كتاب عربي 21

الخيال السياسي للإسلاميين وإشكالية الدولة: كيف نخرج من النفق؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
في الكتاب المهم الصادر قبل عدة سنوات عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر للدكتورة والباحثة المصرية هبة رؤوف عزت، بعنوان: "الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها"، تطرح الباحثة العديد من الإشكالات التي واجهت وتواجه الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين في نظرتهم للدولة والقضايا المعاصرة في العالم وكيفية مقاربة مختلف التطورات التي تحصل حولنا في العالم.

ورغم أنه مضت عدة سنوات على صدور الكتاب والذي تزامن مع التطورات الحاصلة بعد الربيع العربي، فإن من يقرأه اليوم يشعر وكأنه يقرأ في كتاب الحاضر ومشكلاته، ولذلك يحتاج الإسلاميون وغيرهم من المتصدّين للشأن العام إلى إعادة قراءته والاستفادة من بعض الأفكار المهمة الواردة فيه في مواجهة التحديات التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي اليوم، ومن أجل البحث عن كيفية الخروج من النفق الذي نعيش فيه في ظل الصراعات والحروب والأزمات الممتدة على طول خارطة العالم العربي والإسلامي.

والجدير ذكره أنه قبل أشهر قليلة صدر أيضا كتاب للباحث المصري الدكتور عمار علي حسن ضمن سلسلة عالم المعرفة، بعنوان: "المجاز السياسي". وإن كان هذا الكتاب يعالج موضوعات أخرى في مقاربة العمل السياسي، فإنه يشير أيضا إلى إشكالية الخيال السياسي وكيفية مقاربة العمل السياسي برؤية أخرى تتيح لنا كيفية الخروج من بعض المآزق التي نعاني منها في عالمنا العربي والإسلامي.
يحتاج الإسلاميون وغيرهم من المتصدّين للشأن العام إلى إعادة قراءته والاستفادة من بعض الأفكار المهمة الواردة فيه في مواجهة التحديات التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي اليوم، ومن أجل البحث عن كيفية الخروج من النفق الذي نعيش فيه في ظل الصراعات والحروب والأزمات

ولست في هذا المقال بصدد تقديم قراءة نقدية أو تعريفية بكتابي "الخيال السياسي للإسلاميين" أو "المجاز السياسي"، ومدى التقارب بينهما أو الاختلاف في كيفية مقاربة الشأن السياسي اليوم، ولكنني سأختار قسما مهما من كتاب الدكتورة هبة رؤوف عزت قد يساعدنا في إعادة النظر في أدائنا السياسي، ووضع آلية تفكير أو أداء جديد في مقاربة التطورات السياسية الحاصلة حولنا.

ففي القسم الرابع من الكتاب تتحدث الكاتبة عن اتجاهات جديدة في دراسة المفاهيم على صعيد مقاربة الواقع السياسي ومنها: "التحليل المخالف للواقع"، وهو يشبه المحاكاة إلى حد كبير ويوظف فلسفة نظرية المباريات، لكنه لا يستخدم المنهج الكمي أو الإحصائي، بل هي لعبة تقوم على قاعدة تغيير المقدمات ودراسة سيناريوهات تغير النتائج بناء لذلك.

وكمثال على ذلك تقول الباحثة: ماذا لو كانت القيادة السياسية في بلد ما أثناء نزاع ما أو حرب هي قيادة ديمقراطية بدلا من القيادة الفاشية التي حكمت؟ وكيف ستكون النتائج؟ وتقوم هذه المحاولة النظرية على الربط بين مساحات ذهنية ومفاهيم لم يكن من الممكن الجمع بينها بالعودة إلى الواقع وحده وتحكيمه، أي أنها تستخدم الخيال في تفكيك الأبنية المفاهيمية وتركيبها بشكل تجريبي.

وعلى ضوء هذه الرؤية النظرية التي تشرحها الكاتبة بشكل مفصل وكيفية تطبيقها على صعيد العلاقات الدولية، تصل إلى استنتاج عملي حول كيفية مقاربة بعض الأحداث من قبل الحركات الإسلامية والإسلاميين تحت عنوان: "ماذا لو" أو "أرأيت لو أن كذا لكان كذا". وبشرح بسيط ومفصل تطرح عدة أسئلة ومنها: ماذا لو أن الإخوان المسلمين لم يشكلوا التنظيم السري في بدايات التأسيس ودخلوا معترك العمل الحزبي؟ ماذا لو حصلت المراجعات من قبل الجماعات الإسلامية في مصر في بداية التسعينات وليس في نهايتها؟

وعلى ضوء ذلك نطرح العديد من الأسئلة حول أحداث كبرى حصلت في العالم العربي والإسلامي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ماذا لو لم تندلع الحرب بين العراق وإيران عام 1980؟ وماذا لو انتهت هذه الحرب عام 1982 بعد تحرير خورمشهر بدل أن تستمر لسبع سنوات وتنتهي بتدمير البلدين؟ ماذا لو لم يجتح صدام حسين الكويت عام 1990؟ ماذا لو لم تحصل حرب اليمن الأخيرة وجرى التوصل إلى تسويات سياسية؟ ماذا لو لم يتم إلغاء الانتخابات النيابية في الجزائر بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية؟ وماذا لو لم تندلع الحرب الداخلية في الجزائر بعد ذلك لمدة عشر سنوات؟ وماذا لو لم يحصل الانقلاب في مصر ضد الإخوان المسلمين؟ وماذا لو استوعب الإخوان الانقلاب وتحولوا إلى المعارضة السياسية؟ ماذا لو لم تتحول المعارضة السورية من الدعوة إلى الإصلاح إلى صراع عسكري، وحصلت عملية إصلاح سياسية قبل عشر سنوات؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي يمكن أن نطرحها من أجل إعادة قراءة الواقع وفهم المتغيرات التي حصلت، وكي نستطيع اليوم تحديد خياراتنا السياسية تجاه ما يجري من تطورات وأحداث.

وليس الهدف من هذه الإطلالة تقديم جردة حساب أو عملية نقدية للحركات الإسلامية أو غيرها من التيارات والأحزاب في العالم العربي والإسلامي، أو إجراء جردة حساب لكل الواقع العربي والإسلامي، وإن كان ذلك مطلوبا اليوم وكل يوم، لكن الهدف هو كيفية البحث عن أفكار عملية للخروج من هذا النفق الذي نعيش فيه جميعا؛ من حروب وأزمات وصراعات تؤدي إلى تدمير بلادنا وتبديد الثروات ونشر الحقد والكراهية.
ما نعيشه اليوم من أزمات يتطلب عقليات سياسية جديدة وخيالا سياسيا جديدا، وهذه مسؤولية الإسلاميين والحركات الإسلامية أولا، لكنها مسؤولية كل الذين يتحكمون في بلادنا ومسؤولية النخب العربية والإسلامية من أجل البحث عن طرق جديدة للخروج من النفق الذي نعيش فيه

أليس بالإمكان اليوم اتخاذ قرار نهائي وحاسم من القوى المتصارعة في اليمن لوقف هذه الحرب والبحث عن تسوية دائمة؟ أليس بالإمكان التوصل إلى تسوية سريعة بين إيران من جهة وبعض الدول العربية من أجل عقد تفاهم عربي وإسلامي، وملء الفراغ الحاصل في المنطقة عبر نظام إقليمي أو نظام تعاون أو تكامل عربي وإسلامي جديد؟ أليس بالإمكان إنهاء الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية والعمل لبناء مشروع مقاوم قادر على مواجهة الاحتلال الصهيوني؟ ألا يمكن القيام بمبادرات سياسية لوقف الصراعات والانقسامات في مصر وليبيا وتونس والسودان وغيرها من الدول العربية؟

كل ذلك يحتاج لقرارات جريئة ومواقف حاسمة تخرجنا من الأفق الضيق، والبحث عن مصالح الشعوب بدل حماية الحكام والأنظمة، كي لا نقول يوما ما: ماذا لو عملنا كذا أو فعلنا كذا أو لو اتخذنا القرار الصائب؟

ما نعيشه اليوم من أزمات يتطلب عقليات سياسية جديدة وخيالا سياسيا جديدا، وهذه مسؤولية الإسلاميين والحركات الإسلامية أولا، لكنها مسؤولية كل الذين يتحكمون في بلادنا ومسؤولية النخب العربية والإسلامية من أجل البحث عن طرق جديدة للخروج من النفق الذي نعيش فيه جميعا اليوم، والعمل لبناء دولة المواطنة الحقيقية؟

فهل من يخترع لنا طرقا جديدة للتفكير أو خيالا جديدا للعمل السياسي؟ أم سنظل نقبع في هذا النفق المظلم؟

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (3)
حمدى مرجان
الخميس، 27-01-2022 12:36 م
تحسبهم مفكرين او اصحاب رأى او حتي مثقفين ولكن الجهل له اشكال متعددة الشاه كان يحكم ايران وكانت اكبر قوة في المنطقة وتساندها امريكا وهو من استولي علي الجزر بعد مغادرة بريطانيا ، فاين كان التحالف واين كانت المحميات في73 دخل صدام الحرب في مظاهرة تلفزيونية ، فقام بتوقيع اتفاقية مع الشاه بترسيم الحدود والبترول وشط العرب وقامت اسرائيل بضرب القوات العراقية من دولة عربية مجاورة ، وكان تعليق قائدها الشهير " ماكو اوامر " قامت الثورة الاسلامية وخرجت ايران من الهيمنة الامريكية واكثر ما خاف امريكا المد الثورى الاسلامي ، ففامت بالتحريض عليها ، وكان العراق وقودها ، فنقض الاتفاقية وبدأ الحرب ، يحارب ايران نيابة عن امريكا وبتمويل ومن دول الخليع ، وعندما انتهت الحرب ، خافت المحميات من العراق فدفعته امريكا الي نهايته باحتلال الكويت ، واستلم الراية اقزام الخليج ، واتخذوا ايران عدوا ، لتجنب معركة العرب الكبرى فلسطين ، فاسرائيل واعراب الخليج اخوة في الرضاعة من ماما امريكا وانتظارا لتقوم امريكا بحرب ايران كما فعلت لهم بالعراق اسقاطات التنظيم السرى لا تخف علي احد الا من يشكو الرمد العلمي والاخلاقي ، مصر كانت محتلة وكان تنظيما للمقاومة الشعبية وله بطولات وشهداء ضد معسكرات الانحليز بالاسماعيلية ، وفي حرب 48 واشترك في تدريبه قادة ثورة يوليو الاخوان المسلمون من الشعب وبه ويعرفون حاراته وزقاقاته ، ويعيشون بؤسه وفقره وجهله ومرضه وببحثون عن حقوقه وكرامته ، ويفكرون في تقدمه وريادته ،لم تغرهم المناصب ، ولم تلههم العداوات ، ولم تثنهم النوازل والملمات فهم علي مبادئهم الذى لا يعرفها ممن يدعون بالليبرالين والذين يثورون من اجل فتات السلطة
Zmfr
الخميس، 27-01-2022 08:29 ص
ما دامت هناك قوى دولية وإقليمية تتربص بنا ومصممة على تحميل الشعوب العربية اوزار تاريخية قديمة كهدم الهيكل وصلب المسيح ومقتل الحسين فكل هذه الحسابات والافتراضات التخيلية لن تجدي نفعاً ولن تجنبنا حقدهم وكيدهم والانقضاض علينا
احمد
الأربعاء، 26-01-2022 07:23 م
كما يبدو الملا قاسم قصير نسى ايران من التحليل و النقد و له الحق لانه لو ادخل بالموضوع ايران لوجدنا ان كل المشاكل بالمنطقه بدات مع ثوره خميني . اما في صلب الموضوع و بعيدا عن تحليلات بارده الجماعات او الاحزاب الاسلاميه اثبتت فشلها في السلطه قد يكون السبب فيهم او خارجي و في الحالتين غير مهم لان الحصيله سلبيه . ان ظهور اي معارضه ناضجه حتى غير اسلاميه تبحث عن مصلحه المواطن سيتم اجهاضها من الانظمه الديكتاتوريه بمساعده غربيه لان نهوض اي بلد عربي بعيدا عن الخيمه الغربيه غير مسموح به لذلك البلدان التي ما زالت تعيش بحبوحه هي الخليجيه و السبب لا يحتاج لتفسير