ يناير الحالي، حيث الذكرى الحادية عشرة للثورة المصرية، وهو التاريخ السنوي الذي يقض مضجعه ويجعله في حالة انعدام وزن خشية الغضب الشعبي الذي لا ينفك يشكل له مصدر قلق لا ينقطع، ذلك أن سقوطه - لو تم - لن يكون كسقوط حسني مبارك الذي حظي بمحاكمة صورية، واحتجز لبعض الوقت في مكان ذي رفاهية عالية، وقضى كثيرا من وقته في مستشفى سبع نجوم، بل سيكون سقوطه شبيها بمصير القذافي؛ بسبب ما يحمله الشعب في صدره من غل وقهر جراء ما تعرض له من تنكيل وتجويع، وتغول على حريته وحرمانه من العدالة الاجتماعية، وسوء التعليم وتدمير القطاع الخاص لصالح المؤسسة العسكرية، وعسكرة البلاد بشكل عام، هذا إذا لم نتحدث عن الوزن السياسي الكارثي الذي أوصل السيسي مصر إليه، فباتت الإمارات التي لم يكن أحد يسمع صوتها من قبل مهيمنة على القرار المصري وإن بشكل نسبي، ناهيك عن الانبطاح لدول الغرب ورشوتها بشراء الأسلحة بمليارات الدولارات بحيث أصبحت مصر الثالثة عالميا في حجم استيراد الأسلحة..!
أكثر ما يخيف السيسي ويزعجه شبكات التواصل الاجتماعي التي تغسله كل يوم وتنشره ألف مرة، بعد كل خطاب له أو تصريح أو إجراء رئاسي، فهو قلق طوال الوقت، ولا ينعم بالراحة التي يحاول أحيانا أن يظهر بها. وليس أدل على ذلك من الحالة المتخبطة التي يعيشها هذه الأيام، قبيل 25 كانون الثاني/ يناير الحالي، حيث الذكرى الحادية عشرة للثورة المصرية، وهو التاريخ السنوي الذي يقض مضجعه

لقد أنفق السيسي المليارات في الحديد والإسمنت، ولم ينفق شيئا يذكر في رفاه المواطن وصحته وتعليمه، بل ظل يعمل طوال الوقت على إفراغ جيوبه وحرمان أطفاله من الفرح، حتى بات إدراك معنى المواطنة نوعا من الفلسفة العبثية التي تنتهي دائما بفشل الإدراك..!!

وبشكل مكشوف يقدم السيسي حزمة من الإجراءات التحفيزية لبعض القطاعات في محاولة لتهدئة الشارع قبل ذكرى الثورة، وما إن فرح الأغرار بها؛ حتى أعلن وزير المالية في اليوم التالي أن التوجيهات التي أصدرها الرئيس سيتم تنفيذها بدءاً من مطلع تموز/ يوليو المقبل. وفي تصوري فإن هذه التوجيهات ما هي إلا وعود كاذبة كعشرات الوعود السابقة، ولن ترى النور، فهي لا تعدو كونها مجرد حبة أسبرين قبل صداع 25 يناير، أي على بعد يومين فقط.

وتمثلت رشاوى السيسي لبعض فئات الشعب برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام من 2400 جنيه إلى 2700، وتخصيص 45 مليارا للعلاوات والحوافز في الوظائف الحكومية، وتعيين 30 ألف معلم سنويا لمدة خمس سنوات، وتحسين ظروف بعض الهيئات التدريسية، ورفع مكافأة بعض التخصصات الطبية، إضافة إلى ما سبق ذلك من إطلاق سراح بعض النشطاء السياسيين المعتقلين. وعلى الرغم من هذه الوعود التي تعوّد المصريون على كذبها، ما زال وسم "ارحل يا سيسي" يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من عشرة أيام، وهو الوسم الذي يدعو الشارع للتظاهر في ذكرى الثورة، ذلك أن الشعب لم يعد يصدق الوعود، وبات كثير من المصريين لا يفكرون برغيف الخبز كما يفكرون بالحرية والآمن الاجتماعي.

لم يعد رغيف الخبز الذي ثارت مصر من أجله في انتفاضة الخبز أيام السادات 1977 هو الحافز لثورة قادمة؛ فقد اعتاد المصريون على الجوع بسبب أنظمة متتالية لم تفكر يوما ببطون الجياع بقدر تفكيرها في تدعيم ركائز دكتاتورية عفنة تضمن بقاء الرئيس على رأس السلطة بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن موت الشعب الواحد تلو الآخر.
يعد مصطلح "ثورة الجياع" متداولا اليوم، بل "ثورة المقهورين"؛ فالمصريون يفكرون في حياة آمنة ومجتمع نظيف وهواء نقي، بعد أن بات الإجرام والخوف يأتيهم من بين أيديهم وأسفل منهم، مرة من جهة النظام وقمعه وتجاوزاته التي بلغت حدا لا يطاق، ومرة من جهة المجرمين وقطاع الطرق واللصوص

لم يعد مصطلح "ثورة الجياع" متداولا اليوم، بل "ثورة المقهورين"؛ فالمصريون يفكرون في حياة آمنة ومجتمع نظيف وهواء نقي، بعد أن بات الإجرام والخوف يأتيهم من بين أيديهم وأسفل منهم، مرة من جهة النظام وقمعه وتجاوزاته التي بلغت حدا لا يطاق، ومرة من جهة المجرمين وقطاع الطرق واللصوص الذين ازداد عددهم بشكل هستيري. ولا يمر يوم دون أن يروع الناس خبر هنا وخبر هناك عن عدد من الجرائم في مختلف أقاليم البلاد، وهو ما دفع كثيرا من المصريين إلى حالة غليان وخوف غير مسبوق على أبنائهم وبناتهم، لا شك أنها تنذر بثورة جديدة؛ أتصور أن وقتها لم يحن بعد، لكنها قادمة بلا أدنى شك، ولن تكون مصر مطلقا كوريا الشمالية الجديدة..!

وهنا يحضرني بيتان من الشعر للشاعر المصري هاشم الرفاعي يعبران عن حالة الغليان المخنوق في نفوس المصريين:

إن احتدام النار في جوف الثرى
أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات يأتي بعده
سيل يليه تدفق الطوفان

ومن المعلوم بالضرورة أن الظلم والفساد وانهيار القيم تستشري حين تعتدي الدولة على حقوق المواطن الذي يحس بالعجز أمام جبروتها وشراسة إجراءاتها القمعية؛ فيحس بالعدمية وأنّ عليه أن ينتقم من أي أحد؛ فيستقوي على أخيه المواطن، ظنا منه بأنه بهذه الطريقة ينتقم لحقوقه المسلوبة، وتلك آفة مصر بعد تغول الدولة على الشعب في كل مفاصل حياته.

يعرف الشعب المصري جيدا ألاعيب السيسي وأكاذيبه وهشاشة تصريحاته وقراراته التي اعتاد عليها، وبات الناشطون يترقبون خطاباته وإجراءاته فقط ليتندروا عليها ويهزؤوا بها، ويتسلوا بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل هزلي. فالمصريون يدركون يقينا أن هذا الرجل ليس أكثر من مهرج يقول الشيء وعكسه بعد أن ينسى ما قاله سابقا، وهو يتوعد الشعب تارة، ويضحك له تارة أخرى. ولم تزل عباراته بعد الانقلاب الدموي ترن في آذان المصريين ويتندرون بها حتى اليوم ومن أشهرها: "إنتو عارفين إنكو نور عيننا ولا إيه؟"، ولم يكن المصريون يدركون وقتَ إذْ أنهم سيدفعون من نور أعينهم وعافيتهم؛ لتصح بها رؤية السيسي وزبانيته لاقتراف تعذيبهم وقهرهم.
رضوخ السيسي لمخاوفه ومحاولته تسكين الغضب في الشارع لدليل واضح على جبنه وعدم ثقته بنفسه، ودليل على إقراره بالظلم الواقع على المواطن. وحتى لو أوفى بوعوده؛ فإنه سوف يعطيها باليمين ويأخذها بالشمال؛ فهو أكبر مقامر ومحتال ومختلس في مصر

لو كان هناك وعي كاف لدى الموالين للانقلاب يومها؛ لأدركوا منذ اللحظة الأولى أنه كاذب مخادع، وهو الذي أكد أنه لا ينتوي الترشح للرئاسة، وأقسم أكثر من مرة قائلا: "والله ما أنا طمعان في الرئاسة"؛ ذلك أن عبارة "إنتو عارفين إنكو نور عيننا ولا إيه؟" كانت أكبر خديعة تعرض لها المصريون، ولو كان ثمة ملاحظة للغة الجسد حينها؛ لعرف المؤيدون أنه الخداع والغش والاستهبال للشعب، لكنّ الموالين حينها كانوا مأخوذين برغبتهم الجامحة الظالمة بالقضاء على حكم الإسلاميين بأي ثمن، ولم يدركوا أن الثمن سيكون من بعد أرواحهم وأرواح أهليهم وأحبتهم وما يتعرضون له الآن من كل أشكال الظلم والتعسف والفقر والبطالة.. إلخ..

إن رضوخ السيسي لمخاوفه ومحاولته تسكين الغضب في الشارع لدليل واضح على جبنه وعدم ثقته بنفسه، ودليل على إقراره بالظلم الواقع على المواطن. وحتى لو أوفى بوعوده؛ فإنه سوف يعطيها باليمين ويأخذها بالشمال؛ فهو أكبر مقامر ومحتال ومختلس في مصر. لكنه لم يحس بعد بأن اقتصاد "تلبيس الطواقي" لا يمكن أن يرفع بلدا ولا يقيم اقتصادا سليما، بل هو أقصر الطرق لإفلاس الدول وتدمير اقتصادها.

الدول التي تحترم نفسها لا تخضع لقانون الثأر العشائري، ولا تنتقم من أبنائها، ولا ترعب مواطنيها، لأن ذلك سيعود عليها بالانتقام المضاد بالضرورة؛ فالشعوب العربية بلغت من الوعي ما يكفي لتعرف كيف يكون يوم الخلاص..!!
التعليقات (5)
عبد العالي
الثلاثاء، 25-01-2022 10:05 م
مبدع دائما أستاذ محمود النجار مزيدا من التألق
بوعلوي لسعد
الإثنين، 24-01-2022 04:08 ص
(( مِنْ أَجْلِ ذَ?لِكَ كَتَبْنَا عَلَى? بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ? وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَ?لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )) صدق الله العظيم
تقوى
الأحد، 23-01-2022 07:19 م
والله لن يوفقه رب العالمين، ومع انني لم افهم العنوان لكن المقال واضح فاقول بأنه سيذهب الى السجن اذا لم يكن مثل القذافي كما ذكرت. الله غالب
ام يحيى
الأحد، 23-01-2022 06:22 م
لن يفلح السيسي فالدنيا ولا في اللخرة لانه يقتل المسلمين والصالحين من شعبه ولكن سحرة فرعون افلحوا لانهم بعد نجاح سيدناموسى عليهم امنوا فهم الفائزين المفلحون في الاخرة عند الله واني لاشعر في كتابك هذا انها تلامس واقع السيسي لانه ينتهج سياسة اسراىيل في هدم البيوت وتشريد المواطين وان شاء الله زواله قريب هو واعوانهومؤيديه لان لا يمر ظالم مهما علا
Awwad Awwad
الأحد، 23-01-2022 03:08 م
احتاجت الشعوب لأكثر من نصف قرن من الحكم الجبري ، لتثور و تنقلب على حكامها . وبعد أن فعلت و بعد عشر سنوات من استعمالها ، لم تحقق المطلوب ، بل العكس هو الصحيح. و هذا لا يعني أنني اسمك في الثورة أو ضدها ، ولكن هذه النتائج لا تشجع بإعادة نفس الخطوات ، أدركت الشعوب أن الغلابة يمكنهم عمل شغب وفوضى ولا يمكنهم حكم دول. بانتظار أولي القوة لحسم الأمر و خلع الطاغوت و تثبيت حكم صالح